بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اجمعين
اما بعد.
قرأت في كتاب مدارج السلكين لابن قيم الجوزية هذه الكلمات المهمة.. وقد رأيت من اهميتها تذكير الناس بها داعيا الله ان يجازيني خير الجزاء على ذلك.
التحقق بـ "اياك نعبد"
اذا عرف هذا فلا يكون العبد متحققا بـ "اياك نعبد" الا بأصلين عظيمين. احدهما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
والثاني: الإخلاص للمعبود. فهذا تحقيق "اياك نعبد"
والناس منقسمون بحسب هذين الأصلين الى ايضا الى اربعة اقسام:
أحدها: أهل الاخلاص للمعبود والمتابعة. وهم اهل "اياك نعبد" حقيقة. فأعمالهم كلها لله وأقوالهم لله وعطائهم لله ومنعهم لله وحبهم لله وبغضهم لله. فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه الله وحده. لايريدون بذلك من الناس جزاء ولا سكورا ولا ابتغاء الجاه عندهم, ولا طلب المحمدة والمنزلة في قلوبهم, ولا هربا من ذمهم. بل قد عدوَا الناس بمنزلة اصحاب القبور, لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا, زلا موتا ولا حياة ولا نشوراً. فالعمل لأجل الناس وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم ورجائهم للضر والنفع منهم: لا يكون من عارف بهم البتة. بل من جاهل بشأنهم وجاهل بربه. فمن عرف الناس انزلهم منازلهم ومن عرف الله اخلص له اعماله وأقواله, وعطاءه ومنعه وحبه وبغضه, ولا يعامل احد الخلق الا لجهله بالله وجهله بالخلق, وإلا فإذا عرف الله وعرف الناس آثر معاملة الله على معاملتهم.
وكذلك اعمالهم كلها وعبادتهم موافقة لأمر الله, زلما يحبه ويرضاه, وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل سواه. وهو الذي بَلاَ عباده بالموت والحياة لأجله. قال الله تعالى ((الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا)), وجعل ما على الأرض زينة لها يختبرهم ايهم احسن عملا. قال الفضيل بن عياض: "العمل الحسن هو اخلصه وأصوبه" قالوا: يا ابا علي, ما اخلصه وأصوبه؟. قال: "ان العمل اذا كان خالصا ولم يكون صوابا: لم يقبل, واذا كان صوابا", ولم يكن خالصا: لم يقبل, حتى يكون خالصا صوابا. والخالص: ما كان لله والصواب: ما كان على السنة. وهذا هو المذور في قوله تعالى: ((ومن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا)) وفي قوله: ((ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن)). فلا يقبل الله من العمل الا ما كان خالصا لوجهه, على متابعة امره, وما عدا ذلك فهو مردود على عامله, يرد عليه – احوج ما هو اليه – وفي الصحيح من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد). وكل عمل بلا اقتداء فانه لا يزيد عامله من الله الا بعدا. فان الله تعالى انما يعبد بأمره, لا بالآراء والأهواء.
الضرب الثاني: من لا اخلاص له ولا متابعة. فليس من عمله موافقا لشرع, وليس هو خالصا للمعبود كأعمال المتزينين للتاس المرائين لهم بما لم يشرعه الله ورسوله. وهؤلاء شرار الخلق وأمقتهم الى الله عز وجل. ولهم اوفر نصيب من قوله: ((لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون ان يُحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم)). يفرحون بما اتوا من البدعة والضلالة والشرك ويحبون ان يحمدوا باتباع السنة والاخلاص.
وهذا الضرب يكثر فيمن انحرف – من المنتسبين الى العلم والفقر والعبادة – عن الصراط المستقيم. فانهم يرتكبون البدع والضلالات والرياء والسنعة ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوه من الاتباع والاخلاص والعلم. فهم اصحاب الغضب والضلال
الضرب الثالث: من هو مخلص في اعماله لكنها على غير متابعة الأمر, كجهال العباد والمنتسبين الى طريق الزهد والفقر وكل من عبد الله بغير أمره, واعتقد عبادته هذه قربة الى الله فهذا حالح كمن يضن ان سماع المكاء والتصدية قربة وأن الخلوة التي يترك فيها الجمعة والجماعة قربة, وأن مواصلة صوم النهار بالليل قربة وأن صيام يوم فطر الناس كلهم قربة وأمثال ذلك.
الضرب الرابع: من اعماله على متابعة الأمر لكنها لغير الله. كطاعة المرائين, وكالرجل يقاتل رياء وحمية وشجاعة ويحج ليقال ويقرأ القرآن ليقال, فهؤلاء اعمالهم ظاهرها اعمال صالحة مأمور بها لكنها غير صالحة فلا تقبل. ((فما أُمِروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)). فكل احد لم يؤمر الا بعبادة الله لما أمر, والإخلاص له في العبادة. وهم اهل اياك نعبد واياك نستعين.
واحببت ان اضيف هنا حديث لدعم ما قاله الكاتب رحمه الله عن الضرب الرابع
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال
فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء
فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ
القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت
فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد
قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من
أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من
سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد
فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ) رواه مسلم
عسى الله ان يغفر للشيخ العلامة شمس الدين محمد بن ابي بكر ((ابن قيم الجوزية))
ولا تنسوني من صالح دعائكم
اخوكم عثمان باشا