ربّ همّة أيقظت أمّة
في حياة كل أمّة قدوات وقادة يمثلون قيما ويوجهون
الأمّة ويقوون الهمّة ليصعدوا بالناس إلى القمّة .
وقادة المجتمع الإسلامي هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
. مهاجرين وأنصار .
فأولئك هم أنصار الإسلام الأول . ثم إن قوما خلفوا من بعدهم
قطعوا على أنفسهم عهدا ألا تخلو كرة الأرض من أشباه الأنصار
الأول . فحملوا عن جدارة واستحقاق لقب { الأنصار الجدد } .
وانطبق عليهم عمليّا قول القائل :
لئن عرف التاريخ أوسا وخزرجا ........ فلله أوس قادمون وخزرج
لذلك كان لزاما علينا أن نجتهد في إلقاء الضوء على هذه الشخصيات
الباسلة والقدوات النادرة التي نسيها الكثير وتناساها الأكثر علنا نسير على
دربهم وننهج نهجهم ونتشبه بهم .
عسى الله أن يمنّ علينا ويحشرنا في زمرتهم ..... زمرة {الأنصار الجدد }
والله من وراء القصد .............،،،
عبد الرحمن النّاصر
الزمان: سنة ثلاثمائة من الهجرة
المكان: بلاد الأندلس الإسلامية
الوضع السياسي للبلاد : بالغ التدهور والتفكك والسوء حيث عمت البلاد زوبعة من الثورات الداخلية المنتشرة في بلاد الأندلس شرقا وغربا شمالا وجنوبا حتى أصبحت الحكومة المركزية للبلاد لا تسيطر إلا على مدينة قرطبة وبعض القرى المحيطة بها وهو ما يعادل عشر المساحة الإجمالية لبلاد الأندلس فقط لا غير . ومن الناحية الخارجية فقد تجرأت الممالك النصرانية الملاصقة لشمال البلاد واحتلت أجزاء واسعة من مدن الشمال الأندلسي
الحدث : وفاة حاكم بلاد الأندلس الأمير "عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط " وفي سابقة تعد الأولى من نوعها على مر التاريخ فقد زهد ولي العهد في الحكم ورفض تولي الإمارة وكذلك فعل بقية إخوته المرشحين للإمارة حيث وجدوها تركة مثقلة بالهموم والتبعات التي ينوء بها أقوى الرجال . وباتت الأندلس في انتظار أمير يقبل هذه المسؤولية الجسيمة والمهمة الصعبة . ولأن هذه الأمة لا تخلو أبدا من الخير إلى قيام الساعة فما لبث أن بعث الله تعالى الفرج متمثلا في ( عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد ) والملقب ( بعبد الرحمن الناصر) البالغ من العمر في ذلك الوقت واحد وعشرين عاما لا غير فاتفق أعمامه على تقديمه وتوليته الأمر فانتدب البطل وهب الأسد وقام الفارس ولسان حاله " أنا لها " وما أن استتب له أمر الحكم حتى شرع في توسيد أمور البلاد إلى من هم أهل لذلك من العلماء والصالحين والمخلصين . وما أن مر على توليه الحكم شهران فقط حتى كان " عبد الرحمن الناصر" يقود حملته الأولى لإخماد إحدى الثورات الداخلية ثم أتبعها بوابل متتابعا من الحملات العسكرية لإخماد الثورات في شتى أنحاء البلاد كل ذلك في همة تناطح السحاب وعزيمة تفوق في صلابتها الفولاذ حتى قام بتوحيد بلاد الأندلس بأكملها تحت رايته بعد ستة عشر عاما من الجهاد المضني والكفاح المرير . ولأنه قائد من طراز فريد فذ فما كان هذا الإنجاز على عظمه ليرضي طموحه أو يشبع همته لذا فما أن استقرت له الأمور الداخلية حتى شرع في توجيه كل طاقته إلى جهاد الممالك النصرانية في شمال البلاد حتى انتزع من أيديهم جميع البلاد الإسلامية التي احتلوها في عهد الضعف ثم حاربهم في بلادهم حتى صالحوه على الجزية يدفعونها عن يد وهم صاغرون . وأرغم أنوفهم وأذل أعناقهم بحول الله وقوته و قدرته .
وعندها تسابق ملوك أوربا والعالم في إرسال الوفود والسفارات إلى "عبد الرحمن الناصر" لتطلب وده وتستجدي رضاه حتى اضطر بطلنا المظفر إلى إنشاء مدينة ضخمة خاصة باستقبال الوفود القادمة إليه من شتى بقاع العالم شرقا وغربا . ووقتها لم يكن من الغريب أن يرسل ملك انجلترا إلى " الناصر " رسالة يطلب فيها منه استضافة بعثة علمية إنجليزية في بلاده ثم يختم رسالته بتوقيع قال فيه :
" خادمكم المطيع ملك انجلترا " .
واستحق " عبد الرحمن الناصر " بجدارة ذلك اللقب الذي منحه إياه التاريخ وهو لقب " أعظم ملوك أوربا في القرون الوسطى على الإطلاق " ليصبح " عبد الرحمن الناصر " بعبارة وجيزة ( هو الرجل الذي أعاد بناء أمة ) .
إخوتي في الله هذه نبذة مختصرة عن ( عبد الرحمن الناصر ) وسيرته ونهضته على المستوى العسكري لم نتعرض فيها لنهضته الزراعية أو الاقتصادية أو المعمارية أو العلمية أو الاجتماعية ولم نتعرض فيها لخلقه وورعه وعدله وحكمته وكل منها والله ظاهرة جديرة بالدراسة واستخراج العبر منها .
فخبروني بربكم هل جادت أمة من الأمم بمثال كهذا على مر التاريخ والأزمنة سوى أمتكم الإسلامية ؟؟
كلا والله فهذه نماذج من البشر لا تتخرج إلا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم
شباب الإسلام :
هذه القصة بكل ما فيها من الدروس والعبر والفوائد ما هي إلا رسالة نتوجه بها إلى الذين تشربت قلوبهم باليأس فأودى بهم إلى مهاوي الاستسلام والذل والخنوع . إلى أصحاب الهمم الضعيفة والنفوس الدنيئة والعزائم الواهية .
إلى الذين نظروا إلى واقع الأمة بعين السخط فلم يروا إلا نصف الكوب الفارغ وأغمضوا عين الرضا فأغفلوا النصف المملوء .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا
إلى الذين وجدوا ضالتهم في اليأس فرفعوه شعارا واتخذوه منهاجا لا لشيء إلا لأنهم وجدوا فيه مرعى خصبا للبطالة والدعة والخمول والكسل عن خدمة دين الله ولو بكلمة إلى الذين لم يكتفوا بالقعود والبطالة بل أخذوا على عاتقهم تخذيل كل مشمر وتثبيط كل نشيط فلا تكاد تسمع من أحدهم إلا ( لا فائدة ــ انك لن تصلح الكون ــ لا حياة لمن تنادي ) إلى آخر هذه العبارات اليائسة .
إلى هؤلاء جميعا نقول :
مهلا يا دعاة الهزيمة . فلا نريد منكم عونا ولا مساعدة ولا نريد منكم جزاء ولا شكورا . إنما نطالبكم بواحدة . أن تكفوا ألسنتكم عنا ثم تفسحوا الميدان لرجال أشداء يشقون الطريق بعزم وجد يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم . رجال لا يشكون في نصر الله القادم ولو شك أهل الأرض جميعا . وعما قريب سوف ترى أعينكم وتسمع آذانكم وتشهد جوارحكم كيف يغير الله الواقع بهؤلاء الرجال من ضعف إلى قوة ومن ذل إلى عزة ومن إتباع إلى قيادة وسيادة . وعندها سوف تبوؤون بكل ذرة على وجه الأرض من الحسرة والندامة لأنكم لم تساهموا في هذا النصر ولو بكلمة
معاشر الشباب :
هذه نبذة مختصرة وجيزة عما فعله شباب الإسلام في الماضي وما قدموه لدينهم فأين ما فعلناه نحن ؟ وأين ما قدمناه لديننا ؟؟
فهلا اقتدينا بهم واتصفنا بصفاتهم ولو من قبيل التشبه فقط ؟ فوالله ما لنا قدوات إلا اولئك الجهابذة العمالقة الأفذاذ . فلنتعرف عليهم على صفحات الكتب ولنصاحبهم في بطون المجلدات . لنشاركهم في مواقفهم الخالدة ولنشهد معهم فتوحاتهم المجيدة لنتعلم منهم كيف نصنع مجدا وكيف نشيد عزا
فيا أيها الجيل نريدك جيلا طاهرا تقيا نقيا آماله ومقاصده جليلة يجمع بين جلال إيمان الصديق وحزم "عمر" وحياء " عثمان " وشجاعة و قوة " علي " وصدق " سلمان " وأمانة " أبي عبيدة " فشد الرحل أيها الجيل ولا يهولنك انتفاش الباطل ولجلجته فوالله ما انتفش الباطل إلا يوم تخلى أهل الحق عن الحق
واعلم يا أخي أنك إذا لم تمضي في وقت الحر الشديد فستضطر إلى المضيّ في البرد الشديد .
قوموا وزفوا بشائر النصر لأمتكم فوالله إن لم تفعلوا فلن ينزل الله نصره إلا بعد أن يستبدلكم ( وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )[1] .
انهضوا فورب الكعبة ما يليق بأحفاد الأسود القعود وقد زأر في جنبات الميدان أحفاد الخنازير والقرود . أسرعوا لتنضموا إلى " جيل النصر "
(فجيل النصر هم صنف من الناس عددهم قليل وبركتهم كثيرة يأتي بهم الله في آخر
الزمان ليجدد بهم الإيمان .
جيل النصر :عشقهم الجهاد وحصنهم الإيمان وعدتهم الصبر وخلقهم القرآن وقدوتهم
سيد الأنام عليه الصلاة والسلام
جيل النصر : باختصار هم من وقع عليهم اختيار الله تعالى ليجري بهم سنته ويرفع بهم كلمته وينصر بهم دينه ويتم بهم نوره ولو كره الكافرون)[2] . فاحرصوا على أن تكونوا في مقدمة الصفوف وما ذاك إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى إذا ما قمنا بواجبنا نحو ديننا قولا وعملا وتبليغا على الوجه الذي يرضي الله ورسوله . فوقتها ووقتها فقط سوف يتثنى لنا أن ننتظر لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض لنقول له :
يا رسول الله لقد اختار الله لك جيلا من الرجال آمنوا بك وأيدوك ونصروك وأقام الله الدين على أكتافهم من بعدك فكانوا خير صحبة لخير نبي ثم خلف من بعدهم رجال قطعوا على أنفسهم عهدا ألا تخلو كرة الأرض من أشباه صحابتك حتى يقر الله عينك بآخر أمتك كما أقر عينك بأولها .
يا رسول الله ها قد صدقنا وعدك وحفظنا عهدك ولزمنا غرسك ونهجنا نهجك و اقتفينا أثرك و عملنا بسنتك وبلغنا كلمتك نبتغي بذلك مرضاة ربك والتشرف برؤية وجهك .
هذا مجمل ما أردت قوله فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو ذلل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء .
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب
[1] محمد (من الآية 38 )
[2] المهاجرون الجدد للدكتور / خالد أبو شادي (بتصرف)
