بسم الله الرحمن الرحيم



بغداد: بعد عامين على انتهاء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق وادت الى سقوط نظام صدام حسين، ما يزال عشرات الالاف من المشردين العراقيين يعيشون في العديد من المباني الحكومية والسجون والمقار الحزبية والامنية التي كانت تزرع الرعب في قلوب العراقيين.
وتعود مشكلة المشردين الى البروز بصورة متكررة، فلا يكاد يمر اسبوع دون ان يتجمع الالاف منهم امام المنطقة الخضراء التي تضم مبنى السفارتين الاميركية والبريطانية ومقار الحكومة العراقية مطالبين بتوفير سكن لائق لهم بعد ان تلقوا تحذيرات بضرورة اخلاء تلك المباني الحكومية.
و تظاهر المئات من المشردين من رجال ونساء واطفال امام قصر المؤتمرات وهم يحملون لافتات كتب عليها "نريد بيوتا لانريد تعويضات" و"نناشد الانسانية والرحمة فيكم فلا تكونوا اظلم من صدام حسين" و"نطالب دول الجوار بقبولنا كلاجئين في دولهم"، وهم يهتفون "نعم نعم للوطن ما نريد غير السكن".
ويقول محمد شنيشل جار الله المشرف على مجمع سكني كان سجنا تابعا لمديرية الامن العامة قبل سقوط النظام "نحن زهاء 350 عائلة كنا نسكن في هذا السجن بسلام منذ نحو عامين لكن بالامس حضرت قوة عراقية اميركية مشتركة واعطتنا مهلة لحد يوم الاثنين لاخلاء المبنى مقابل 500 الى 1000 دولار لكل عائلة".
واضاف ان "الخبر وقع كالصاعقة علينا جميعا وتنفيذه يعني القاء حوالي 1500 شخص معظمهم من الاطفال في الشارع".
وتابع "كل ما نريده من الحكومة هو ان تتركنا بحالنا وان لا تكون اظلم من صدام حسين".
ويضم المجمع الذي لا يبعد سوى امتار قليلة عن مبنى الامم المتحدة على شارع القناة في منطقة البديات شرق بغداد، خليطا من عوائل موظفين ورجال شرطة وحرس وطني وعمال ومعوقي حرب.
ويقول علي نعيم (30 عاما) احد سكان المبنى من عناصر الحرس الوطني وهو اب لطفلين "راتبي الشهري 180 الف دينار فقط (130 دولارا) ولا اعرف هل اعطيه لايجار بيت متواضع ام لتوفير لقمة العيش لعائلتي".
ويستدرك نعيم قائلا "انا حتى لا استطيع ان اؤجر منزلا متواضعا براتبي هذا فبدلات الايجار تتراوح مابين 300 و400 الف دينار (200-300 دولار)".
اما جبار عيدان كاظم الذي يعمل في وزارة الداخلية فيبدي استغرابه ان "تقوم الحكومة بمحاربة الفقراء الذين صوتوا لها في الانتخابات رغم تهديدات الارهابيين".
ويضيف "عليهم ان يحلوا مشكلتنا ويفعلوا شيئا لنا ولمصيبتنا ويبنوا لنا مجمعات سكنية متواضعة نعيش فيها بسلام نحن واطفالنا".
اما فخرية خلف الربيعي (70 عاما) التي فقدت ثلاثة من ابنائها في الحروب التي خاضها النظام السابق فتقول ساخرة "لقد ضحينا بكل ما نملك من اجل هذا البلد وفي النهاية يرموننا في الشارع امتنانا لخدماتنا".
وتضيف وهي تغطي وجهها خجلا من عدسات التصوير "كنا نأمل ان اول ما تقوم به الحكومة العراقية الجديدة ان تجد حلا لمشكلاتنا لا ان تحاربنا وتضع هدفنا لها".
وفي غياب احصاءات رسمية لعدد المشردين في العراق، يقدر مسؤولون عراقيون انهم يصلون الى عشرات الالاف من الاشخاص.
وتلقى العديد من سكان المباني الحكومية والمقار الحزبية زيارات مباغتة او تهديدات من السكان السابقين او من قبل مسؤولين حكوميين يريدون اعادة تأهيل هذه المباني لاستخدامها لاغراض عديدة.
ويروي محمد يحيى الذي كان يستأجر منزلا متواضعا مقابل بدل ايجار بسيط ان صاحب المنزل الذي كان لا يجرؤ ايام النظام السابق على الحديث عن اي زيادة في الايجار بسبب وجود قانون حكومي يمنع ذلك، قام بطرده بعد سقوط بغداد مباشرة.
ويسكن يحيى مع زوجته وطفليه في غرفة صغيرة فيها سرير نوم وحمام وتواليت ومطبخ.
ويقول هذا المعوق البالغ من العمر 43 عاما "كنا نستأجر قبل ذلك شقة صغيرة تكفيني انا وزوجتي واطفالي الاثنين مقابل بدل ايجار لايتجاوز 25 الف دينار عراقي (حوالي 15 دولارا) في مدينة الصدر ثم فجأة ظهر صاحب المنزل وطلب مني زيادة بدل الايجار الى اربعة اضعاف ولم يكن امامي الا ان اغادر المنزل".
ويضيف يحيى الذي يسكن مع عائلات اخرى في مقر الدفاع الجوي العراقي الذي تعرض للقصف "اين لي بهذا المال انا معوق ولا اعرف اين اذهب ولا اعتقد انني سأتحرك من هذا المكان حتى لو قطعوني اربا".
ويقول عمر الدملوجي وزير الاسكان العراقي ان "بقاء هؤلاء في هذه المباني والدوائر والمؤسسات رغم صدور قرار بازالة هذه المخالفات هي مشكلة حقيقية تشغل بال الوزارة".
واوضح ان "الامر لايتعلق فقط بالعوائل بل بقيام بعض الاحزاب والجمعيات الوهمية باستخدام العديد من المباني دون موافقة مسبقة".
واضاف الدملوجي ان "الوزارة بدأت منذ العام الماضي ببناء 35 الف شقة سكنية في عموم المحافظات العراقية أملا في حل ازمة السكن في العراق".
ويتابع ان "الدولة العراقية تواجه مشكلة حقيقية. فمن اجل اعادة تأهيل هذه الدوائر والمباني والمؤسسات يجب ان نجد حلا لمشكلة آلاف العوائل المشردة التي كيفت نفسها على العيش في هذه المباني".


المصدر



في أمان الله