المرأة مبنية على الستر
نرى في كتاب الله سبحانه أن الستر هو من أولى لوازم الدور الذي خُلِقتْ له المرأة حتى أنه سبحانه جعل الستر في ذكر اسمها، ففي القرآن الكريم الذي يحمل المنهج القويم لبني آدم يعلمنا الله أنه خَلَقَ المرأة مجبولة على الستر، فجلَّلها بالستر في كل كتابه.
1 - عندما أسجد الملائكة لآدم لم تكن حواء معه، فقد سترها الله أولاً عن ملائكته الكرام و جعل سجود الملائكة الكرام لحواء و لذرية آدم أجمعين منطوياً في سجودهم لآدم وحده.
{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (البقرة:34)
2 - إن خالق حواء لم يخاطبها في كل كتابه الكريم إلا من خلال زوجها، تعليماً لآدم و لها و لنا أجمعين ضرورة ستر و صون المرأة، فلم يذكر اسمها في القرآن الكريم صراحة أبداً، في حين ذكر اسم آدم عليه السلام ستاً و عشرين مرة.
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (البقرة:35)
{ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى } (طـه:117)
فمن ستر المرأة ألا يُصرَّح باسمها، بل تُنْسَبُ لزوجها أو لابنها أو لأبيها، فالله كنَّى عن زوج موسى عليه السلام بكلمة "أهله" في قوله:
{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ
مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } (القصص:29)
و كذلك الأمر في زوج إبراهيم عليه السلام.
{ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } (الذريات:26)
و هكذا في كل القرآن الكريم يأتي ذِكْرُ المرأة دوماً تبعاً لذكر من عصبتها، حتى و إن كانت الخصوصية في الصفة أو الحكم متعلقة بها وحدها، فقال الله عزَّ و جلَّ عن أم مريم عليها السلام "امرأة عمران":
{ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (آل عمران:35)
و عندما بشرت الملائكة سارة زوج إبراهيم عليه السلام بإسحاق قال "امرأته" فلم يصرح باسم واحدة من أزواج الأنبياء في كتابه الكريم.
{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } (هود:71)
{ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ } (الذاريات:28-30)
3 - حتى في ذِكر الكافرات من النساء أزواج الصالحين، و في النساء المؤمنات من أزواج الكفار نجد الشيء ذاته في نسبتهن لأزواجهن، و عدم التصريح بأسمائهن أو ألقابهن، يقول الحق:
{قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } (هود:81)
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } (التحريم:10-11)
4 - كما لم يأت ذِكر النساء في القرآن الكريم بصيغة الخطاب المباشر إلا في خطابه لنساء النبي، و في أمر التشريع الخاص بمهمة و دور المرأة الذي كان فيه التخبط و الضلال منذ فجر التاريخ و حتى يومنا هذا.
فكما أن الرسول كان الأسوة للمؤمنين، فإن نساءه رضي الله عنهن كن القدوة و الأسوة للمؤمنات، فجاء الأمر في هذه الآيات لهن خاصة و للمؤمنات عامة:
{ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } (الأحزاب:32-33)
يأمر الله نساء نبيه أولاً بألا يخضعن بالقول لئلا يطمع الذي في قلبه مرض فإن الرجال تختلف مروءاتهم، و تتفاوت أخلاقهم، فعلى المرأة دوماً أن تكون حريصة فيما يصدر عنها من كلام، بأن يكون كلامها بعيداً عن الريبة، و يكون صوتها بعيداً عن الرقة المعهودة في النساء.
و يأمرهن ثانياً بأن يقررن في بيوتهن و لا يتبرجن أي لا يخرجن منها كما كانت تخرج نساء الجاهلية الأولى مختلطات بالرجال؛ لأن المرأة تكون أقرب ما تكون من طاعة ربها في بيتها، فمجال سعي المرأة المجدي هو بيتها. و جعل الله ثواب صلاتهن في بيوتهن أكبر منه في المسجد، و حتى في مسجد رسول الله، على عكس الرجال الذين يكون ثواب صلاة أحدهم في المسجد أكبر ثواباً من صلاته في بيته، كما سيمر معنا إن شاء الله .
عن عبد اللّه بن مسعود t عن النبي قال: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها". صحيح
و من ثم و بعد ذلك كله أمر الله نساء نبيه بإقامة الصلاة، و إيتاء الزكاة، و طاعة الله و رسوله.
و هذه الأوامر إنْ كانت لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن مباشرة فهي ملزمة لنساء المؤمنين أيضاً؛ لأن الأمر إن صدر للأعلى فاشتماله على الأدنى من باب أولى، إلا أن يكون هنالك تخصيص مراد؛ و ما علمنا أن الله سبحانه قد أنزل قرآناً لأمهات المؤمنين و آخر للمؤمنات!.
هذا دور كل من الرجل و المرأة في هذه الأرض، و بأداء كل منهما لدوره يكون صلاحهما و صلاح الأرض و عمارتها، و إن كانت هناك بعض الحالات الخاصة التي يباح فيها المحظور لضرورة أو اضطرار، و ليس لإعراض عن الحق أو إصرار على الباطل، فإن الشرع لم يكن ليغفل عن بيان الحكم فيها، و ما كان ربك نسياً.
و يجدر بالذكر أخيراً أنه في كتاب الله لم تُذكر من النساء باسمها إلا مريم عليها السلام، و ما ذلك إلا لاصطفائها على سائر نساء العالمين و جعلها و ابنها عليهما السلام آية للعالمين، لم تسبقها آية مثلها، و لن تتكرر بعدها إذ ولدته بأمر الله دون زواج، و إن الذكر الوحيد الذي نُسب إلى امرأة هو رسول الله عيسى ابن مريم عليه و على أمه أزكى الصلاة و السلام.
المصدر: أنا مسلم