من هم علماء السوء؟الحمد الله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على المبعوث بالحق هادياً، وإلى الخيرات داعياً، المبلغ رسالة ربه، والأمين على وحيه، وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا منهجه واهتدوا بهديه، وعلى من سار على طريقهم واقتفى آثارهم إلى يوم الحشر والنشور.
وبعد:
فإن من البلايا وأعظم الرزايا أن تصاب الأمة الإسلامية في قلبها وصمام أمانها وذلك بموت علمائها الأخيار أو تكميم أفواه المخلصين الأبرار، وابتلاء الأمة بمن لا تبرأ بهم الذمة يقولون مالا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، ويتنصلون من قول الحق، ويفتون بغير علم، ويسكتون على الباطل إلا ما رحم ربي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ونعوذ بالله أن يكون قد أدركنا الزمان الذي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه قبض العلماء، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
قال ابن حجر في فتح الباري: (وفي هذا الحديث: الحث على حفظ العلم، والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه: أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم، واستدل به الجمهور على القول بخلو الزمان عن مجتهد) اهـ.
وقال ابن عباس في تفسيره لقوله تعالى: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) أي: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها. وكذا قال مجاهد أيضاً: هو موت العلماء.
وقال أحمد بن غزال منشداً:
الأرض تحيا إذا ما عاش عالمهامتى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بهاوإن أبى عاد في أكنافها التلف
والأحاديث الواردة في بيان قبض العلم وظهور الجهل في آخر الزمان أشهر من أن تذكر كما هو ثابت ذلك في مسند الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي وغيرهم، وما سأذكره هنا من صفات علماء السوء إنما هو من أجل تذكير الناسي وتنبيه الغافل وتبيين الحق لمن ينشده، سائلاً الله عز وجل أن يلهمنا الصواب فيما نقول، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه سميع قريب مجيب الدعاء..
فأقول وبالله أستعين:
إن أعظم مصاب تمنى به الأمة أن يتصدرها من ليس أهلاً للصدارة لقلة فقهه وورعه وخوفه وتقواه ممن ينتسبون إلى العلم والدين كما هو الحال في أهل زماننا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلطف بالأمة وأن يحفظ لها علماءها العاملين، وهذه بعض النقاط التي يتبين لك من خلالها من هم علماء السوء الذين ضلوا وأضلوا؛ براءة للذمة وإقامة للحجة وخروجاً من المسئولية أمام الله عز وجل وهي كما يلي:
1) الحكم بغير ما أنزل الله: ويتمثل ذلك في الجهل بالأحكام الشرعية، أو الحكم بموجب الهوى وطاعة النفس، أو الجور فيما يصدر من أحكام ظلماً وعدواناً، أو العدول إلى القوانين والنظم البشرية تمشياً مع واقع العصر وحكام الزمان، فإلى الله المشتكى..
أ) الجاهل لا يجوز أن يقول على الله بغير علم فيحكم بموجب رأيه فإن بعض من ينتسبون إلى العلم قد تحملهم المناصب ووجاهاتهم أمام الناس على عدم الخوف من الله أو الخشية من أن يقال فيهم: "لا يعلمون"، فعلى من كانت هذه صفته أن يتقي الله ولا يعرض نفسه لسخط الله وأليم عقابه فمن حكم بغير علم فقد كذب على الله ونسب إليه سبحانه وتعالى ما لم يأذن به وما لم يشرعه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين}.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخاري وأحمد والترمذي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
ولعل في كلام ابن القيم رحمه الله الآتي ما يكفي عن الإطالة في هذا المعنى، قال رحمه الله: (وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}، فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، وقال تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع قليل ولهم عذاب أليم}. فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه، وقال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا وحرم كذا فيقول الله له: كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا) اهـ.
ب) الحكم بموجب الهوى حيث إن بعض من ولاه الله أمر المسلمين يحمله هواه على الحكم بغير ما أنزل الله؛ رغبة منه في مال أو جاه أو منصب أو تزلف، ألا يعلم هذا أن فعله ذلك من اتباع الهوى؟!! قال تعالى في سورة الجاثية: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون}، وقال تعالى: {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين}.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)، قال النووي رحمه الله: (حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى) ذكره الطبري في تفسيره.
وقال البخاري رحمه الله: (باب متى يستوجب الرجل القضاء)، ثم ذكر قول الحسن رحمه الله حيث يقول: (أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى، ولا يخشوا الناس، ولا يشتروا بآياتي ثمناً قليلاً)، ثم قرأ: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله... الآية} اهـ. بتصرف.
فليحذر من ولاه الله أمر المسلمين أن يعدل في حكمه عن أمر الله ورسوله إلى هواه وشهوة نفسه فإن في تصرفه ذلك رداً لحكم الله ورسوله، وقد قال سبحانه: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وقال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، وقال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتداً يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {آلمص * كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين * اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون}) اهـ.
ولا يكون كذلك إلا بفعل الهوى الذي حمله على حكمه نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين..
ج) الجور في الحكم وذلك ظلم عظيم يقع فيه هذا القاضي والعياذ بالله كأن يحكم على الضعيف تشفياً أو نزولاً على رغبة الخصم فيحكم عليه بما لا يستحق من زيادة في التعزير، وحده بما لم يأذن به الله، أو اقتطاع شيء من ماله وحرمانه منه، وإذا كان المحكوم عليه ممن له الصدارة في المجتمع تساهل في أمره أوبرأه مما نسب إليه، أين الخوف من الله ومراقبته في مثل هذا التصرف؟! أليس هذا من الشطط في الحكم والجور فيه؟! أين هذا من قوله تعالى: {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط}، وقوله: {ولا تتبع الهوى}.
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذاباً إمام جائر ).
وعن أبى موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته)، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} متفق عليه.
وحينما أرسل معاذاً إلى اليمن وأمره أن يأخذ من أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم قال له: (واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) متفق عليه.
والآيات والأحاديث في النهي عن الظلم كثيرة جداً فينبغي لمن نصب نفسه حاكماً بين الناس أن يتقي سطوة الله وعقابه وانتقامه منه للمستضعفين، كما ينبغي أن يعلم أن مثل هذا العمل فيه تشبه ببني إسرائيل الذين إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه.
كما هو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت … - وذكر الحديث - إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
وفي الحديث الآخر: (من تشبه بقوم فهو منهم)،فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
د) العدول عن حكم الله ورسوله إلى حكم الطواغيت من البشر: إن مما يؤسف له - بالأخص في هذا الزمن - ما وقع فيه بعض من ينتسبون إلى العلم من العدول عن حكم الله ورسوله إلى القوانين الوضعية والأفكار البشرية وقد يكون ذلك ظناً منهم أنها مكملة لشرع الله، أو أنها تتماشى وحضارة العصر مع أن ذلك كفر بالله عز وجل وشرك في توحيد الربوبية عياذاً بالله، قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}.
وقد بدى لنا - وللأسف - أن البساط يسحب من تحت المحاكم الشرعية شيئاً فشيئاً، فقد طالعتنا الصحف في هذه الأيام بما مفاده: (تجريد القضاء من صلاحية النظر في الشكاوى المرفوعة ضد ما يكتب في الصحافة وقد أعلن عن ذلك من له مسئولية في وزارة العدل، وسيكون توجيه الشكاوى ضد الصحافة إلى اللجنة المشكلة في وزارة الإعلام)، وذلك لإعطاء الصحافة مزيداً من الحرية، وليس هذا هو أول ما تبين لنا من هذا الخلل العظيم، بل إن فيه من يذهب لدراسة القوانين ممن ينتسبون إلى العلم ليكون مؤهلاً لإدارة شئون القضايا المرفوعة من قبل المتخاصمين.
كما أن فيه من يرغب في المشاركة في البرلمانات ومجالس التشريع مع ما فيها من الكفر بالله عز وجل والاستهزاء به وبكتابه وبرسوله. فيا لله ما هذا البلاء الذي لم نر له منكراً ممن لهم الحل والعقد من العلماء أم أنها حقت علينا كلمة العذاب.
وما اجتماع الجيوش الصليبية وإبداؤهم العداوة إلا أنه قد أحدق بالأمة انتقام الله وسخطه، نسأل الله أن يرد كيدهم في نحورهم وأن يحفظ الإسلام والمسلمين من ظلمهم وعدوانهم، وإننا حينما نتأمل فيما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في الحكم على من حاد عن الكتاب والسنة نجد أنه قد أشرك بالله عز وجل ورضي غير الإسلام دينا، قال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً …}... إلى قوله عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماُ}.
قال ابن القيم رحمه الله: (أقسم سبحانه بأجل مقسم به وهو نفسه عز وجل على أنه لا يثبت لهم الإيمان ولا يكونوا من أهله حتى يحكم لرسوله في جميع موارد النزاع وفي جميع أبواب الدين، فإن لفظة "ما" من صيغ العموم، ولم يقتصر هذا حتى ضم إليه انشراح صدورهم بحكمه بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجاً وهو الضيق والحصر من حكمه بل يقبلون حكمه بالانشراح ويقابلونه بالقبول لا يأخذونه على إغماض ولا يشربونه على قذى، فإن هذا مناف للإيمان بل لا بد أن يكون أخذه بقبول ورضى وانشراح صدر) اهـ.
وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم على هذه الآيات ما نصه: (إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}، وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن من لم يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم نفياً مؤكداً بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}، ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم بقوله جل شأنه: {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت}، والحرج الضيق، بل لا بد من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب، ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين حتى يضموا إليهما التسليم وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم بحيث يتخلوا هاهنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتم تسليم ولهذا أكد ذلك بالمصدر المؤكد وهو قوله جل شأنه {تسليماً} المبين أنه لا يكتفى ها هنا بالتسليم بل لابد من التسليم المطلق) اهـ.
وقال الشيخ صالح الفوزان يحفظه الله: (فالتحاكم إلى شرع الله ليس لطلب العدل فقط وإنما هو في الدرجة الأولى تعبد لله وحق لله وحده وعقيدة، فمن احتكم إلى غير شرع الله من سائر الأنظمة والقوانين البشرية فقد اتخذ واضعي تلك القوانين والحاكمين بها شركاء لله في تشريعه، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، وقال تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}).
2) قد كثر في هذا الزمن من يجيرون فتاواهم حسب ما تمليه أهواؤهم وما تشتهيه رغباتهم أو نزولاً على رغبات غيرهم ممن يرجونهم لمصالحهم الشخصية مع علمهم أن ما يفتون به مخالف للنصوص الشرعية وأقوال أهل العلم كالفتيا بجواز التأمين المسمى بالتأمين التعاوني وجواز التصوير بما في ذلك تصوير المرأة وقيادة السيارة والظهور في القنوات الفضائية.
أضف إلى ذلك كثيراً من المعاملات الربوية وغيرها، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) رواه الدارمي مرسلاً عن عبيد الله بن أبي جعفر.
وقد سئل أحمد عن هذا الحديث: ما معناه؟ فقال: (يفتي بما لم يسمع).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى بفتيا بغير تثبت فإنما إثمه على من أفتاه) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي والحاكم.
وروى الدارمي أيضاً عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال في خطبته: (من علم علماً فليعلمه الناس وإياه أن يقول ما لا علم له به فيمرق من الدين ويكون من المتكلفين).
علماً أن سلف هذه الأمة كانوا يتدافعون الفتيا فيما بينهم تورعاً وخشية أن يقول أحدهم بما لا يعلم، مع أنهم أعلم الناس بعد رسول الله بكتاب الله وسنة نبيه لاسيما الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان.
وهذه بعض الآثار التي يتبين لك من خلالها تورعهم عن الاستعجال في الفتيا ومبلغ خوفهم من الله سبحانه وتعالى:
فروى الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوماً يتمارون في القرآن قال: (إنما أهلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه بعضاً، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم منه فكلوه إلى عالمه).
وروى مالك بن مغول عن أبي حصين عن مجاهد عن عائشة: أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رأسها، قالت: فقلت؛ ألا عذرتني عند النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: (أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت ما لا أعلم).
وقال ابن مسعود: (من كان عنده علم فليقل به ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم فإن الله قال لنبيه: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}).
وعن عبد الله بن مسعود وابن عباس: (من أفتى الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون).
وقال سحنون بن سعيد: (أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه).
وقال ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين": (وإذ كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات، فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته وأن يتأهب له أهبته وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه، كيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب}، وكفى بما تولاه الله بنفسه شرفاً وجلالة إذ يقول في كتابه: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}، وليعلم المفتي من ينوب في فتواه وليوقن أنه مسئول غداً وموقوف بين يدي الله) اهـ.
وذكر العلامة المناوي أن ابن عمر كان إذا سئل قال: (اذهب إلى هذا الأمير الذي تولى أمر الناس فضعها في عنقه، وقال: يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون علينا إلى جهنم!).
وقال العلامة الإمام أحمد بن حمدان الحراني في كتابه "صفة الفتوى والمفتي والمستفي": (ورأى رجل ربيعة بن عبدالرحمن يبكي فقال: ما يبكيك؟! فقال: استفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم، وقال: ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق. قلت:فكيف لو رأى أهل زماننا وإقدام من لا علم عنده على الفتيا مع قلة خبرته وسوء سيرته وشؤم سريرته، وإنما قصده السمعة والرياء ومماثلة الفضلاء والنبلاء والمشهورين المستورين والعلماء الراسخين والمتبحرين السابقين ومع هذا فهم ينهون فلا ينتهون وينبهون فلا ينتبهون قد أملي لهم بإنعكاف الجهال عليهم وتركوا مالهم في ذلك وما عليهم، فمن أقدم على ما ليس له أهلاً من فتيا أو قضاء أو تدريس أثم فإن أكثر منه وأصر واستمر فسق، ولم يحل قبول قوله ولا فتياه ولا قضائه، هذا حكم دين الإسلام والسلام، ولا اعتبار لمن خالف هذا الصواب فإن لله وإنا إليه راجعون) اهـ.