تصاعد عمليات المقاومة العراقية يفتح الباب على فرضيات كثيرة منها التفاوض المباشر مع المقاومةبغداد - خدمة قدس برس




تصاعدت حدة العمليات المسلحة في العراق، خلال الأسبوع المنصرم، الأمر الذي رفع عدد تلك العمليات، التي تجري يوميا، إلى عددها قبل إجراء الانتخابات العراقية، التي جرت في الثلاثين من كانون ثاني (يناير) الماضي، وربما تكون قد فاقتها.

فعلى الرغم من حالة الهدوء النسبي في وتيرة تلك العمليات، في أعقاب الانتخابات، إلا أن تلك العمليات عادت إلى الارتفاع مجددا، مخلفة وراءها الكثير من التساؤلات، بشأن قدرة الفصائل العراقية، التي تؤمن بالكفاح المسلح سبيلا وحيدا لتحرير العراق، على تحقيق أهدافها.

وأرجع مراقبون عراقيون تلك العمليات المتصاعدة إلى وجود تنسيق جيد بين فصائل المقاومة العراقية، نجحت من خلاله في إرباك الوضع السياسي القائم في العراق، وزعزعته أكثر. كما أن عمليات المقاومة المتصاعدة سجلت تميزا جديدا، تمثل في تركيز ضرباتها على القوات الأمريكية، على نحو، ربما كان مفقودا قبل الانتخابات العراقية، مما أدى إلى وقوع العديد من الخسائر في صفوف العراقيين، إذ شهد الأسبوع المنصرم العديد من العمليات، التي ركزت بشكل خاص على القوات الأمريكية، أكثر من تركيزها على القوات العراقية.

وقال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور نبيل محمد سليم لوكالة "قدس برس" إنه لا يوافق على القول "إن وتيرة المقاومة المسلحة تصاعدت، لأن ذلك يعطي الانطباع بأنها انعدمت أو تلاشت، ونحن نعرف أن هذه العمليات مستمرة، ولكن يجري التعتيم عليها من قبل الإعلام، الذي يحاول أن يعطي هذا الانطباع".

وأضاف "عمليات المقاومة تأخذ بنظر الاعتبار الظرف السياسي، والعملية السياسية الجارية في البلد، وتصرفات قوات الاحتلال، ناهيك عن حركتها وظروفها، وبالتالي فإنها تزداد في وقت معين، وتقل في آخر، تبعا لكل تلك العوامل، ولا أعتقد أن تصاعدها في فترة معينة له علاقة بالاستراتيجية العامة لمن يقوم بمثل هذه العمليات، كما إنه يعتمد على سلوك الاحتلال من جهة، وفترة بقائه من جهة أخرى، مثلما يعتمد على أداء الحكومة القادمة".

وحول علاقة العمليات المسلحة في العراق بتشكيل الحكومة قال سليم "إذا كان أداء الحكومة يفيد المصلحة العامة، فإن هذه الجهات المسلحة ربما ستفكر حتى في الدخول إلى العملية السياسية الجارية، أما إذا كان تشكيل الحكومة سوف لن يغير من الواقع شيئا، وستبقى قوات الاحتلال موجودة، وتمارس نفس السياسات، فبالتأكيد أن المقاومة ستستمر، وأعمالها ستتصاعد".

واعتبر سليم أن التصريحات والتحليلات، التي تتناول الحوار مع المقاومة العراقية بأنها تجانب الصواب، مؤكدا أن "هناك إشارات غير مباشرة حول هذه الإمكانية، لكن حوارا مباشرا مع الفصائل المؤثرة في المقاومة العراقية لا اعتقد بأنه موجود". وأضاف "الكثير من الأطراف تدعو إلى إجراء الحوار، غير أنه ليس موجودا أصلا، لأنه سيؤدي إلى الاعتراف بالمقاومة الشرعية". وقال "قد يكون هناك حوار مع طرف بعينه ولكن لا يعني أنه حوار مع فصائل المقاومة العراقية الفاعلة، التي تمتلك القرار، وتكون قادرة على أن توقف العمليات المسلحة"، على حد قوله.

ورأى محللون عراقيون في فتوى عدد من علماء السنة بجواز الانضمام إلى أجهزة الأمن والجيش العراقي، سببا مقنعا لدى تلك الفصائل في استبعاد تلك الأجهزة من ضرباتها، مع التسليم بأن هناك خطا في صفوف المقاومة العراقية يرفض الالتزام يتلك الفتوى، لكون هذا التيار يأخذ فتاواه من مراجع خارج العراق أصلا، وله امتداد إقليمي في دول الجوار، وبالذات دول الخليج والأردن.

لكن بغض النظر عن الحيثيات والتفاصيل، فإن ما يسجل أن المقاومة العراقية تمكنت خلال الأسبوع المنصرم من إثبات أنها تستفيد من تجاربها، إذ لوحظ أن طريقة تعامل المسلحين مع المعركة، التي شهدتها القائم المدينة، الواقعة على الحدود العراقية السورية، اختلفت على ما شهدته مجريات الأحداث في مدينة الفلوجة.

فبعد أن انسحبت القوات الأمريكية من داخل المدينة، تحت طائل الضربات القوية التي واجهتها، وبعد أن أعدت عدتها لاقتحام المدينة، انسحبت فصائل المقاومة من داخلها، لتسمح للقوات الأمريكية بالدخول إليها، بعد أن رأت أن تلك القوات كانت عازمة على اقتحام المدينة، ولو كلفها ذلك ضرب المدنيين. وبعد أن دخلت القوات الأمريكية إلى المدينة وجدت نفسها بين فكي كماشة، حيث انهالت الصواريخ والقذائف على القوات الأمريكية التي كانت ترابط خارج المدينة، الأمر الذي اضطرها إلى الانسحاب ثانية، بعد دخول المدينة.

دللت عمليات الأسبوع المنصرم، بشكل واضح، على أن المقاومة العراقية تشتد مع الأيام كما يقول المحلل السياسي الدكتور علي الهاشمي، الذي قال إن "الكثيرين توقعوا أن تخمد نار المقاومة العراقية بعد الانتخابات، وخاصة في أعقاب العمليات العسكرية الواسعة في الفلوجة وسامراء والموصل والرمادي، إلا أن الوضع كان خلاف تلك التوقعات، حيث أثبتت المقاومة أنها مازالت قوية، بل إنها اليوم أقوى مما كانت عليه قبل الانتخابات، حيث وصلت أرقام العمليات المسجلة بعد الاحتلال نحو 70 عملية يوميا، وهو رقم كبير جدا قياسا بالإمكانات العسكرية الأمريكية والعراقية الوليدة".

وأضاف "أعتقد أن معركة الفلوجة ومعركة سامراء والموصل أثبتت أن الضغط على المقاومة يولد مقاومة أعنف، وبالتالي فإن الأمر الآن يتوقف على طبيعة ما ستقوم به الإدارة الأمريكية في العراق، وأقصد الإدارة السياسية وليس العسكرية، لأن العسكرية أثبتت فشلها في التعامل مع المقاومة، وإذا ما أرادت الإدارة الأمريكية أن توقف نزيف دم أبنائها في العراق، فعليها أن تفتح صفحة جديدة مع المقاومة، والتي كان أولى بوادرها مقترح العفو الذي أعلنه الرئيس العراقي الجديد جلال الطالباني"، على حد قوله.

باتت العديد من الفرضيات متداولة في الشارع السياسي العراقي، في أعقاب التصعيد الكبير في العمليات المسلحة، ربما من أهمها تولي قائد سابق في الجيش العراقي لحقيبة وزارة الدفاع، وهو قائد بحسب مصادر سياسية عراقية مقرب من الفصائل المسلحة، وقادر على أن يتفاهم مع قادتها، في حين تؤكد مصادر سياسية أخرى بأن حازم الشعلان وزير الدفاع الحالي أجرى العديد من المفاوضات مع فصائل المقاومة العراقية في محافظة الأنبار تحديدا، تركزت على انسحاب كامل للقوات الأمريكية من المدينة، ومن القواعد العسكرية فيها، وتشكيل جيش للمحافظة من أبناء المدينة، بشرط أن يكون قوامه من قادة الجيش العراقي السابق.

وهكذا فإن الساحة السياسية العراقية تموج بفرضيات كثيرة، أفرزتها عمليات المقاومة العراقية في الأسبوع المنصرم، ربما من شأنها أن تعطي زخما جديدا لعمليات أشد فتكا وأكثر تركيزا، قد تنتهي بفتح حوار حقيقي وجاد مع المقاومة، اعترافا بكونها من مقومات واقع العراق الجديد، الذي لا يمكن إنكاره.