ظاهرة التفرق داخل الإسلام الأسباب والعلاج
الشيعةوالسنه والخوارج
مقدمة
يعني هذا البحث المتواضع بدراسة أسباب وعوامل تفرق المسلمين وإختلافاتهم الفقهية والمذهبية وقد واجهتنا مشكلة كبيرة عندما فشلنا في إيجاد مراجع محايدة لكي نعتمد عليها في هذا البحث لقلة مثل هذه المصادر فقد إقتصرنا على بعض ما كتبه بعض أقطاب حركة التقريب بين المذاهب مثل فضيلة الشيخ حسن الصفار في كتابه الرائع التعددية والحرية في الإسلام أو ما جاء في كتاب السلفية بين أهل السنه والإمامية للأستاذ محمد الكثيري وكذلك الكتاب القيم الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم للدكتور يوسف القرضاوي
الإختلاف سنه كونية
نظرة عابرة يلقيها الباحث في تاريخ الأديان والمبادئ يجد أن ظاهرة تعدد المذاهب والفرق تشكل سمة وحالة لازمة ثابتة في جميع الأديان.
ففي بداية كل دين وأثناء حياة مؤسسه يكون مدرسة واحدة وتيارا واحدا، أما بعد فترة من الزمان وبعد ارتحال المؤسس من الدنيا فعادة ما يحصل الاختلاف والانشقاق بين اتباع ذلك الدين وتتعدد المذاهب والفرق ضمن الدين الواحد، وفي مرحلة لاحقة يحدث الانشقاق والتعدد داخل كل مذهب من المذاهب المتفرعة عن الدين الرئيسي.
بداية التفرق داخل الإسلام
وهذا حدث داخل الإسلام كما حدث من قبل داخل اليهودية والنصرانية وسنتعرض في بحثنا هذا لأهم أسباب تفرق شمل المسلمين
ذكر فضيلة العلامة الجليل الشيخ حسن الصفار في كتاب التعددية والحرية في الإسلام ما يلي ..
.....ولم يكن الإسلام بعيدا عن هذه الظاهرة، بل حدث له ما يحدث لكل الأديان والمبادئ من انقسام أتباعه إلى عدة مذاهب ومدارس وفرق. ويروي بعض أصحاب الحديث عن رسول الإسلام محمد ( ص ) أنه كان يتوقع حصول هذه الفرق والانقسامات في أمته وفقا لما حصل للأديان السماوية السابقة كاليهودية والمسيحية والمجوسية .
حيث يروى عنه ( ص ) أنه قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة.
وقد ورد هذا الحديث بصورة مختلفة في أغلب مصادر الحديث عند فرق المسلمين وناقش العديد من العلماء مدى صحة الحديث من حيث سنده ومن حيث انطباقه على الواقع الخارجي يقول العلامة الشيخ جعفر السبحاني : (وعلى كل تقدير فيجب إمعان النظر في المراد منه على فرض صحة سنده والظاهر من الحديث أن أمته تفترق إلى تلك الفرق الهائلة حقيقة غير أن المشكلة عند ذاك هو عدم بلوغ الفرق الإسلامية هذا العدد ) .
( ثم إن الذين ذهبوا إلى صحة الحديث تمايلوا يمينا ويسارا في تصحيح مفاده بعد الإذعان بصحة إسناده فقالوا: أن المراد من ذلك العدد الهائل هو المبالغة في الكثرة كما في قوله سبحـانه: ( إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم )([1]) .
وأنت خبير بأن هذه المحاولة فاشلة لأنها إنما تصح إذا ورد الحديث بصورة سبعين أو غيرها من العقود العديدة فإن هذا هو المتعارف ولكن الوارد غير ذلك فترى أن النبي يركز في حق المجوس على عدد السبعين وفي حق اليهود على عدد الإحدى والسبعين وفي حق النصارى على أثنين وسبعين وفي حق الأمة الإسلامية على ثلاث وسبعين وهذا التدرج يعرب بسهولة عن أن المراد هو البلوغ إلى هذا الحد بشكل حقيقي لا بشكل مبالغي ) .
(وهناك محاولة جيدة لمحقق كتاب الفرق بين الفرق:
وهي أنه على فرض صحة الحديث لا ينحصر الافتراق فيما كان في العصور الأولى فإن حديث الترمذي يتحدث عن افتراق أمة محمد ( ص ) وأمته مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين فيجب أن يتحدث في كل عصر عن الفرق التي نجمت في هذه الأمة من أول أمرها إلى الوقت الذي يتحدث فيه المتحدث ، ولا عليه إن كان العدد قد بلغ ما جاء في الحديث أو لم يبلغ، فمن الممكن بل المقطوع لو صح الحديث وقوع الأمر في واقع الناس على وفق ما أخبر به) .
وبعيدا عن هذا الحديث فإن تاريخ الأمة الإسلامية وواقعها المعاصر يحكي عن تعددية في المذاهب والمدارس أبرزها حاليا.
- السنة بمذاهبها الأربعة: (المالكي- الحنفي- الشافعي- الحنبلي) .
- الشيعة بطوائفها الثلاث: ( الإمامية الاثنى عشرية- الزيدية- الإسماعيلية ).
- الخوارج والمعروف منهم حالياً : ( الإباضية ) .. ([2])
عوامل وأسباب التفرق
وعوامل وأسباب هذا الإختلاف كثيرة ومتعددة وقد تكلم عنها الشيخ حسن
الصفار بإسهاب في كتابه القيم التعددية والحرية في الإسلام فقال تحت عنوان
العوامل والأسباب ....
..... في حياة مؤسس أي دين وبسبب التفاف الأتباع حوله وإيمانهم به ، وممارسته دور القائد الذي يرجع إليه في مختلف الشؤون، فإن حصول الانشقاق وتعدد المذاهب ضمن ذلك الدين يكون مستبعدا ونادر الوقوع، ولكن إذا فارق القائد المؤسس الحياة فإن المجال يصبح مفتوحا لتعدد الآراء واختلاف الإرادات بين اتباعه حيث تتأطر وتتبلور على شكل مذاهب وطوائف وفرق بمرور الزمن.
ولكن لماذا يحصل الانشقاق بين اتباع الدين الواحد ؟ ولماذا تتعدد المذاهب والطوائف فيه ؟ وما هي العوامل والأسباب التي تنبثق منها هذه الظاهرة بشكل عام؟
يمكننا تسليط الضوء على العوامل والأسباب التالية والتي هي مشتركة غالبا في جميع حالات تعدد مذاهب الأديان:
أولا: العامل الفكري : فبسبب تفاوت العقول والأفكار واختلاف مستويات الإدراك والمعرفة يحصل تباين في فهم معتقدات الدين وتفسير تعاليمه، وإذا كان القائد المؤسس مرجعا للحسم والفصل يخضع له الجميع في حياته، فليس هناك ما يدعو هذا الطرف أو ذاك للتنازل عن فهمه ورأيه بعد وفاة المؤسس، بل يعتقد كل طرف أن فهمه ورأيه هو الأصح والأصوب، هنا تبدأ بذور الانشقاق والتعدد.
وعلى أساس ذلك الاختلاف الفكري قد يحصل تعارض في المواقف السياسية أيضا.
وكنموذج لتأثير الاختلاف الفكري في إنشاء المذاهب وتعدديتها
: الانقسام الذي حصل بين علماء المسلمين أواخر القرن الأول الهجري إلى أهل الحديث وأهل الرأي فقد كان الفقهاء في الحجاز يعتمدون النصوص والأحاديث كمصدر أساسي لاستنباط الأحكام الشرعية ولا يعطون اعتبارا كبيرا للقياس والرأي بعكس فقهاء العراق القائلين بالقياس والرأي.
وكان أهل الحديث يعيبون أهل الرأي بأنهم يتركون الأحاديث لأقيستهم ، والدين لا يقاس بالرأي، و انما سموا أهل الرأي لأن عنايتهم بتحصيل وجه من القياس والمعنى المستنبط من الأحكام وبناء الحوادث عليها، وربما يقدمون القياس الجلي على آحاد الأخبار، وطريقتهم أن للشريعة مصالح مقصودة التحصيل من أجلها شرعت، فجعلوا هذه المصالح أصلا من أصول الأدلة إذا لم يجدوا نصا في الكتاب والسنة الصحيحة عندهم، وقد كانت قليلة العدد لبعد العراق عن موطن الحديث.
وأما أهل الحديث فلم يجعلوا للرأي والقياس في استنباط الأحكام هذا المحل، واتسعت شقة الخلاف واحتدم النزاع وافترق أهل الفتيا إلى فرقتين !!! .
ولم يقتصر الخلاف بين المنهجين على الجانب الفقهي بالطبع بل انعكست آثاره على المجالات العقائدية ، فكان أهل الحديث يتعبدون بظواهر الآيات والروايات ويبنون عليها عقائدهم دون التعمق في مفاهيمها أو قبول التأويل لمتشابهاتها ، بينما كان أهل الرأي والذين أطلق عليهم "المعتزلة" فيما بعد يتمسكون بالعقل أكثر من النقل ويؤولون النقل إذا وجدوه مخالفا لفكرتهم وكان التشاجر قائمأ على ساقيه بين الفرقتين طوال قرون .
ويقسم السيد محمد تقي الحكيم مناشئ الاختلاف الفقهي بين علماء المسلمين إلى قسمين:
ا- الخلاف في الأصول والمباني العامة التي يعتمدونها في استنباطهم، كالخلاف في حجية أصالة الظهور الكتابي، أو الإجماع، أو القياس، أو الإستصحاب، أو غيرها من المباني مما يقع موقع الكبرى من قياس الاستنباط.
2- اختلافهم في مدى انطباق هذه الكبريات على صغرياتها بعد اتفاقهم على الكبرى سواء كان منشأ الخلاف اختلافا في الضوابط التي تعطى لتشخيص الصغريات بوجهة عامة أم ادعاء وجود قرائن خاصة لها مدخلية في التشخيص لدى بعض وإنكارها لدى آخرين كأن يستفيد أحدهم من آية الوضوء، مثلاً - بعد اتفاقهم على حجية الكتاب- أن التحديد فيها انما هو تحديد لطبيعة الغسل وبيان لكيفيته فيفتي تبعا لذلك بالوضوء المنكوس بينما يستفيد الآخرون انه تحديد للمغسول وليس فيه أية دلالة على بيان كيفية الغسل أي أنه لم يكن في مقام البيان من هذه الجهة فلا بد من التماس بيان الكيفية من الرجوع إلى الأدلة الأخرى كالوضوءات البيانية وغيرها .
ولسنا الآن بصدد استعراض واستقصاء موارد الخلاف العقائدي والفقهي بين المذاهب الإسلامية ولكننا أشرنا فقط إلى نموذج لدور العامل الفكري العلمي في حصول المذاهب والفرق.
ثانيا: العامل السياسي و المصلحي : فالفراغ القيادي الذي يتركه المؤسس يخلق حالة من التنافس على السلطة، وباستمرار فان التطلع للحكم وجاذبية السلطة، والرغبة في المصالح كل ذلك يشجع على حدوث الإنشقاقات والخلافات، وقد يستعار لها غطاء عقائدي لتبريرها وكسب المؤيدين وكما أن الخلاف الفكري قد ينتج عنه خلاف سياسي، فإن الصراع السياسي والخلافات المصلحية قد