بسم الله الرحمن الرحيم .. وبه نستعين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ..
أخي / أختي : kori
أشعر بالمجهود الذي بذلته حضرتك في جمع هذا البحث من مصادر مختلفة ..
ولكن أتمنى أن تقرأ معي هذا البحث بهدوء ..
أولا : نشأة وتطور التوحيد ..
هذا ما يدعو به الفلاسفة في كل عصر وأوان .. فهم يدعوا أن التوحيد نشأ وتطور حتى وصل إلى ما نحن عليه الآن ..
وقد وددت أن أنقل كلاما طيبا في هذا الموضوع للأخت " أم عبد الهادي " – منتدى الاستاذ عمرو خالد بعنوان " دعوة للتفكر " .. تقول فيه :
حصل لي مع أستاذة علم الاجتماع فيالجامعة موقف ، وذلك عندما كنا ندرس مدخلاً لذلك العلم، فقد حدثتنا مرة فيمحاضرة عن النظام الديني وآراء العلماء فيه، -أمثال ماكس فيبر ودوركايم وتيلوروفريزر وغيرهم- أن الإنسان قد مر عبر التاريخ بمراحل دينية متعددة، متواكبة معمراحله الاقتصادية، مرحلة الصيد، ثم الزراعة، ثم الإقطاعيات الكبرى، ثمالرأسمالية....إلخ.
وأن الجزيرة العربية قد شهدتتطوراً دينياً مماثلاً، فقد مر الدين فيها بالمراحل التالية: الوثنية / عبادةالكواكب وتقديس مظاهر الطبيعة/ التأثر بالأديان السماوية/ التوحيد/ الدينالإسلامي...
يقصدون طبعاً أن التوحيد سابق علىالإسلام، بناء على وجود بعض الموحدين أمثال القس بن ساعدة والشاعر لبيد وغيرهما منعقلاء العرب الذين يسمون بالأحناف...
ولما كنت أعرف مدى تدين تلكالأستاذة، فقد انتظرت منها أن تنتقد هذا الكلام المعارض لبديهيات الدين، وحقائقالتاريخ، وتبين بطلانه، لكنها مضت في محاضرتها، وكأن ما ذكرته حقائق علمية مسلمبها!!....
فما كان مني إلا أن طلبت التعليقفي نهاية المحاضرة، وقلت لها: أستاذتي الفاضلة، إنك لم تبيني لنا أن الكلام الذيذكرته عن تطور الأديان والطقوس الدينية، والشعائر التعبدية، ما هو إلا محض أوهاموتخيلات لعلماء الغرب، وضعوها متأثرين بنظرية دارون للتطور، والتي كانت سائدة علىكل مجالات العلوم في ذلك العصر.
فدهشت مني.....
فمضيت أبين لها وللطلبة كيف أنالحديث عن تطور الأديان ينافي صريح القرآن الكريم الذي يبين لنا أن آدم أبو البشر،وأصل الإنسانية: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منهازوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء..... } (النساء1) ((رداً على أوهام عبد الصبورشاهين))
أن آدم عليه السلام (أبو البشروأبو الجنس الإنساني) كان مسلماً موحداً، يعبد الله تعالى على شريعة، تبين لهالحلال من الحرام، ويقرِّب أبناؤه لربهم تبارك وتعالى القرابين، فيقبل من صالحهم،ولا يتقبل من فاسدهم.....
ثم ضلت البشرية عن طريق الهداية،فأرسل الله تعالى نوحاً عليه السلام.... وهكذا....
بدأت البشرية مهتدية مسلمة،فاحتوشتها الشياطين، فأضلتها عن سبيل ربها، فأرسل الله تعالى رسله ليخرجوا الناس منالظلمات إلى النور...
فتاريخ البشرية الحقيقي، كمايبينه لنا الخبير العليم، الرقيب البصير، هو تعاقب بين الهداية والتوحيد، وبينالضلالة والشرك بمختلف أنواعه...
ولم يترك الله تعالى أمة منالأمم، ولا جيلاً من الأجيال إلا وأرسل له رسلاً لهدايته: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}..(22 فاطر)
وإذا علمنا أن الفترة التي تسبقالبعثة المحمدية الشريفة، قد سمي أهلها بأهل الفترة، لأنها كانت أطول مدة زمنيةبقيت فيها البشرية دون رسالات سماوية، (رسالات... وليس أديان... لأن الدين واحد وهوالإسلام) وأن هذه الفترة كانت أقل من 600 عام، ما بين ميلاد السيد المسيح عليهالسلام، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، تبين لنا أن هذه الأحقاب التاريخيةوالتطورات التي يحدثنا بها علماء الاجتماع ويبنون عليها نظرياتهم، ما هي إلا وهمواختلاق، وأن من يرددها من المسلمين، ما هو إلا جاهل بدينه، أو جاهل بالأهدافالخبيثة من وراء تلك النظريات، أو مقلد للغرب تقليداً أعمى، فاقداً للقدرة علىالتمييز والنقاش.
هذه هي الحقيقة التي أكرمنا اللهتعالى بمعرفتها في محكم تنزيله، وحُجبت عن علماء الغرب العظام، فوضعوا نظرياتهمالاجتماعية وفق ظنونهم وأوهامهم وتصوراتهم...
فكيف نترك العلم اليقيني إلىالعلم الظني؟؟!!....
{وما لهم به من علم إن يتبعون إلاالظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً}(النجم28)
ترى ماذا كان هدف علماء الاجتماعمن نظرية تطور الأديان هذه؟
وما هدف العلمانيين الذين أدخلوهاإلى مناهجنا على أنها حقائق علمية، من لا يؤمن بها متخلف رجعي، لا يعرف شيئا عنالعلم الحديث؟
الهدف يا إخوتي هو الوصول لعدةنقاط:
1- النقطة الأولى، أن الشريعة الإسلامية ليست ديناً ربانياً ووحياًإلهياً، وإنما هي نتيجة حتمية، لتطور البشر وتطور تفاعلاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية،وتعقد بنيانهم الاجتماعي بما يتوافق مع نموهم الاقتصادي، والذي أدى إلى تطور طرقتفكيرهم بالجملة، ونظرتهم إلى الأديان بالخصوص....
هل لاحظتمالمطلوب؟؟...
أي أن الدين هونتيجة حتمية لتطور البشرية.... فهو ثمرة لهذا التطور..
وبالتالي.... فالدين نتاجبشري.
وهذا مربطالفرس.
2- النقطة الثانية: أن البشرية التي تسير في مدارج التطور، لن تقف عند هذهالنقطة، بل ستتجاوزها في مسيرتها التقدمية، فبعد أن وصلت إلى أعلى مستوى من التصورالديني، ألا وهو التوحيد في ظل شريعة الإسلام، فإنها ستتجاوز هذه المرحلة، وتصللمرحلة النضج والوعي والإيمان بالعلم وحده، والتحرر من المخاوف والأوهام الغيبية،التي تملأ الشعور بالخوف والوجل، فتجعل الإنسانيبحث عن قوى غيبية يرتبط بها بمسمىالدين...
فالعلم سيحرر البشر من الخوف،ويقتحم لهم عوالم المجهول، ويعطيهم مفاتيح الحقائق، فلن يبقى هناك أسرار ولا غموضيلجئهم إلى الإيمان بالأديان أو القوى الغيبية، ويتحقق التحرر الكامل، ولا تكونالسلطة إلا للعلم...
هذا ما كان الغرب يريد أن يثبتهليحرر نفسه من أي شريعة أو قانون، ويتحرر من سلطة الكنيسة التي كانت تقاوم العلموتعوق مسيرة التطور، ففر منها الإنسان الغربي، وطلقها طلاقاً لا رجعة فيه، وكفر بهاوبكل الأديان جملة وتفصيلاً، ولما أحس الإنسان بالضياع والقلق نتيجة العطش الروحيالذي أصابه، أعاد لكنائسه دورا هزيلا باهتا، لا يتعدى حدود يوم الأحد، كلما رغبببعض الروحانيات.
وجاء المستعمر لبلادنا، ليرسم لنامناهجنا وخططنا التعليمية، وتتلمذ على يده جيل من العلمانيين المستغربين، الذينتحكموا في وضع المناهج، وخطط العلم والتعليم، وتبنوا هذه الأفكار الملحدة، وأرادواأن يزرعوها رويدأً رويداً في عقول طلبتنا وأساتذتناومفكرينا.
وأشد ما آسف له أن أرى أناساً علىقدر كبير من الدين والتقوى، يرددون هذه الأوهام والمغالطات، بل ويستندون إليها فيإثبات عظمة الإسلام، وتفوق الإسلام، باعتباره الذروة التي وصل إليها تطورالأديان.
وهذا ما يفعله الزهد في تلقيالعلوم الشرعية، واكتساب الثقافة الإسلامية الواعية، والاكتفاء من الدين بالشعائرالتعبدية، مع الإقبال على كل الثقافات والعلوم الأخرى، دون سلاح ولا دروع، كالمحاربالشجاع يذهب ليقابل الدبابات والأسلحة الفتاكة بصدره الأعزل، ويحسب أنه سينصر بلدهأو قومه... تراه شجاع أم متهور؟
(طبعاً لم أقل كل ذلك الكلام فيتلك المحاضرة، فجمل سريعة منه كانت كافية لإقناع أستاذتنا الكريمة تلك، حفظها اللهوجزاها عنا خيراً )
إن مما يثبت بطلان نظريات علماءالاجتماع السابقة الذكر-حتى بالنسبة لمن لا يؤمنون بالقرآن- وأن هذه النظريات لاتستند إلا إلى أوهام واضعيها، واجتهاداتهم الخائبة في دراسة التاريخ من زاويةرؤيتهم الضيقة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما بعث بالإسلام، لم تكن العقولمهيئة أبداً لاستقبال تلك الرسالة –كما يزعمون- بل فوجئت بذلك أيما مفاجأة... { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم، وقال الكافرون هذا ساحر كذاب. أجعل الآلهة إلهاً واحداًإن هذا لشيء عجاب. وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيءيراد. ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلق. أءُنزل عليه الذكر منبيننا، بل هم في شك من ذكري، بل لمّا يذوقوا عذاب}(سورة "ص"4 - 8)
وقد كانت جزيرة العرب تعجبالوثنية من عباد الأصنام إلى عباد الأشجار إلى عباد الكواكب إلى عباد الجنوالملائكة.... فأين هو التطور الديني الذي تسلم فيه مرحلة إلى مرحلة؟..
{ومنآياته الليل والنهار والشمس والقمر،لا تسجدوا للشمس ولاللقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} (فصلت 37)
{أفرأيتماللات والعزى، ومناةالثالثة الأخرى}( النجم 19– 20 )
{ولا يأمركم أن تتخذواالملائكة والنبيينأربابا،أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (آل عمران 80)
{وأنه كان رجال من الإنس يعوذونبرجال منالجنفزادوهم رهقاً } (الجن 6 )
كل أنواع الشرك هذه جنباً إلى جنبمع اليهودية والنصرانية....
فأين هو هذاالتطور...
ولا تقولوا أنني استدللت على هذابالقرآن، فتاريخ كل بلد وقبيلة وعبادتها معروف ومدون في كتب التاريخ، ويثبت ماأقول.
فأين هي الديانات التي تنتقل منمرحلة لمرحلة، وهاهو التاريخ شاهد بأن جميع الديانات كانت موجودة جنباً إلى جنب فيمرحلة واحدة وعصر واحد؟...
وهاهو عصرنا الحاضر يضم أناساً منمختلف الملل والنحل، فنجد اليهودية إلى النصرانية بمللهما المختلفة، إلى جانبالهندوسية والبوذية والمجوسية والبراهمة، فلِمَ لم ترتقي هذه المجتمعات، وتتسلق سلمالتطور الديني؟؟...
ولقد بلغت اليابان ذروة الرقيالتكنولوجي، والتطور والتعقيد في البناء الاجتماعي، ونظمه وأنساقه، ومع ذلك فلازالت عقيدتها هي عبادة بوذا، هذا الوثن ذا الكرش المنتفخ....
فليتنا نستيقظ أيها المسلمون،ونعي ما يدبره أعداؤنا لنا، ولا نقبل علومهم وثقافاتهم على أنها حقائق لا تناقش،ونبني عليها استنتاجاتنا وتحركاتنا، ونقيس إليها قرآننا وديننا، بل نعلم أن اللهتعالى قد أكرمنا بالحقيقة الثابتة في محكم تنزيله، فما تماشى معها قبلناه، وماناقضها طرحناه، مهما ساق له العلماء من دلائل، ونحن على يقين أن هذه الدلائلوالبراهين سيثبت زيفها وبطلانها يوماً ما، لأنها تناقض الحقيقة اليقينية التيأخبرنا بها العليم الخبير، في هذا الكنز العظيم الذي فضلنا به على سائر الأمم،وحملنا أمانته:
{وإنه لذكر لك ولقومك ولسوف تسألون}
أمستعدون أنتم لهذاالسؤال؟؟...
وهذا ينفي تماما موضوع نشأة التوحيد وتطوره .. فقد كان سيدنا آدم أبو البشر موحدا خالصا لله رب العالمين .. وبالتالي فلا مجال لهذه الأوهام التي يحاول أن يفرضها علينا الفلاسفة ..