المراة بين المساوة والتحرر....................
الحرية كأي لفظ يفهم من مدلوله. والمدلول هو ما اصطلح عليه المجتمع وكان مرده اجتماعيا أو دينيا (ومعا في حالة
الشريعة الإسلامية). من هنا نجد أنه لا يمكن فهم واستيعاب معنى الحرية وحدودها دون السياق الثقافي لها.
فعلى سبيل المثال ما يراه مجتمع على أنه حرية للمرأة يراه مجتمع آخر ابتذالا لها والعكس صحيح. لذلك تتفاوت
المجتمعات في حدود الحرية ولكن في إطار الثقافة الإنسانية يبقى هناك حدود. فإذا ما اتفق عالميا على أن هناك
حدودا للحرية كان لا بد أن تحدد هذه الحدود. من هنا نقول إن الحرية مفهوم قيمي بمعنى لا يمكن الاتفاق على
مفهوم موحد، إلا في حالة واحدة وهي أن الحدود تكون مرجعيتها إلهية كما في الشريعة الإسلامية.
إن الدعوة لحرية المرأة في الغرب والدعاة إليها في الشرق الإسلامي ممن تشربوا الثفافة الغربية هي في جوهرها
التحرر وليس الحرية. التحرر من القيم الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية. ولا بأس من الاعتراف هنا أن بعض العادات الاجتماعية قد تحتاج إلى تصحيح أو حتى الإلغاء خاصة تلك التي تتعارض أو لا تنسجم مع تعاليم الدين. ولكن تبقى التعاليم والمبادئ والأطر الدينية من الثوابت التي لا يصح بل لا يجوز لأيٍ كان أن يعبث بها أو يشير من قريب أو بعيد إلى تعديلها بما يتفق مع الحالة الغربية أو غيرها من الثقافات. وكيف ذاك وهي مكوِن أساس من شخصية المسلم ذكرا كان أو انثى فإذا ألغينا بعضا منها فكأنما نلغي جزءا من شخصيتنا كأفراد وبالتالي مسخ للأمة وخصوصيتها.
إن الثقافات الأخرى غير الإسلامية وصلت إلى ما وصلت إليه من خلال فكر الترقي والبقاء للأصلح وهو فكر بلا شك يتنافى مع الخُلق والقيم الإنسانية بل فكر متطرف يلغي الآخر ويحرض على التنازع والتحارب. فهذا المبدأ يُكرس لمفهوم الحق للأقوى. فهذه الدول الأوروبية تستعبد ولا أقول تستعمر البلدان والشعوب المغلوب على أمرها ردحا من الزمان تنهب خيراتها ومواردها بشره بحجة إنها الأقوى ماديا! بل تاريخها مليء باضطهاد الأقليات والتفرقة العنصرية (ما عدا اليهود!). ومازال هذا الفكر مسيطرا بل هو المبدأ الأساسي للنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول الغربية. لذا تجد أن القرار السياسي مبني على القوة المادية وليس تمثيل الأغلبية. وغني عن القول ما يفعله اللوبي الصهيوني في الدول الغربية وتأثيره على سياساتها وتوجهاتها كشاهد ودليل واضح لذلك. أما الاقتصاد فأساسه المنافسة المبنية على القدرة (القوة) والذوق. إلا أن الناس غير متساوين في القدرة وبالتالي لا يملكون فرصا متساوية تؤهلهم للتنافس مع الآخرين. لذا تشاهد في هذه الدول التي بلغت مبلغا من التقدم المادي أناسا بلا مأوى مشردين طوافين حول ناطحات السحاب وأسواق الأوراق المالية التي تعج بالمستثمرين وأصحاب النفوذ.
أما في النظام الاجتماعي فحرية الفرد مقدمة على مصلحة الجماعة. بل إن لكل إنسان أن يتبع مصلحته الخاصة وان يعتمد على نفسه في تحقيق أهدافه الخاصة دون الالتفات لما سيكون تأثير ذلك على الآخرين. وأن الإنسان ذكرا كان أو أنثى حر فيما يفعله طالما أن حريته لا تتعدى على حرية الآخرين. وهو قول في ظاهره العدل والمساواة وباطنة الأنانية وحب الذات. لأن حرية الشخص والعيش من أجل نفسه يلغي الرحمة والمودة التي هي أساس التعايش بين الناس. ولذلك بنيت العلاقات الاجتماعية على حب الذات وتحقيق أكبر رضا نفسي أولا وأخيرا حتى ولو على حساب اقرب الناس الوالدين والأولاد والزوجة والإخوان والأخوات وجميع من في الأرض!. بل أصبحت العلاقة بين الرجال والنساء علاقة نفعية أفرزت علاقات غير شرعية بحجة الحرية الشخصية. حرية من أجل تحقيق النزوة والشهوة الخاصة دون مراعاة لتأثير ذلك على المجتمع. فكم من امرأة ندبت حظها بعدما استغلت جنسيا (بحريتها) من عدد من الرجال وكم حالات الطلاق بسبب الخيانات الزوجية وكم من حالات الاغتصاب التي تحدث في كل دقيقة، بل إن الملاجئ ما كانت لتتسع للمواليد غير الشرعيين لولا رغبة البعض بتبنيهم. ومع هذا كله نجد أن نساءهم بدعوى الحرية بل قل التحرر تزداد تعريتهن أمام الملأ، يضعن المساحيق ويتجملن لفتنة الرجال. فالمرأة اختصرت لتكون جذابة يعشقها الرجال مثلها في ذلك مثل أي شيء آخر متاع بلا روح. فهذه دور الأزياء والمستلزمات النسائية والإعلانات التجارية كلها تشير إلى ذلك. ووجود عالمات ومخترعات وعاملات مبرزات لا ينفي تأخر تلك البلدان اجتماعيا وتراجعها أخلاقيا. فالعلم الذي قدم الكثير لراحة الإنسان هو ذاته من قدم أكثر في سبيل فناء الإنسانية وتعاستها. فالعلم والعمل إذا لم يحط بإطار أخلاقي يكون هباء منثورا وبلاء على صاحبه بل المجتمع الإنساني بأسره. بقي أن نقول إن تلك المجتمعات لا تعدم بعض الإيجابيات الظاهرة مثل احترام الوقت والقوانين والجد والاجتهاد، لكن لا تتعدى إطار المنفعة المادية والاقتصادية والمصلحة الخاصة بدليل أنها تتعامل بمعيارين وتقول ما لا تفعل تجاه المجتمعات الأخرى التي تختلف معها في التوجه. لذلك يحرمون الآخرين حرية القرار بفرض نمط حريتهم وثقافتهم عليهم. فهم يعطلون ما يدعون إليه وما يدّعونه من قيم الحرية والعدل وحقوق الإنسان حين تتضاد مع مصالحهم. ومن المفارقات الغريبة أن يتهموا المسلمين بإهانة المرأة بحجابها وتعففها وهم الذين يبتذلون نساءهم بالتعري ويطالبون بتسوية المرأة بالرجل في كل شيء دون تفريق ودون أخذ الاختلافات الطبيعية والتكوين الجسدي والعاطفي بالحسبان. فليس من العدل المساواة. وللحديث بقية نتابعه الأسبوع المقبل إن شاء الله
فليس من العدل المساواة
فليس من العدل المساواة
![]()