كاتب كويتي يتساءل: لماذا نتسامح مع اليمن والأردن والسودان ولا نغفر لعرفات والقيادة الفلسطينية موقفهم من الغزو؟
الكويت - سعد العجمي:
بعد أن هدأت العاصفة، وأخذت ردود الأفعال على موت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تبتعد عن الجانب الانفعالي العاطفي لجهة العقل والمنطق السياسي باعتبار ما سيكون، فإنه لا بد من الوقوف عند الحالة الكويتية - الفلسطينية على أساس أنها كانت علامة فارقة وحالة خاصة بالمقارنة مع المواقف العربية وردة الفعل العربي منذ الفترة التي نقل خلالها عرفات إلى باريس لتلقي العلاج مروراً بوفاته وما صاحبها وما تلاها أيضاً.
فالقطيعة بين الكويت والمنظمات الفلسطينية وتحديداً حركة (فتح) بعد الثاني من أغسطس (أ.ب) 1990م لم تعد خافية على أحد وليس من المفيد تكرار ذكر أسبابها فالجميع من المحيط إلى الخليج يعرف أدق تفاصيلها، لكن الوقوف عند مستقبل العلاقة بين الكويت والسلطة الفلسطينية هو الأهم في هذه المرحلة المفصلية، فالتقارب بين الجانبين سيكون لمصلحتهما مع هبوب رياح التغيير على المنطقة، وكذلك لمصلحة العمل العربي المشترك في ظل الوعود التي أطلقها جورج بوش من أن قيام دولة فلسطينية أمر ممكن قبل حلول العام 2009م، ما يعني أن السنوات الأربع المقبلة ستكون سنوات صراع (سلمياً) وليس عسكرياً بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وبين الإسرائيليين من جهة أخرى لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية بالحوار وليس بالسلاح، وهو الأمر الذي يحتم وجوب تقارب عربي - عربي أكثر من أي وقت مضى لدعم الفلسطينيين، ومن هنا يجب طي صفحة الخلافات العربية وأبرزها التباين الكويتي - الفلسطيني.
موت عرفات كان سجل بعض المواقف الكويتية التي قد توحي بأن نسيان أربعة عشر عاماً من القطيعة مع السلطة ليس مستحيلاً، فبرقيات العزاء بوفاة عرفات التي بعث بها كل من أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد وولي العهد الشيخ سعد العبدالله ورئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي إلى قياديي السلطة الفلسطينية، وكذلك مشاركة وزير الطاقة الشيخ أحمد الفهد في تشييع جثمان الرئيس الفلسطيني في مطار القاهرة، يفهم منها أن التقارب بين الطرفين ممكن خلال المرحلة المقبلة وأن الأمر بحاجة فقط إلى مصارحة ومكاشفة بين الطرفين لا تنقصها الشجاعة، على أن تدخل بعض الأطراف العربية (من الوزن الثقيل) كفيل بإتمام هذا التقارب وطي صفحة الماضي. وفي هذا الاتجاه أيضاً كانت السلطات الكويتية سمحت لأكثر من 40ألف فلسطيني موجودين في الكويت (كانوا 470ألف قبل الغزو العراقي) بتلقي واجب العزاء في وفاة الرئيس الفلسطيني في مقر الجالية بمنطقة حولي جنوب العاصمة.
وتشهد الساحة الكويتية هذه الأيام ظهور أصوات بعضها محسوب على الحكومة تنادي بضرورة إعادة النظر في علاقات الكويت بالفلسطينيين بعد رحيل عرفات، فالصحف الكويتية بدأت تكتب في افتتاحياتها بهذا الاتجاه، وهي وإن ذكَّرت بماضي الراحل تجاه الكويت في بعض الأحيان، فإنها وفي أحيان أخرى لم تنكر أن عرفات كان رمزاً عربياً للنضال.
ويقول أحد الكتاب الكويتيين المعروفين في مقال له بإحدى الصحف الكويتية: "لماذا عرفات والفلسطينيون بالذات لم نغفر لهم خطأ الوقوف إلى جانب صدام حسين، بينما اليمن والأردن والسودان التي كنا في الكويت نسميها بدول الضد صفحنا عنها، بل وبدأنا في مساعدتها". هذا الطرح الجديد للنخب المثقفة في الكويت بدأ يتنامى مؤخراً، ما يعني أن الأجواء أصبحت مهيأة لعودة الوئام بين الجانبين، وأن اعتذار صريحاً من الرئيس الفلسطيني القادم أياً كان كفيل بحلحلة الوضع، وهو الموقف الذي كانت تنادي به الكويت منذ أيام عرفات لكن (الاعتذار) ولو بالكلام فقط كان ثمنه على ما يبدو غالياً لدى القيادة الفلسطينية.
وتؤكد الكويت دائماً وعلى لسان أكثر من مسؤول وفي أكثر من مناسبة أنها لا تريد سوى ذلك الاعتذار للصفح عن الأخطاء وتناسي الماضي باعتبار ذلك مطلباً شعبياً.
وللإجابة عن السؤال الكبير الذي مفاده: هل ثمة أمل بتقارب يشهد بداية حقبة جديدة بين الطرفين؟، فإن الكويت التي غالباً ما تذكِّر بأن دعمها للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني لم يتوقف رغم الخلاف مع القادة ورموز المنظمات الفلسطينية، فإنها وحسب ما أكد وزير خارجيتها الشيخ محمد الصباح تنتظر الأسماء والأشخاص الذين سيتولون القرار الفلسطيني لرسم الاستراتيجية الكويتية في هذا الشأن.
ويرى مراقبون أن انتخاب محمود عباس (أبو مازن) رئيساً للسلطة سيدفع باتجاه إعادة الأمور إلى نصابها مع الكويت نظراً لما يتمتع به الرجل من علاقة مميزة مع صناع القرار الكويتيين وخصوصاً الشيخ صباح الأحمد، وقد زار أبومازن الكويت هذا العام بعد استقالته من رئاسة الوزراء، وكان محل ترحيب رسمي كبير، لكن أولئك المراقبين أيضاً يرون في حصول فاروق قدومي (أبو اللطف) على منصب مهم في السباق القادم، سيخلط الأوراق وربما يعود بها إلى نقطة الصفر نظراً لعلاقته السيئة مع الكويت رسمياً وشعبياً.
وعلى رغم سنوات الجفاء والقطيعة، فإن الكثيرين ينظرون إلى مستقبل العلاقات الفلسطينية - الكويتية بمنظار التفاؤل، سيما أن الكويت اختزلت الموضوع برمته ب"اعتذار" رسمي من قبل السلطة، وهو الخيار الذي لا يبدو صعباً على القيادة الفلسطينية القادمة إذا ما كانت جادة فعلاً في كسب مزيد من التعاطف والدعم الإقليمي والعربي بعيداً عن عقدة التنازل التي لازمتها منذ اتفاق أوسلو والذي يبدو أنها تقتصر على ما هو عربي فقط. ا كانت جادة فعلاً في كسب مزيد من التعاطف والدعم الإقليمي والعربي بعيداً عن عقدة التنازل التي لازمتها منذ اتفاق أوسلو والذي يبدو أنها
http://www.alriyadh-np.com/Contents/...TICS_30226.php