والبواقى:
---------------------
فالآية الكريمة قد تتضمن أو ترجّح معنى أن ياجوج وماجوج في آخر الأرض وأقصاها (العالم القديم خاصة)،وأن بلوغها يُعدّ غاية ونهاية الفتوحات العسكرية،التي لا يكون بعدها بلاد نائية بكر غير مفتوحة،والله أعلم. وقد حذّر خاتم الرسل النبي العربي عليه أفضل الصلاة والسلام، من قرب انبعاثهم: [(لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)،صحيح البخاري ومسلم].
فتح العرب بلاد ماوراء النهر [705 م ـ 714م] وقد تُسمّى بلاد الترك [التي كانت الباب الذي تدفقت منه الشعوب التركية (ياجوج؟)، وهم أعراب رعاة خيل من أواسط آسيه السهبية مابين منغوليه والبحر الأسود، ثم تلتهم الشعوب المغولية (ماجوج؟)] ، ووصل العرب أو قاربوا حدود الصين وانتزعوا منهم كشغر، واستطاع العرب المسلمون قهر الشعوب التركية (الغُزّ أو الأوغوز، وربما تتقارب اللفظة مع ياجوج) في تلك المناطق والتي قد تكون هي ياجوج أو من بلاد ياجوج عموماً.ونشطت التجارة مع الترك وكثر تجنيدهم بالجيش لحماية الحدود الإسلامية وفتح ما وراءها ، وانتشر الإسلام بين أعراب الترك.وتوطد نفوذ الإسلام في التركستان منذ العهد العباسي الأول وكثرت التجارة والرقيق الذي وصل زمن المعتصم إلى قصور الخلافة والحكام.ثم مالبث أن دخل العنصر التركي الجيش وفرض نفسه على الخلفاء. وقد تدفقت منذ الفتح العربي (الذي أجبر الأعراب الرحّل على غزو حدود الصين، وأجبر أعراب المغير على غزو أوروبه واستيطان المجر بالقرن 9م) لتلك الأصقاع (تخوم بلاد ياجوج وماجوج ؟) الشعوب التركية (ياجوج؟) بشكل كثيف عبر السنين ولعبوا دوراً عظيماً في التاريخ الإسلامي ولعل منهم السلاجقة حماة الإسلام (وهم من الغُزّ) وأتباعهم الخوارزمة [الذين شكّلوا دولة قوية في مابين النهرين ، وتحدّوا الدولة العباسية وغيرها،وكان جُلّ جيشهم من ترك القبجاق] وكثير من المماليك بالهند ومصر وغيرهم.
ومنذ القرن التاسع للميلاد بدأت القبائل التركية المسلمة (الغُزّ) يدخلون بلاد المسلمين ولأكثر من قرن سيطروا على بلاط بني العباس . وقد كان المعتصم أول من استخدم الترك بالجيش والمناصب وبنى لهم سامراء (وأسقط العرب من ديوان الجيش)،وقيل بدىء استخدام المماليك بالجيش منذ أيام الرشيد.وفي العصر العباسي الثاني وقع الخلفاء تحت نفوذ القواد الأتراك الذين استبدوا بالخلفاء (قتل قادة الجيش الترك الخليفة المتوكل 861م) .وقد ناصر الحمدانيون العرب الخلافة وقمعوا المتسلّطين عليها من الترك. واستطاعت سلالتان تركيتان نزع مصر والشام من بني العباس هما آل طولون [الذي ضم جيشه 24 ألف رقيق تركي] وآل إخشيد (868 ـ 969 م) وظهر السامانيون الذي سادوا ماوراء النهر وخراسان واستخدموا المماليك الترك حتى صار الحكم بيدهم، واستقل الغزنويون (وهم مماليك أتراك) بإيران وشمال الهند ، وبالقرن 11 م ، استطاع السلاجقة الأتراك (1037 م ـ 1302 م) حكم كثير من البلاد الإسلامية وقهر الروم (1071م) واجتياح آسيه الصغرى مما استفز ذلك الحملات الصليبية (وأكثرهم في الأصل أعراب أوروبه الجرمان).
والسلاجقة تركمان (منبعهم تركستان الطبيعية بوسط آسيه) وهم من الغُزّ ، وقيل أن اسمهم من اسم سلفهم سلجوق بن دقاق (ولفظة توكو بالصينية تعني الترك).وقد انتشرت أفواج أخرى من الغُزّ حتى أذربيجان وأرمينيه. فالغُزّ والسلاجقة كانوا بداية أقواماً بدوية وافرة الأعداد هددت المسلمين من الخارج وكانوا أعداءاً للدين،ثم دخلوا بموجات بشرية كاسحة إلا أنهم كانوا مسلمين خداماً للإسلام مخلصين ،قد تركوا جاهليتهم نهائياً. وكثر من بعدهم تدفق الموجات التركية لبلاد الإسلام (خاصة نحو فارس والعراق وسوريه). وتمكن المماليك الأتراك ومن بعدهم خلجي وتغلق وهم ترك أيضاً ،الاستقلال بدلهي ونواحي الهند (1206 م ـ 1412 م) وساد مماليك مصر والشام [وهم عبيد أتراك ومغول وشركس (الشراكسة شمال غرب القوقاز ونحو البحر الأسود)] حوالي 3 قرون،منذ 1251م حتى 1517م،وقيل المماليك الترك من القبجاق وتركستان وخوارزم.
ولما مرّ على ظهور الإسلام حوالي ستة قرون ،استطاع المغولي (جنكيز خان) ولأول مرة في تاريخ بوادي آسيه (آجيه؟) أن يشكّل أعظم اتحاد لجميع أو معظم تلك القبائل البدوية المتناحرة (تركية ومغولية) في اتجاه مشترك وتحت سلطان واحد.وقد سبقه في ذلك الغُزّ الترك (امتدت إمبراطورية الغُزّ في قرن 7 م من منغوليه حتى البحر الأسود) والهياطلة وغيرهم . حيث خرجت هذه الجموع المغولية والتركية المتحدة والكثيفة والمتوحشة من كل حدب من مواطنها ببوادي آسيه: نحو الصين شرقاً وجنوباً (عبر جنكيز خان سور الصين خلال الفترة 1207م ـ 1211م) ،ونحو روسيه وأوروبه شمالاً وغرباً ونحو بلاد المسلمين والهند غرباً وجنوباً . وجاء باللسان: [ وفي حديث يأْجُوجَ ومأْجوجَ:وهم مِن كل حَدَب يَنْسِلُون؛ يريد: يَظْهَرُون من غَلِيظِ الأَرض ومُرْتَفِعها. وقال الفرَّاءُ: مِنْ كُلّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، مِنْ كُلِّ أَكَمَةٍ، ومن كل مَوْضِع مُرْتَفِعٍ، والجَمْعُ أَحْدابٌ وحِدابٌ]. ومواطن تلك القبائل البدوية هي خلف جبال آسيه العملاقة (وراء السدّين) بوسط آسيه وشمالها في الأغلب وهي سلاسل جبلية عملاقة تكاد تفصل شمال آسيه عن جنوبها. وقد خرجت تلك القبائل من نحو تلك السلاسل الجبلية نحو بلاد ماوراء النهر وانساحوا نحو جبال إيران والبرز،وانطلقوا منها نحو أوروبه عبر جبال القوقاز، أو من أواسط آسيه نحو جبال آرال وجبال شرق أوروبه.
وعاثت تلك القبائل الأعرابية في الأرض فساداً وتدميراً وسفكاً وحرقاً لم يشهد التاريخ مثله من قبل وحازت تلك القبائل الأعرابية المتحدة على حوالي أكثر من نصف الأرض وهي مساحة لم يستطع شعب من قبل تحقيقها.وبلغ تقدير قتلى حروب جنكيز خان وجيوشه ما يقارب 20 مليون نفس،وقيل أن المغول أول من استخدم البارود في الحرب، واستطاعوا جعل الصين دولة واحدة (رغم تمكن بعض أسر الصين الأولى من توحيد البلاد توحيداً جزئياً أو مؤقتاً) مازالت متحدة بسببهم إلى اليوم ، وكذلك تسببوا في وحدة روسيه التي اجتاحوها عن بكرة أبيها،منذ 1237م، وعاثوا فيها دماراً وحرقاً وسفكاً والتي هيمنوا عليها بقبائل التتر (وهم ترك كومان من عند نهري الفولجا والدون ،أصلهم الأول من وسط سيبريه أو شرق آسيه الوسطى) التي أخضعوها وجرفوها معهم ،كما ساعدوا في ازدهار موسكو الناشئة بعد أن صاهر أميرها خان الحشد الذهبي،وقد اجتاحت قبائل التتر تحت قيادة المغول (حوالي 150 -200 ألف فارس) المجر وبولنده، ووصل المغول بحر شرق إيطاليه 1241م،واستعدوا لغزو غرب أوروبه الذين لم ينقذهم من بأس المغول إلا موت ابن جنكيز 1242م . وفي عام 1246م/1247م استجدى البابا المذعور،المغول وتذلّل لهم متضرّعاً ألا يغزوا أوروبه، وتخلّى عن صُلبانه وعيدانه ونسي إلهه المسيح.ولم يبدأ تداعي تلك السيطرة التترية المغولية (1242م ـ 1502 م) بجنوب روسيه وشرق أوروبه ، إلاّ بحلول طاعون الموت الأسود ( 1346-1347م) ثم بغزو تيمورلنك الأوزبكي للحشد (1395م)،وتفككه من بعده بين بنيه.ولم تتخلص روسيه (خاصة جنوبها) من قبضة التتر أو الحشد الذهبي (أسسه حفيد جنكيز،وعُرفوا بإمبراطورية أو خانات القبجاق أو القبيلة الذهبية، وسيطروا على جنوب روسيه والبلقان،وقد اعتنق أكثرهم الإسلام) إلاّ قريباً من عام 1500م. وما زال الأوربيون حتى ذلك الحين يعتبرون آسيه منطقة محرّمة مخيفة يتدفق منها الغزاة الأعراب (ياجوج وماجوج؟).
وبعد حوالي نصف القرن من انبعاث المغول، منّ الله على المسلمين بأن يقهروا المغول (ماجوج؟) دون جميع الشعوب والأديان التي لم تستطع أن تفعل شيئاً ، لا يهود ولا نصارى ولا صين ولا هند ولا أوروبه ولا شرق ولا غرب.ولأول مرة في تاريخ المغول خلال حوالي نصف قرن منذ توحيدهم وقهرهم شعوب الأرض ،ذاقوا مرارة الهزيمة تحت شفرات سيوف المسلمين التي ضربت المغول فوق الأعناق وضربت منهم كل بنان، ويفر المغول الذين أرعبوا شعوب الأرض ويولّون الدبر ،خوفاً من الموت وطمعاً في الحياة ،وتتحطم الأسطورة المغولية على يد جند الله المسلمين في موقعة عين جالوت (658هـ/1260م). وبعدها بفترة بسيطة دخل المغول بأعداد متزايدة عبر السنين في الإسلام حتى ذابوا تقريباً في المسلمين. ولغيظ المؤرخين الأوربيين وحسدهم فإنهم لا يعترفون بهذا اليوم المشهود والحدث العالمي العظيم الذي أنقذ البشرية جمعاء ، والذي توالت بعده هزائم المغول على مدى قرن أو قرنين لاحقين، وهذا دليل واضح على عدم وجود الإنصاف لدى النصارى مهما تجرّدوا ، مادام الأمر فيه اعتراف بفضل للمسلمين الذين رحم الله بهم العالمين .
وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ {120} البقرة
وحكمت دولة هولاكو (الايلخانية) من بعده ،العراق وإيران (1251م ـ 1336 م ) ومن بعدهم حكمت العراق وإيران سلالات مغولية (جلائرية) وتركية تركمانية (قره قويونلي) حتى حوالي عام 1500م وساد فرع المغول (جغطاي) الذين أسلموا ،بآسيه الوسطى حتى 1400م.
وفي حوالي 1400 م خرج التركي الأوزبكي تيمور لنك وهو مسلم،بقبائله ليغزو بلاد المسلمين مقلّداً جنكيز خان، ودكّ الحشد الذهبي المسلم (المغول والتتر الذين قهروا الروس، والذي انقسم بعد موته،وسهّل على الروس فيما بعد التخلّص من حكمهم)، وامتدت غزواته من موسكو حتى شرق الهند ،وحكم احفاده من بعده إيران (1405م ـ 1501 م) . وأحد احفاده أسّس سلالة المُغُل بالهند ( 1526م ـ 1858 م ) حتى سيطرة بريطانيه.
ودولة المغول قد تسببت في جعل أوروبه تعرف الصين والشرق والعكس صحيح (كقدوم الصينيين روسيه وبقية أوروبه) وأن تتعارف الشعوب والثقافات والعادات المختلفة بسبب تسامحهم الكبير في الأديان رغم بأسهم ووحشيتهم في قتل الأبرياء، وازدهرت التجارة المباشرة وشُقّت طرقها البرية في عهدهم لربط الامبراطورية الشاسعة،فزاد اتصال الشعوب وهجراتها. وقد تمكنت الصين من طرد المغول في 1370 م ، لتعود أعراب منشوريه (المنشو) بنو عم المغول فتحتل الصين ثانية عام 1644م حتى القرن العشرين (وقد سبق أن احتل أجدادهم أعراب جوشن Juchen ،شمال الصين منذ 1127 م ولمدة قرن) ،وقد تضخّم سكّان الصين في عهدهم في فترة قرن ونصف من ( 150 إلى 400 ) مليون. واستطاع الأتراك العثمانيون (وهم من الغُزّ) أن يخلفوا أسيادهم سلاجقة الروم (قُبيل نهايتهم) ويفتحوا القسطنطينية (1453م) وينهوا تاريخ الروم (بيزنطة)، ويقهروا شعوب جنوب شرق أوروبه (خاصة شبه جزيرة البلقان) ويسودوا معظم بلاد المسلمين وبلغوا أوجهم قبيل حوالي 1600 م ، ورغم تدهورهم فقد ظلوا سلاطين العالم الإسلامي حتى أوائل القرن العشرين. ورغم أن تُرك بني عثمان قد قضوا على ترك وجراكسة مماليك مصر ،إلى أن المماليك الشراكسة تمكنوا من البقاء والسيطرة حتى قضى عليهم الألباني (البلقان) محمد علي نهائياً.
واليوم نجد أن تلك الشعوب التي انطلقت من بوادي آسيه (ياجوج؟) وأقاصيها قد هدأت واستقرت وذابت في الشعوب المقهورة تماماً وتكاد لا تشكل أي خطر ، وأن العالم بأسره قد أصبح قرى وحواضر تقريباً ،قد تمكنت كثير من الدول وتأسست وأصبحت قوى عظيمة مؤثرة كالصين وروسيه (ويعود الفضل في وحدتهما الحالية للمغول ومن تبعهم من الترك). ولم تعد هناك تقريباً بواد خارجة عن السلطان والإدارة في أي مكان في بلاد ياجوج وماجوج (أواسط آسيه وشمالها سيبريه وما حولها) بل أصبحت دولاً مستقلة ذات سيادة ونظام وحكومة وحضارة تتمتع بكل وسائل الدول الحديثة من اتصالات وطاقة ومواصلات . والعالم اليوم متصل ببعضه اتصالاً وثيقاً.ولم يعد هناك صفة لبراري شاسعة أو محدودة مستقلة لا تخضع لنظام وقانون ودولة. فبلاد ياجوج وماجوج تبدو مفتوحة تماماً لدولها المتحضرة المختلفة والعديدة التي تملكها وتهيمن عليها أو تجاورها (حكمت الصين منغوليه منذ حوالي 1680م حتى 1911م، ومازال جنوب منغوليه بأيديهم). وقد ذابت أكثر تلك الشعوب التركية والمغولية الغازية وغيرهم من الأعراب تماماً وماجت في بعضها وفي الشعوب المفتوحة وأصبحت جزءاً من مواطنيها لا تكاد تتميز عنهم ولاتبين.ولا ننسى أعراب الجرمان [لعل الأصل اللغوي من معنى نحو الماء (أي بحار شمال أوروبه كالبلطيق وبحر الشمال)،ولعل مثله القرم (البحر الأسود) وأرمينيه (لبحيراتها ومنابعها) ومثله ألمانيه] مادة الصليبية الأولى والذين تلاهم في الظهور (أحفاد أعراب الجرمان) الصليبية الجديدة والاستعمار الأوروبي الذي يظل في أصوله الأولى من أعراب الجرمان والروس الذين كانوا خلف نهري الدانوب والراين (وقد قيل بداية أن أجداد الجرمان آريون ،من وسط آسيه في الأصل،هاجروا نحو شمال الهند وإيران ونحو غرب أوروبه خلال الألف الثاني قبل الميلاد،لتقارب الألسنة الأولى لهذه الشعوب،ولكن اليوم يُنظر للأمر كمجرد تخمين، ولكن لا يظهر ما يمنع سيل الهجرات الأعرابية الآسيوية سواء من سيبريه أو بوادي أواسط آسيه وشمالها نحو روسيه وشرق أوروبه منذ أقدم الأزمنة،وقد تحققت هجرات تاريخية من آسيه إلى أوروبه كالسخيط والقرمات والهون والآفار والتتر وغيرهم )، وهذا الاستعمار (أحفاد الأعراب:القوط والفرنجة وغيرهم من الجرمان) لا تكاد تُعرف زاوية من زوايا الأرض لم يغزها أو يحاول غزوها. وأعراب الجرمان وغيرهم اليوم قد أصبحوا أهل العمران وإثارة الأرض والصناعة والفضاء ومختلف العلوم العظيمة والدقيقة. ويلاحظ أن الهجرات العالمية (موج الشعوب ببعضها) في هذا الزمان كما لم تكن من قبل،فكم من الشعوب بالملايين التي رحّلها الاستعمار وغيره طوعاً أو كرهاً من مواطنها الأصلية إلى مواطن أخرى بعيدة،وكم من الأفراد والعائلات تركوا مواطنهم إلى أخرى بعيدة طلباً للرزق والأمن، وأصبح من السهولة السفر إلى أي مكان في العالم وخلال ساعات معدودة ،فكثر موج الشعوب المختلفة في بعضها البعض،ولا يكاد بلد في العالم يخلو من جاليات متنوعة عديدة من شتى شعوب الأرض،بل أن مواطني كثير من البلدان المختلفة من أعراق واضحة التباين والاختلاف يموجون في بعضهم في قرية واحدة وحي واحد.
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ {99} الكهف
وينبغي أن أذكّر بحقيقة لا لبس فيها،وهي أن العرب ليسوا أهل بادية وإنما هم حضر ، أهل حضارة وأهل قرى ،وأن الشعوب العربية هم أول من عرف الحضارة وبناء القرى ،والسبب أن أقدم الرسالات السماوية نزلت بمواطنهم وبالتحديد بجزيرة العرب، والله لا يرسل أنبياء إلا من أهل القرى ، كعاد وثمود وهم خلفاء من بعد قوم أول رسالة للبشرية (رسالة نوح عليه السلام) والذين يُرجّح كثيراً أن يكونوا من جزيرة العرب لأنها موطن الخلفاء من بعدهم ، وتلاهم بعد أقوام لا يعلمها إلاّ الله، قوم أبي الأنبياء إبراهيم الذي بنى وابنه إسماعيل البيت الحرام بأم القرى مكة المكرمة ومقامه بها، ثم مديّن بشمال الحجاز ومن بعدهم بنو إسرائيل بمصر وفلسطين ومدين وسيناء ،وقوم تُبّع وأصحاب الرسّ وسبأ وهي أقوام كلها بجزيرة العرب على الأرجح ثم خُتمت الرسالات بجزيرة العرب بخاتم النبيين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى أنبياء الله أجمعين. فيجب أن ننتبه لخبث وكيد غير المسلمين الذين يرددون قول أن العرب خرجوا من البادية وأنهم أهل صحراء وبادية وخيام، لأنهم ليسوا كذلك . فالعرب ليسوا أعراباً وإنما حول قراهم الأعراب كحال أي قرية، والأعراب قليل جدّاً أمام العرب أهل الحواضر والأمصار ولا يشكل الأعراب إلا نسبة ضئيلة من العرب، ومكّة منبع الرسالة هي أم القرى ،والأسلام يوبّخ الأعراب عموماً ويصفهم بالكفر والنفاق إلا من رحم الله منهم :
الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {97}التوبة
وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام:من بدا فقد جفا . فلينتبه أرباب الحضارة وآباؤها ، العرب المسلمين أهل المنطقة العربية.
ورغم أن أهل أوروبه وإخوانهم أهل أمريكه هم اليوم بلا منازع ،أصحاب العلوم المختلفة والصناعة وإثارة الأرض وتعميرها أيّما تعمير،ونحن اليوم مقصّرون عن شتّى العلوم والصناعة وعمارة الأرض وإثارتها أيّما تقصير،إلاّ أن البدو والبرابرة والأعراب الرُحّل هم أصول وآباء أكثر أهل أوروبه وأمريكه الجرمان (الذين لم يعرفوا الحواضر إلاّ في القرون الميلادية،والذين ما تزال جاهلية أخلاق أكثرهم تشهد على عرقه الأعرابي) والروس الصقالبة (الذين اجتاحت كثيراً منهم أعراب البوادي والسهوب الأسيوية،عبر التاريخ).
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن ما ذكرته حول خروج ياجوج وماجوج وتحديدهم بعينهم يعتبر مجرد احتمالات وظنون ومحاولة لاستنطاق التاريخ ،لا تغني من الحقّ شيئاً رأيت أن أسطرها عسى أن يفتح الله علىمسلم ببحث دقيق وصائب ، نعلم منه بفضل الله إن كانت أقوام ياجوج وماجوج قد فُتحت وخرجت أم لا تزال. وأدعو الله أن ييسّر انطلاق بعثات إسلامية رسمية أو متطوعة بشكل مكثف غير منقطع ،تذهب إلى مناطق السدّين لتبحث بدأب ودون كلل وتحدد بمشيئة الله موقع ردم ذي القرنين وحاله من بقاء أو زوال.
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} النمل
فهل سنسير في الأرض لنرى آيات الله أم سننتظر مستكشفي اليهود والنصارى كما تعوّدنا حتى اليوم ليقوموا بذلك عنا ؟
فهذه سفينة نوح على الجوديّ تنتظر ولا أحد من المسلمين يبحث عنها ولا يبالي،بينما أهل الكتاب الضالون لم يتركوا شبراً واحداً بجبال أراراط حيث حددت كتبهم المحرّفة إلا وبحثوا فيه:
وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {15} القمر
فردم ذي القرنين ليس في كتب اليهود والنصارى لذلك لا ننتظر منهم أن يبحثوا عنه.وعلينا نحن المسلمون فقط أن نجتهد في البحث،إن كنا مخلصين حقّاً في محاولة النظر في آيات الله وفهمها والسير على هداها.
حامد العولقي
وكيف هذه التظرات؟