الحمد لله الذي لم يزلعليماً قديراً، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس كافةً بشيراً ونذيراً، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت، وبسطت واختصرت، فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهممن ذلك، فأجبته إلى سؤاله رجاء الاندراج في تلك المسالك فأقول:
الخبر إما أنيكون له:
طرق بلا عدد معين. أو مع حصر بما فوق الاثنتين. أو بهما. أو بواحد.
فالأول: المتواترالمفيد للعلم اليقيني بشروطه.
والثاني: المشهور وهوالمستفيض على رأي.
والثالث: العزيز،وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه.
والرابع: الغريب.
وكلها _ سوى الأول _ آحاد. وفيها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دونالأول. وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار.
ثم الغرابة: إما أن تكون في أصل السند، أو لا.
فالأول: الفرد المطلق.
والثاني: الفرد النسبي، ويقل إطلاق الفرد عليه.
وخبر الآحاد بنقل عدلتام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ: هو الصحيح لذاته.
وتتفاوت رتبه بتفاوتهذه الأوصاف. ومن ثم قدم صحيحالبخاري، ثم مسلم، ثم شرطهما.
فإن خف الضبط: فالحسنلذاته، وبكثرة طرقه يصحح. فإن جمعا فللتردد فيالناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين. وزيادة راويهما مقبولةما لم تقع منافية لمن هو أوثق. فإن خولف بأرجحفالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ، ومع الضعف الراجح المعروف، ومقابلةالمنكر.
والفرد النسبي: إنوافقه غيره فهو المتابع. وإن وجد متن يشبهه فهوالشاهد. وتتبع الطرق لذلك هوالاعتبار.
ثم المقبول: إن سلممن المعارضة فهو المحكم، وإن عورض بمثله: فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث. أو لا وثبت المتأخرفهو الناسخ، والآخر المنسوخ، وإلا فالترجيح، ثم التوقف.
ثم المردود: إما أنيكون لسقط أو طعن.
فالسقط: إما أن يكونمن مبادئ السند من مصنف، أو من آخر بعد التابعي، أو غير ذلك.
فالأول: المعلق.
والثاني: هو المرسل.
والثالث: إن كانباثنين فصاعداً مع التوالي، فهو المعضل، وإلا فالمنقطع، ثم قد يكون واضحاً أوخفياً.
فالأول: يدرك بعدمالتلاقي، ومن ثم احتيج إلى التأريخ.
والثاني: المدلس ويردبصيغة تحتمل اللقي: كعن، وقال، وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق من حدث عنه.
ثم الطعن: إما إنيكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك أو فحش غلطه، أو غفلته، أو فسقه، أو وهمه، أومخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه.
فالأول: الموضوع،والثاني: المتروك. والثالث: المنكر على رأي. وكذا الرابع والخامس.
ثم الوهم: إن اطلععليه بالقرائن وجمع الطرق: فالمعلل.
ثم المخالفة: إن كانتبتغيير السياق: فمدرج الإسناد. أو بدمج موقوف بمرفوع:فمدرج المتن. أو بتقديم أو تأخير:فالمقلوب. أو بزيادة راو:فالمزيد في متصل الأسانيد. أو بإبداله ولا مرجح:فالمضطرب _ وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً _ أو بتغيير مع بقاء السياق: فالمصحفوالمحرف. ولا يجوز تعمد تغييرالمتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني فإن خفي المعنى احتيج إلى شرحالغريب وبيان المشكل.
ثم الجهالة: وسببهاأن الراوي قد تكثر نعوته فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض، وصنفوا فيه الموضح.
وقد يكون مقلاً فلايكثر الأخذ عنه، وصنفوا فيه الوحدان، أو لا يسمى اختصاراً، وفيه المبهمات، ولايقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل على الأصح.
فإن سمي وانفرد واحدعنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعداً ولم يوثق: فمجهول الحال وهوالمستور، ثم البدعة: إما بمكفر، أو بمفسق.
فالأول: لا يقبلصاحبها الجمهور.
والثاني: يقبل من لميكن داعية إلى بدعته في الأصح، إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار، وبهصرح الجوزقاني شيخ النسائي.
ثم سوء الحفظ: إن كانلازماً فهو الشاذ على رأي، أو طارئاً فالمختلط، ومتى توبع سيء الحفظ بمعتبر،وكذا المستور والمرسل، والمدلس: صار حديثهم حسناً لا لذاته، بلبالمجموع.
ثم الإسناد: إما أنينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تصريحاً، أو حكماً: من قوله، أوفعله، أو تقريره.
أو إلى الصحابي كذلك:وهو: من لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مؤمناً به ومات علىالإسلام: ولو تخللت ردة في الأصح.
أو إلى التابعي: وهومن لقي الصحابي كذلك.
فالأول: المرفوع،والثاني: الموقوف، والثالث: المقطوع، ومن دون التابعي فيه مثله. ويقال للأخيرين:الأثر.
والمسند: مرفوعصحابيٍّ بسند ظاهره الاتصال.
فإن قل عدده: فإما أنينتهي إلى النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو إلى إمام ذي صفة علية كشعبة.
فالأول: العلو المطلق.
والثاني: النسبي.
وفيه الموافقة: وهيالوصول إلى شيخ أحد المصنفين من غير طريقه.
وفيه البدل: وهوالوصول إلى شيخ شيخه كذلك.
وفيه المساواة: وهياستواء عدد الإسناد من الراوي إلى آخره مع إسناد أحد المصنفين.
وفيه المصافحة: وهيالاستواء مع تلميذ ذلك المصنف. ويقابل العلو بأقسامه النزول. فإن تشارك الراويومن روى عنه في السن واللقي فهو الأقران. وإن روى كل منهما عن الآخر: فالمدبج، وإن روى عمن دونه: فالأكابر عن الأصاغر، ومنه الآباء عنالأبناء، وفي عكسه كثرة، ومنه من روى عن أبيه عن جده. وإن اشترك اثنان عن شيخ،وتقدم موت أحدهما، فهو: السابق واللاحق.
وإن روى عن اثنينمتفقي الاسم ولم يتميزا، فباختصاصه بأحدهما يتبين المهمل.
وإن جحد مرويه جزماً:رد، أو احتمالاً: قبل في الأصح. وفيه: "من حدث ونسي ".
وإن اتفق الرواة فيصيغ الأداء أو غيرها من الحالات، فهو المسلسل.
وصيغ الأداء: سمعتوحدثني، ثم أخبرني، وقرأت عليه، ثم قريء عليه وأنا أسمع، ثم أنبأني، ثم ناولني، ثم شافهني. ثم كتب إلي، ثم عن، ونحوها.
فالأولان: لمن سمعوحده من لفظ الشيخ، فإن جمع فمع غيره، وأولها: أصرحها وأرفعها في الإملاء.
والثالث، والرابع: لمن قرأ بنفسه، فإن جمع: فكالخامس.
والإنباء: بمعنىالإخبار. إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كعن، وعنعنة المعاصر محمولة علىالسماع إلا من مدلس: وقيل: يشترط ثبوت لقائمها ولو مرة، وهو المختار، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية، وهي أرفعأنواع الإجازة.
وكذا اشترطوا الإذن فيالوجادة، والوصية بالكتاب وفي الإعلام، وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة،وللمجهول وللمعدوم على الأصح في جميع ذلك.
ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعداً، واختلفت أشخاصهم: فهو المتفق والمفترق وإن اتفقت الأسماء خطاً واختلفت نطقاً: فهو المؤتلف والمختلف.
وإن اتفقت الأسماء واختلفت الآباء، أو بالعكس: فهو المتشابه، وكذا إن وقع ذلك الاتفاق في الاسم واسم الأب، والاختلاف في النسبة، ويتركب منه ومما قبله أنواع: منها أن يحصل الاتفاق أو الاشتباه إلا في حرف أو حرفين. أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك.
خاتمـة
ومن المهم : معرفة طبقات الرواة ومواليدهم ، ووفياتهم ، وبلدانهم ، وأحوالهم تعديلاً وتجريحًا وجهالةً.
ومراتب الجرح : وأسوؤها الوصف بأفعل ، كأكذب الناس ، ثم دجالٍ ، أو وضاعٍ ، أو كذابٍ.
وأسهلها : لين ، أو سيئ الحفظ ، أو فيه مقال.
ومراتب التعديل : وأرفعها الوصف بأفعل : كأوثق الناس ، ثم ما تأكد بصفةٍ أو صفتين كثقةٍ ثقةٍ ، أو ثقةٍ حافظٍ وأدناها ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح : كشيخٍ ، وتقبل التزكية من عارفٍ بأسبابها ، ولو من واحدٍ على الأصح.
والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبينًا من عارفٍ بأسبابه ، فإن خلا عن التعديل قبل مجملاً على المختار.
يتبع