الرياض / كانت تلك المرة الاولى في حياته التي يشاهد فيها الكادر الطبي خوزيه راميرز جسدا بشريا ممزقا بفعل اصابة صاروخية واستغرق منه ذلك المشهد المرعب ساعات لاعادة توازنه النفسي ورباطة جأشه حيث لم يتدرب من قبل مطلقا في الادارة الطبية للبحرية الأمريكية على رؤية مثل ذلك المشهد المفزع لجندي مشاة البحرية الامريكية الذي تم احضاره في سبتمبر الماضي الى مستشفى ميداني عسكري خارج مدينة الفلوجة.
وقال راميرز البالغ من العمر ستاً وعشرين سنة من مدينة سان انطونيو وضابط البحرية الملحق بفرقة برافو الجراحية انني اعتدت من قبل على رؤية اناس يقضون نحبهم على الطاولات في غرف العمليات الجراحية غير ان ما شاهدته في الفلوجة كان مرعبا بحق.
وبعد شهرين من ذلك وعند اول وصول للجرحى من الجنود الامريكيين والعراقيين للمستشفى بعد اجتياح مدينة الفلوجة استعد راميرز للأسوأ من هذه المشاهد المخيفة.
وقال راميرز ان عمله مع المرضى لم يكن يؤثر عليه ولكن بعد مشاهدته المتكررة للدماء على الأرض او لشخص يحمل قطعة من ذراع او رجل ادرك ان هذه المناظر ستبقى في ذاكرته طيلة حياته.
ولقي واحد وخمسون جنديا امريكيا مصرعهم واصيب اربعمائة وخمسة وعشرون منهم بجراح منذ بدء الهجوم على مدينة الفلوجة في الثامن من نوفمبر الحالي، وبالرغم من ادعاء القادة العسكريين الامريكيين بأنهم سيطروا على المدينة فإن جنود مشاة البحرية لا يزالون يقاتلون من بيت لآخر للقضاء على ما تبقى من المقاتلين وان عواقب هذه العمليات تكون مميتة في بعض الاوقات لجنود مشاة البحرية.
وقال العاملون الطبيون في المستشفى الميداني لشركة برافو الجراحية والتي يتم نقل كافة قتلى وجرحى المعارك اليها ان اصابات الجنود في قتال الفلوجة دائما ما تكون مدمرة وان معظمهم اصيب في انفجارات قريبة منهم.
وقال رئيس فريق معالجة الصدمات النفسية دامون ساندرز ان اصابات الجنود مرعبة بحق فقد شاهدنا اعدادا متزايدة من اصابات شظايا الانفجارات وعادة ما يتعرض شخص أو شخصين الى اصابات مباشرة من المتفجرات بينما يتعرض الآخرون الى شظايا تلك الانفجارات.
واضاف ساندرز " 36عاما" من مدينة تيميكولا من ولاية كاليفورنيا قائلا بأن الاصابات في الفلوجة تعتبر اكثر قسوة وفظاعة من تلك التي يتعرض لها في العادة الجنود في العراق وعزا ذلك على نحو كبير لسيطرة عناصر المقاومة العراقية للمدينة طيلة الشهر واستعدادهم لقتال حتى الموت.
واوضح وكيل العريف في مشاة البحرية الامريكية ديفيد لين انه شهد القليل من العمليات في الايام الاولى من الهجوم على الفلوجة الا انه وخلال الاسبوع الماضي وبعد تأمين المدينة تقريبا فقد شرع مع فصيله العسكري في عمليات تفتيش منازل في احدى الاحياء الشمالية للمدينة وبعد تفتيش خمسين منزلا واثناء تفتيشه لغرفة معيشة صغيرة في احد المنازل سمع طلقات رصاص من المطبخ وشاهد قنبلة يدوية تتدحرج داخل الغرفة وحيث ان النوافذ كانت بها شبكات حديد لم يجد مفرا من المجازفة بقذف القنبلة للخارج وانتظر مختبئا في احدى اركان الغرفة للقيام بذلك الا ان القنبلة انفجرت خلفه مما اسفر عن مقتل جندي واصابة اثنين بجراح وتم احضار لين الى المستشفى الميداني الجراحي وفي ظهره اربعة وعشرين شظية وكان احد الذين اشرفوا على اسعافه وعلاجه راميرز.
وقال لين بعد تماثله للشفاء مع بقاء بعض آثار الشظايا على يديه ورجليه انه كان محظوظا حقا في تعرضه فقط لشظايا تلك القنبلة اليدوية مضيفا بأنه يرغب الآن فقط في العودة الى بلاده لرؤية زوجته.
واوضح راميرز بأن المستشفى الجراحي الميداني كان مستعدا لاستقبال اكثر عدد من الجنود الجرحى قبل بدء معركة مدينة الفلوجة ولكنه قال بأنه وزملاءه لم يكونوا مستعدين لهذا العدد الكبير من الجرحى بما في ذلك الذين يمشون على ارجلهم مما اضطر ادارة المستشفى لنصب خيمة اضافية كبيرة لمعالجة هؤلاء الجرحى الذين يتم احضارهم على نقالات.
واضاف راميرز قائلا بأنه عندما تم ابلاغهم بالتوجه الى الفلوجة فقد كان الكثيرمنهم يعتقد بأنه سيشاهد الكثير من جرحى اطلاق الرصاص ولم يكونوا يتخيلون بأنهم سيشاهدن اشخاصا بأعضاء مبتورة بسبب الانفجارات.
وقال راميرز انه قضى وقتا طويلا في طمأنة الجنود المصابين بأنهم سيتلقون افضل الرعاية الصحية وقال متذكرا بأنه كان هناك احد الجنود المصابين في حالة عصبية حادة للغاية. ومضى راميرز قائلا بأن العاملين في المستشفى الجراحي الميداني كانوا يعملون على مدار الساعة خلال اشتداد حدة المعارك في الفلوجة وبصفة خاصة اثناء تقدم قوات مشاة البحرية صوب الاحياء الجنوبية للمدينة حيث واجهوا مقاومة عنيفة من عناصر مسلحة مدربة جيدا مضيفا ان تلك ايام لا يمكنه وزملاءه نسيانها طيلة حياتهم
