لقد أحاطت الشريعة الإسلامية الزواج بضمانات ليتحكم العقل في ضمان بناء أركانه، ومن بين هذه الضمانات الولي حيث أن الزواج كما هو اقتران بين شخصين (رجل، امرأة) فهو تعارف وتلاق بين عائلتين يقول الله تعالى "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم".
قد يقع تأثير للأقارب في حياة الأسرة الصغيرة الناشئة إما سلبا أو إيجابا ، وقد يكون الاختلاف في المستوى الاجتماعي كبيرا (ذهنيات عادات....) فيكون في كثير من الأحوال محددا للتأثير في علاقة الزوجين اليومية.
عند تطرقنا لتدخل الأقارب كمؤثر مهم في سير العلاقة الزوجية واستقرارها، لابد من طرح عدة أسئلة
1. ما هي مسوغات تدخل الأقارب في الحياة الزوجية؟
2. متى يكون تدخلهم إيجابيا وكيف يكون سلبيا؟
3. كيف تستطيع الأسر الصغيرة أن تتعامل في حالة تدخل سلبي؟
4. كيف يمكن للعلاقة الزوجية الجديدة أن تفتل حبل الاستقرار المجتمعي من خلال العلاقة مع الأهل والأقارب؟
للإجابة عن بعض هاته الأسئلة يجب أن ننطلق من النتيجة التي جاء الزواج لتحقيقها ألا وهي السكينة والمودة والرحمة. يقول عز من قائل "و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"سورة الروم الآية 20.
لقد جعل الله عز وجل العلاقة الزوجية أعظم وأسمى علاقة، ووصف الميثاق الزوجي بالميثاق الغليظ، واعتبر أن من أعظم الخبائث أن يتدخل متدخل فيكدر ما بين الزوجين من صفاء ورحمة. روى أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس منا من خبب امرأة على زوجها, أوعبدا على سيده" وروى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن إبليس يضع عرشه على الماء, ثم يبعث سراياه.فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة, يجيء أحدهم فيقول فعلت كدا وكدا.فيقول ما صنعت شيئا ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت فيلتزمه"(يلتزمه: يعانقه)
هذا ما تفعله شياطين الجن وفعل بعض الإنس أشد وأقوى على النفوس البشرية حين تكون النية مبنية للتفرقة بين الزوجين وتدمير أولى حلقات المجتمع الأسرة.
يحث الإسلام ويرغب بداية في أهمية اختيار الزوجين لبعضهما البعض. هذا الاختيار يتضمن اختيارا ضمنيا للعائلة، للبيئة الأسرية التي تربى وترعرع فيها كل منهما. وتعتبر العلاقة التي تربط الزوجين في بداية حياتهما الزوجية حاسمة في تحديد مستوى وطريقة تعاملهما فيما بينهما ومع العائلتين:
• يجب أن تكون العلاقة بين الزوجين في مستوى من التفاهم ليستطيعا التعاون على حل المشاكل الطارئة.
• يستحسن الاتفاق المسبق بين الزوجين على طريقة عامة للتعامل مع الأهل والأقارب (الزوج والزوجة) وذلك برسم حدود لهاته العلاقة والأمور التي يجب أن تحل مهما كان الأمر بين الزوجين (علاقة حميمة, مشاكل داخلية ومرتبطة بهما فقط.....)
• يستحب أن يستقل الزوجان بشخصيتهما عن كل من العائلتين. حيث أنهما أصبحا يكونان أسرة مستقلة على جميع المستويات.

لكن متى يمكن للأهل التدخل في المشاكل بين الزوجين ؟
يقول الله عز وجل في سورة النساء الآتيتان 34 و35 في سياق علاج لحالة مرضية وصلت إليها الأسرة " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.إن الله كان عليما كبيرا.و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدوا إصلاحا يوفق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا"
تحدد الآية شرط التدخل في ابتغاء الصلح بين الزوجين بعدما انسدت منافذ النقاش الداخلي بينهما، وليست الآية الكريمة كما يريد أن يفهمها البعض مسوغا للتدخل لخلق مشاكل تكون أساسا للشقاق بين الزوجين
الأصل أن تدخل المرأة والرجل غمار الحياة الزوجية بالظن الجميل في الأهل، فكثير منهم من الأفاضل. فإذا لم يكن الأمر كما كانا يتوقعان لقلة خبرتهما في الحياة وسيطرة بعض الأفكار السلبية الشائعة في مجتمعنا المعاصر حول كراهية وتوجس الحماة من الكنة وأم الزوجة من الصهر (والعكس صحيح) حينئذ يتعين على الزوجين معا -وخاصة المرأة لفطرتها على الرفق والرحمة- أن ينفقا من كنوز المحبة واللباقة والخدمة ويستعينا بالصبر والتحمل والتفهم ما يعينهما على تخطي كل الصعاب التي يمكن أن تواجه حياتهما الزوجية خاصة في سنواتها الأولى.
و نقترح بعض الأمور الأساسية لتتحرك عجلة العلاقة مع الأهل والأقارب نحو الأفضل:
• التعامل بمحبة ولياقة ولباقة وعدم استعجال النتائج.
• التهادي والتزاور ووصل ما أمر الله به أن يوصل.
• مراقبة الله عز وجل واعتبار تلك العلاقة مما يتقرب به إلى المولى عز وجل.
• الحفاظ على خصوصية واستقلالية العلاقة الزوجية والعمل على حل المشاكل الزوجية - ما أمكن- دون الرجوع إلى شخص ثالث.
• اليقين الجازم في كون والدي الزوج (المرآة والرجل) من ذوي الرحم المطلوب إلينا الإحسان إليهم بما أمر الله عز وجل.
• التدرج في كل ذلك واعتبار أن ما كانت أسبابه متجذرة في التاريخ يجب أن يأخذ وقته الكافي من التربية.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه "تنوير المومنات "ج 2 ص 235 عن علاقة الزوجة بحماتها:
"محظوظة من لها حماة عاقلة فاضلة. وأنت حماة الغد، لا تعجلي. كوني لها بنتا محبة تكن لك أما. كوني عاقلة تكن فاضلة. بكياستك وأدبك ولطفك حصليها في أسرك".