وجــاء الـــدور عـلـيــك يــا ســـوريــا
...!@!
هـــذه مـقــالــه للـكــاتــب عـلــي حـسـيــن بــاكـيــر ...!@!
==========================
المستفيد هو الذي قتل الحريري وأميركا ستضرب سوريا
لا شك أن عملية اغتيال رفيق الحريري من أشد العمليات التي شهدتها المنطقة تعقيدا سواء من حيث
التخطيط أو التنفيذ أو القدرة وهول الكارثة, وللأسف فلقد كانت العملية ناجحة بكل المقاييس وهو الأمر
الذي يضفي مزيدا من الغموض على فاعلها ويخلط جميع الأوراق على جميع الصعد محليّا وإقليميا ودوليا.
فعلي الصعيد المحلّي: يعتبر رفيق الحريري بحكم التوزيع الطائفي للحكم في لبنان وبحكم
التركيبة اللبنانيّة الشديدة التعقيد ممثل السنة في لبنان والمعبر الوحيد عن قوتهم في هذه
التركيبة بعد الشيخ حسن خالد الذي تم اغتياله أيضا ورشيد كرامي الذي اغتيل هو الآخر,
لذلك اعتبر السنة أنهم مستهدفون في هذا الإطار وقد لحقهم ما يكفي من الضيم في هذا البلد
كما قال مفتي الجمهورية الذي أحسن عندما دعا إلى ضبط الأوضاع والتهدئة وجعلها
تصطدم بجدار العقلانية.
وفي الإطار الداخلي أيضا وضمن الصدام بين المعارضة والسلطة راحت المعارضة
تستغل ورقة الحريري وتتاجر فيها وتشده إلى تيارها على الرغم من أنه لم يكن من هذا
التيار وقد تم الخلط في هذا الإطار عن عمد بين الذين كانوا في الحكومة السابقة التي
استقالت وأصبحوا حكما معارضة وبين التيار المعارض المتشدد المعادي لسوريا والمتمثل
في قرنة شهوان والتي انضم إليها جنبلاط وبدأت هذه القوى تتمسح بدم الحريري
وسيخطئ السنة خطا فادحا إذا ما انجروا إلى هذا المنزلق مع هذا التيار, ولعل هذا ما أريد
لهم من هذا الاغتيال.
على الصعيد الإقليمي تم توريط سوريا في هذه القضية واعتبارها المسؤولة واتهامها بذلك
في وقت حرج جدا بالنسبة لها وفي ظل المطالب الملحة بتنفيذ القرار 1559 حتى ولو
بالقوة. في حين قامت إسرائيل بتلبيس سوريا أيضا هذه القضية ولن نتفاجأ إذا عرفنا أن
إسرائيل هي التي تقف وراء هذه العملية بالفعل.
دوليا برز الموقف الفرنسي الذي طالب بفتح تحقيق دولي واستنكر بشدة ما يجري وهو
الأمر الذي يعني عدم ثقتها بالأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية وأنها تعطي العملية طابعا
دوليا, وهذا يشير إلى أن الطرف الفرنسي أيضا يريد التصعيد وهو غير بريء على
الإطلاق ولا يسعى إلى فرض حلول دبلوماسية وهذا الجهد الفرنسي للتدخل بقوة يجب أن
ينظر إليه من زاوية تحسن العلاقات الأميركيّة الفرنسية في الآونة الأخيرة واتفاقها على
قضايا إستراتيجية لمصلحة البلدين ومن ضمنها سوريا و لبنان
فيما قامت أميركا على الفور بإعطاء دروس بضرورة أن يكون لبنان حرا ومستقلا
وطالبت بانسحاب القوات السورية من لبنان وتطبيق القرار 1559 وهو ما يؤكد أن
للعملية بعد دولي.
في وسط هذه التصريحات غاب عن الجميع الفاعل الحقيقي لهذه العملية, ولكن نستطيع
القول إن لأي عملية دائما مخطط ومنفذ ومستفيد فإذا لم تكن تعرف المخطط والمنفذ لهكذا
عملية عندها تستطيع أن تستنتج ذلك من خلال البحث عن المستفيد,
والمستفيد من هذه
العملية كما بدا حتى الآن طرفان:
الأول: هم المعارضة اللبنانية التي سارعت مباشرة باتهام السلطة اللبنانية والسورية بهذه
العملية ولم تتهمهم مثلا بالتقصير كما أنها لم تنتظر التحقيقات.
لكن أي محلل سياسي على قدر صغير من العلم يعرف أن هذه العملية أضرت جدا
بالسلطة اللبنانية وبالسورية وليس من مصلحتهما فعل ذلك وأن فعلا ذلك فليس بهذه
الطريقة وليس في هذا المكان في قلب لبنان السياسي والاقتصادي والسياحي, فللمكان
أيضا دلالاته التي لا تخفى على أحد في هذا المجال لأنه إذا دمر مركز البلد بهذا الشكل
فماذا ستحكم السلطة إذا كانت هي الفاعلة؟ وماذا ستستفيد سوريا والضغوط ازدادت عليها
والتهديدات ارتفعت كما سنرى.
الثاني: الجهة الثانية المستفيدة من هذه العملية هي أميركا و إسرائيل حيث أعلن المتحدث
باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان "أن الجريمة التي وقعت اليوم هي عامل تذكير مريع
بأن الشعب اللبناني يجب أن يكون قادرا على تحقيق تطلعاته وتقرير مستقبله السياسي
بعيدا عن العنف والترهيب وبحرية من دون الاحتلال السوري "وهي تسعى الآن كما ذكر
إلى معاقبة المسؤول عن الانفجار بالتعاون مع الأمم المتّحدة في مجلس الأمن (المعني
سوريا) لذلك فهي تصعد الملف في الأمم المتّحدة ومجلس الأمن ليصل في النهاية إلى حد
التدخل العسكري.
ولا نستغرب إذا تحرك حلف شمال الأطلسي في هذه المجال في ظل مطالبة كوفي أنان
بتدخله في عدد من المناطق ونستطيع أن نلمس ذلك عبر ما قاله الأمين العام "ياب دي
هوب شيفر"، وأمام مؤتمر ميونخ الدولي لسياسات الأمن السبت 12-2-2005 "يجب ألا
نحجم عن البدء في التفكير بشأن دور محتمل لحلف الأطلسي في دعم السلام في الشرق
الأوسط" وربط دوره بالحصول على موافقة مجلس الأمن.
في هذه الأثناء ظهرت مسرحية "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام" حيث تبنت هذه
الجماعة غير المعروفة هذه العملية الضخمة وذات الأبعاد الدولية الآنفة الذكر وفي هذا
الإطار يبرز عدد من التساؤلات منها؟ لماذا تم تلبيس القضية لجماعة سلفية ووهابية كما
قيل؟ لماذا تم الإعلان عن أنها عملية استشهادية كما قال صاحبها؟ لماذا قيل إن منفذها
فلسطيني الجنسية؟ ولماذا زج باسم السعودية في هذا البيان؟ لماذا تتمسك السلطة اللبنانية
بأن الفاعل هو صاحب البيان؟ ولماذا تصر المعارضة على أنها سوريا؟ من الفاعل
الحقيقي؟ ولماذا شخص الحريري وليس غيره؟
بداية يجب على كل عاقل يمتلك ذرة من العقل وشاهد طريقة السجال الهابط المستوى بين
السلطة والمعارضة في الآونة الأخيرة والتدخلات السافرة للسفير الأميركي في لبنان
ودولته في الشؤون الداخلية والحملة الفرنسية أيضا ومن ثم موقع الانفجار وطريقته
وطبيعة الشخصية المستهدفة أن يرفض تسطيح القضية ونسبتها إلى هذه الجماعة
المجهولة الهوية أما الأسباب التي تدفعنا من الناحية العقلية والمنطقية إلى رفض هذا
التلبيس هو:
1- لا يوجد في لبنان جماعات "وهابية" كما قيل, فالمتدينون السنة في لبنان ينخرطون
في الجماعة الإسلامية في معظمهم و الباقي هم أفراد مبعثرون في مناطق متعددة ومن
أتباع السلفية العلمية ولم يحملوا السلاح نهائيا باستثناء جماعة "الضنية" التي كانت
معروفة ومرصودة ومحدودة العدد وجل ما استطاعت فعله هو استخدام "الكلاشنكوف"
التقليدي
- لو افترضنا وجود هكذا جماعة مزعومة فالمواد المستخدمة في التفجير الهائل (350 كلغ
كما قيل لاحقا) والذي أحدث حفرة قطرها 9 أمتار وعمقها 4 أمتار ووصل ضرره إلى 3
كلم يحتم على أجهزة المخابرات كشف الخلية والمواد التي تم استخدامها خاصة أن المكان
الذي تم التفجير فيه يعج أيضا بوحدات للجيش اللبناني وخاصة أن المعارضة كانت كما
تقول تشكو من هيمنة المخابرات اللبنانية والسورية في الحياة المدنية, فإذا هذا هو حجم
وقدرة الجماعة الفاعلة فكيف لم تكشفها كل أجهزة المخابرات؟
3- من الناحية الشكلية عادة ما كانت تقوم الجماعات المسلحة في العراق مثلا أو في
السعودية أو في غيرها من المناطق وعند ارتكابها لأي عملية الإعلان عن تبنيها للعملية
عبر بيان مكتوب ترسله إلى أجهزة الإعلام أو تنشره على الانترنت ثم بعد فترة يتم شرح
العملية وأهدافها في تسجيل صوتي أو مرئي, في حين أن الإعلان عن تبني هذه العملية
كان سريعا جدا ويبدو من طريقة عرضه أنه اعد سلفا.
ونذكر أنه في مرحلة من مراحل الحرب في العراق قام أحد الهواة الأميركيين بتصوير
شريط (وهمي) على أساس أنه من جماعة عراقية تذبح أحد الأسرى ولم يكتشف أحد أن
الشريط غير حقيقي إلا عندما أعلن صاحبه عن ذلك في الصحف والإعلام ليظهر إمكانية
صنع مثل هذه الأفلام دون أن يكتشف أحد ذلك. لذلك ليس بصعب على من قام بهذه
العملية (أجهزة الاستخبارات) أن يأتي بشخص ملتح ليدعي أنه من قام بالعملية.
4- من الناحية التنفيذية والاستخباراتية تشير العملية إلى أن الفاعل هي جهة دولية وذات
قدرات فنية وتقنية عالية وليس "أبو عدس" أو "أبو فول" لأنها رصدت تحركات
الحريري ومن ثم كمنت له ومن ثم توقع الطريق التي سيسير عليها ثم تعطيل أجهزة
الرصد الموصولة بالأقمار الصناعية وقطع خطوط الهاتف الخلوي ثم تفجير الهدف بدقة
تامة ومتناهية, فإذا كانت تلك الجماعة هي الفاعل لكانت استغلت قدراتها في تفجير موكب
السفير الأميركي الأقل تجهيزا من موكب الحريري أو لكانت استهدفت مراكز أميركية
وبريطانية منتشرة في لبنان وبكل سهولة بدلا من استهداف الحريري الذي لن يقدم ولن
يؤخر (بالنسبة لهم).
5- لا يجب استبعاد توقيت العملية عن المسرح, فالتوقيت جاء إثر التجاذبات الداخلية
والتي وصلت إلى مستوى بذيء ومقيت وهابط جدا وفي ظل استعانة بعض القوى
الداخلية بأطراف دولية كأميركا وفرنسا وفي ظل القرار 1559 وهذا ما لا دخل لأي
جماعة إسلامية به.
وفي إطار الإجابة على التساؤلات السابقة نقول إن المنفذ قد ألبس القضية للجماعة
المذكورة لعدد من الأهداف من بينها:
1- أن الأوضاع الإقليمية والدولية قد أثرت في الشريحة السنية اللبنانية التي اندفعت
كغيرها للذهاب إلى العراق لمقاتلة الأميركيين كما أظهر الواقع وخاصة في ظل احتكار
الشيعة في الجنوب وعبر حزب الله المعادلة في مواجهة إسرائيل بناء على توصيات
سورية
هذا وكان الفكر الجهادي والسلفي يلقى رواجا في هذه الفترة فتم إلباس القضية لهذه
الجماعة لتنفير العامة من هذه الاتجاه وسحب البساط من هكذا جماعات قد تنشأ مستقبلا
وللاستفادة منها أيضا في المنظور الأميركي على الاعتبار أن الساحة اللبنانية أصبحت
مخترقة من قبل الإرهابيين وهو ما يستدعي تدخلا أميركا لمحاربته وإعطاء اللبنانيين
حريتهم.
2- تشويه مسيرة الجماعات المقاتلة خاصة التي تحارب الاحتلال الأميركي في العراق
والإسرائيلي في فلسطين وإقحامها في أمور خارجة عن أجندتها الحقيقية وأهدافها الأصيلة
في دفع الاحتلال. مما دفع الجهات الجهادية في العراق إلى الإعلان أن المنفذ ليس إسلاميا
وهو يتبع للموساد كما نشر الزرقاوي بيانا على الانترنت ونقله تلفزيون المستقبل نفيا لأن
تكون أي جماعة إسلامية هي الفاعلة وإن هناك أولويات لديها وهذه العملية تخرج عنها.
3- لقد تم الكشف على أن الفاعل هو فلسطيني الجنسية كي يجر ذلك حملة طالما تحدثت
المعارضة اللبنانية عنها وتهدف إلى مزيد من التضييق على الفلسطينيين وسحب باقي
الأسلحة الخفيفة الموجودة لديهم وهو ما لن تستطع السلطة اللبنانية فعله وبالتالي على قوى
دولية التدخل وبالقوة لحل هذه القضية, وللإشارة إلى أن الفلسطينيين إرهابيون في إطار
الخلط بين المقاومة والإرهاب وهو ما سيتيح لإسرائيل التدخل بناء لأجندتها الخاصة.
يـتـبــع