-
سقراط
ولد سقراط في اثينا حوالي سنة 470 قبل الميلاد ، من اب يصنع التماثيل وام قابلة ، وقد لاحظ الابوان بحزن عميق ان طفلهما كان على قسط وافر من الدمامة والقبح .
ولكن هذا الطفل العبقري ـ و كما لاحظ الجميع مع مرور الايام والسنين ـ كان يتمتع بذكاء ممتاز ونفس قوية ، مع دقة في الملاحظة وعمق في التفكير ، مما مكنه من استيعاب علوم عصره بسهولة ويسر ، وبذلك اصبح واحدا من مفكري اليونان الكبار في سن مبكرة ، ولكنه بقي محافظا على تواضعه ، فكان يعلن ـ دائما ـ انه ليس حكيما ، ولكنه فيلسوف ، أي محب للحكمة .
وكان ينشر افكاره وتعاليمه بطريقة اشتهر بها ، وهي طريقة الحوار ، فكان يسال محدثه عن امر من الامور ، فاذا اجابه قال له سقراط : ان جوابه حسن ، ولكن فيه مسالة غامضة يريد ان يتعرفها ، ولا يزال يحاوره هكذا ، حتى يعرف محاوره انه يجهل هذا الشئ ، وعندئذ ياخذ سقراط في بيان الحقيقة كما يراها .
وكان سقراط يثير هذه الحوارات ـ التي كان لها دور كبير في توجيه الاثينيين الى تدقيق الفكر وحب البحث والحرية في التفكير ـ حيثما اتفق : في السوق ، وفي الشوارع ، وفي الملاعب الرياضية ، ويتخذ من كل ما يقال موضوعا يثيره ويوجه الاذهان الى التفكير فيه والبحث عنه ، فيسال ما معنى الخير ، وما معنى العدل ، وما معنى الحق ، الى نحو ذلك من مسائل ، كما كان يتعرض لنظم الحكم فيبين ما في الحكم الديمقراطي من مزايا وعيوب ، وما في الحكم الارستقراطي من استبداد وظلم الى كثير من امثال ذلك .
كان قد سبق سقراط في بلاد اليونان طائفة تسمى " السفسطائيين " ، وكانوا طائفة متفرقة تطوف في في بلاد اليونان ، تعلم الناس السياسة والبلاغة والتاريخ والطبيعة ، ولكنهم كانوا يحملون في ثنايا تعليمهم مبادئ في منتهى الخطورة ، فهم يثيرون الشكوك في نفوس الناس حول المبادئ الموروثة ويعلمون الشباب ان البلاغة هي خدمة الفكرة سواء أكانت حقا ام باطلا ، ويعلمون الناس اللعب بالألفاظ والمغالطة ، ومن اجل هذا اشتق من اسمهم هذا كلمة " سفسطة " للدلالة على المغالطة والتهويش على السامع ، والاخطر من ذلك انهم كانوا ينكرون حقائق الاشياء ، فليس هناك حق في ذاته او باطل في ذاته ، بل الحق بالنسبة لي ما رايته حقا ، وبالنسبة لك ما رايته حقا ، فكان من نتيجة هذه الارآء ان تعرض كل نظام سياسي او خلقي لخطر الانهيار و السقوط .
ادرك سقراط مدى خطورة هذه الافكار الهدامة ، فحارب السفسطائيين بلا هوادة ، واقام البناء الاخلاقي الذي هدموه ، وقرر ان هناك حقائق ثابتة لا نسبية ، وان هناك خيرا وشرا ، وليس الخير ما اعتقدته انت خيرا ، بل ما طابق الخير في الواقع ، وان هناك عدلا ولو رآه ولو رآه بعض الناس ظلما ، وهكذا .
كان السفسطائيون يرون ان الحواس وحدها هي التي تدرك الاشياء ، فاساس كل معلوماتنا عن طريق الحس ، فخطأهم سقراط في ذلك ، وابان ان التامل والتفكير العقلي ايضا وسيلة من وسائل المعرفة ، فالحواس تدرك الاشياء البسيطة والجزئيات كهذا الانسان وهذه الشجرة ، ولكنها لا تدرك الكليات كالانسان والشجرة بمعناها الكلي وانما يدركها العقل ، وقد هدى هذا التفكير سقراط الى " تعريف الاشياء " ، فان التعريف للكليات لا للجزئيات ،فاذا عرفت الانسان فانت تقصد الصفات الاساسية التي يشترك فيها كل الناس ، وقد امتاز سقراط بنبوغه في هذه التعاريف وتحليلها تحليلا دقيقا.
وهكذا كان لسقراط فضل كبير في اعادة الطمانينة الى نفوس الناس وازالة ما اثاره السفسطائيون من شكوك ، ولم تكن هذه الطمانينة التي اعادها سقراط الى النفوس مجرد تسليم بالموروث ، بل هي ايمان مبني على الحجة والبرهان .
وكان لسقراط مزية اخرى ، وهي توجيه الناس الى النظر في نفوسهم بعد ان كان اكثر تفكيرهم موجها الى العالم الخارجي ، وقد عرف عنه القول المشهور : " اعرف نفسك " ، ومن اجل هذا بحث في الاخلاق والخير والشر ، واشتهر عنه بحثه في العلاقة بين المعرفة والخير ، فكان يرى ان الانسان اذا عرف الخير فهو لا بد ان يفعله ، فاذا عرف فوائد الصدق ، فلا بد ان يصدق ، وكذب الناس ناشئ من جهلهم بمضار الكذب ، وقد خطأه الفلاسفة الاخرون من بعده ، وقالوا ان الانسان قد يعرف فوائد الصدق ويكذب ، لانه قد يكون واسع المعرفة ولكنه ضعيف الارادة ، وضعف ارادته هذا هو الذي يمنعه من ان يعمل وفق ما يعرف من الخير ، وايا كان الامر ، فقد كان لسقراط فضل كبير على الفلسفة والتفكير الانساني ، لا يزال اثره باقيا على مر الزمن .
ونتيجة لدعوة سقراط الى افكار جديدة ، ومهاجمته للنظم الديمقراطية والارستقراطية وبيان ما فيهما من عيوب ، فقد اصبح له خصوم كثيرون يكيدون له ويعملون على الايقاع به ، فاتهم بثلاثة تهم ، وهي انه ينكر آلهة اليونان ، وانه يدعو الى آلهة جديدة ، وانه يفسد الشباب بتعاليمه .
وقدم سقراط الى المحاكمة ، فأصر على ارائه ولم يعدل عنها ولم يحاول الهرب من السجن ، وكان في مقدوره ذلك ، فحكم عليه بالاعدام ، واعدم وهو في السبعين من عمره .
لا يكاد يوجد انسان مثقف لا يعرف من هو سقراط وما هي تعاليمه ، من الذي يعرف اسماء القضاة الذين حاكموه وحكموا عليه بالموت ؟</B>
الدكتور اسامة الحاتم
-
مشاركة: سقراط
بسم الله الرحمن الرحيم
أتمنى يا أخي أن تشرح لنا ماهي الفلسفة وما هي النتيجة التي وصل لها أغلب الفلاسفة والى ماذا تقود الفلسفة
وجزاكم الله خير الجزاء
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى