اقتصاد الظل في سوريا
أكثر من 11 مليار دولار تصب في جيوب المفسدين..

يقول رئيس هيئة تخطيط الدولة عبد الله الدردي أنه لو أراد الاقتصاد السوري أن يكون له دور اقليمي بعد تغير الظروف المحيطة بنا و انتهاء الفصل الاخير من المسألة اللبنانية فـ"يجب ان يكون الناتج المحلي الاجمالي لسورية مساوياً لناتجي الاردن ولبنان معا بمعنى ان يكون ناتجنا المحلي الاجمالي 47 مليار دولار بحلول عام 2020 وهذا يتطلب 7% معدل نمو سنوي"


الغريب أن سوريا يمكن أن تحقق الناتج الذي توصلت إليه دراسات السيد الدردري بشكل يوفر الكثير من الجهود سواء في عامل الوقت أو العامل المادي مترافقا مع توفير الكثير من الرؤى التي يقدمها في مقابلاته وكلماته لتكون عامل مساعد لتقوية الاقتصاد السوري وليس العامل الأساسي .

فبدلا من أن تتوجه جهود هيئة التخطيط إلى "ما يجب أن يكون عليه الاقتصاد السوري" عليها أن تبحث بشكل أعمق فيما "هو كائن" ولو قدمت هيئة التخطيط مثلا دراسات جدية عن "اقتصاد الظل في سوريا" ونسبة الهدر التي تسببها في الجسم الاقتصادي الذي يصل إلى ما نسبته 40% من حجم الناتج الإجمالي لسوريا الحالي والمقدر بـ21 ملياراً و900 مليون دولار للعام 2002 لوفرنا على الأقل 10 أعوام لنحصل على الـ47 مليار دولار كي نمارس دورنا الإقليمي.

* الـ 40% التي يخسرها الناتج الإجمالي المحلي

فاقتصاد الظل بحسب ما يعرفه أستاذ الاقتصاد المالي في جامعة دمشق وسفير سورية السابق في باريس ورئيس لجنة الموازنة في مجلس الشعب سابقاً الدكتور الياس نجمة " هو كل نشاط اقتصادي غير قانوني سواء كان يمس مسائل مشروعة من الناحية الأخلاقية والنظامية العامة أو غير مشروعة" " أي مجمل الأنشطة التي لا تتم تحت مظلة القانون وشفافيته".

ويفيد الدكتور نجمة أن" اقتصاد الظل في سوريا يضيع من 20إلى40 بالمائة من قيمة الناتج المحلي الغير مضاف إليه، ويعزو الفارق الكبير في النسبة إلى غياب أي مصدر رسمي أو غيره موثوق به قام بدراسته وتحديده" ورأى أنه من المؤشرات الكبيرة على وجوده هو "أن القطاع الخاص يشكل بأنشطته 60% من الناتج المحلي الإجمالي ولا يدفع من ضرائب الداخل سوى 15%، فإذا هناك أنشطة عديدة غير مصرح بها، تظهر من خلال التهرب الضريبي، وهناك كلام كبير عن التهريب والاستيراد المهرب، وهناك حجومات كبيرة من الرشاوي أو الكمسيونات من أجل الحصول على بعض العطاءات والمناقصات أو البيع بطريقة مباشرة عن طريق العقود بالتراضي مضيفا أنه يجب أن نفترض أن الأرقام الدولية بين 20ـ 40 % صحيحة ،رغم أن الفارق كبير بينها ".

ويرى الأكاديمي الاقتصادي أنه من "ملاحظة إجمالي متوسط دخل الفرد وهو 1000 دولار حسب تقديرات وأرقام المكتب المركزي إلا أنه" من المشاهدات العامة يجب أن يكون أعلى من ذلك حتى تتمتع سوريا بهذا المستوى المعاشي التي هي عليه أي أن هناك حيز كبير وحجم من الأنشطة الاقتصادية غير مقيّمة تقيما دقيقا والتي تتم في إطار اقتصاد الظل لأنه ليس في كل أنشطته غير مشروع وإنما غير قانوني".

في بحثه القيم والمطول عن واقع التهرّب(الضريبي والجمركي) والتهريب في سوريا المقدم في ندوة الثلاثاء الاقتصادية بتاريخ 13 آذار 2001 "قال الباحث الاقتصادي سمير سعيفان إن الدافع الرئيسي للتهرب هو تحقيق المزيد من المال ولكن بطرق غير مشروعة وكشف أن مبالغ التهرّب الضريبي لا تقل عن 50 مليار ليرة سورية "أكثر من مليار دولار" مؤكدا أن إجراءات الإصلاح الضريبي يمكنها أن تخفض مبالغ التهرّب إلى النصف خلال عدد قليل من السنوات وتؤمن مورد إضافي لا يقل عن 25 مليار ليرة سورية للخزينة العامة ولفت إلى أن وزارة المالية اعتبرت" أن مسألة تقدير حجم التهرّب الضريبي بالأرقام مهمة صعبة... إذا لم تكن مستحيلة".

وتطرق الباحث إلى أشكال التهرب واعتبر أن واحد من أكبر بنود التهرّب الضريبي في سوريا هو جميع وكلاء الشركات الأجنبية الذين لا يوثقون وكالاتهم أصولاً معيدا تقدير حجم المستوردات حتى (تاريخ إعداد دراسته) بنحو 185 مليار ليرة سورية واعتبر أنه إذا كان وسطي نسبة العمولة 4% فإن حجم التهرب من هذا البند لوحده يزيد عن 4 مليارات ليرة. ولفت إلى أن حجم الصناعة غير المرخصة في القطاع الخاص يعادل حجم المرخصة وأن أصحاب الأعمال في القطاع الخاص لا يسددون ضريبية دخل الأجور والرواتب عن معظم العاملين لديهم مع غياب رقابة الدوائر المالية و رقابة وزارة الشؤون الاجتماعية التي اعتبرها شكلية ويشوبها الكثير من الفساد " وأشار إلى أن مبالغ تهرب 5% من المتهربين الكبار ويصل عددهم ربما بضعة آلاف فقط على مستوى سوريا قد تساوي وتزيد عن مبالغ الـ 95% الباقية وتصل أعدادهم ربما لبضع مئات من الآلاف، وقال إن ضبط التهرّب الكبير يساعد في ضبط التهرّب الصغير إلا أن ذلك ورغم كونه أوفر إيراداً وأقل تكلفة، لكنه أكثر عناداً ومقاومة، وضبط" ونوه سعيفان إلى أن من أشكال التهرب الضريبي أيضا المدرسين الذين يقومون بإعطاء دروس خصوصية في البيوت وأعداهم بعشرات الآلاف إضافة إلى كل من يمارس نشاط يحقق له دخل دون أن يُعلِمْ عنه الدوائر المالية ولا يدفع أية ضرائب. أما في موضوع الرشوة فنوه الباحث سعيفان إلى أنه طبع من الإنترنت مسح لدول العالم حول دفع الرشاوي وقد وضعت درجات للدول بحسب انتشار دفع الرشاوى فيها، ونالت الدول المحيطة بنا علامات متدنية من أصل 10 كدليل على الانتشار ( إسرائيل 6.8، الأردن 4.4 تركيا 3.6 ، مصر 3.3 ) وكانت الدانمارك في مقدمة الدول التي تدفع أقل الرشاوي 10/10 بينما الكاميرون في نهايتها 1.5/10 أما سوريا فلم يذكرها التقرير أصلا ...

* عندما تغيب السوق الحقيقية تنبعث الأسواق السوداء:

وهناك نوع طريف من التهريب يشير إليه الباحث سعيفان وهو "ظاهرة شراء الوظيفة أو شراء الموقع حيث يدفع الموظف الذي سيشغل الوظيفة مبلغ مالي مقطوع ( فروغ) مضافاً له مبلغ شهري، ويرتفع الفروغ والمورد الشهري بارتفاع أهمية الوظيفة في تحصيل موارد فاسدة مضيفا إن "ظاهرة الشراء هذه تتكاثر في جهات أخرى، حتى كان آخر ما سمعته عن لسان أحد الزبالين بأن الزبال يشتري مكانه بالنقود" .

يشدد الأكاديمي الاقتصادي الدكتور الياس نجمة على أن:"اقتصاد الظل نمى في كل البلدان التي تفتقد للحرية بشكل عام ولا تقوم إلا على الاستبداد" ورغم أنه يؤكد وجوده في الدول الغربية ودول العالم لكنه يؤكد أيضا أنه موجود" في نطاق ضيق على صعيد الأنشطة المهنية للتهرب من الضرائب"العمل الأسود" وأعمال التهريب المتصلة بالأسلحة و المخدرات وأحيانا غسيل الأموال" ، أما في بلداننا يتابع الدكتور نجمة "فقد انتشر كالسرطان في الجسم الاقتصادي، عندما كان كل شيء ممنوع" لافتا إلى أنه "عندما نمنع استيراد حاجات أساسية و تغيب السوق الحقيقية تنبعث الأسواق السوداء" وعزا نجمة هذه الظاهرة إلى "حالة التخلف الاقتصادي العام في سوريا، ووجود طبقة بيروقراطية عقيمة تتمتع بضآلة لا نفاذ لها، عممت الجهل بالإدارة، والفساد بالمعاملات، وجعلت الدولة مؤسسة لنقل الثروة لها عملياً" وخلص إلى أنه " لم يكن لدينا اقتصاد اشتراكي، كان لدينا اقتصاد متخلف وفي جزء كبير منه ينخره الفساد".

يعود بنا الدكتور نجمة الذي يقسم اقتصاد الظل إلى "داخلي، وخارجي" إلى سنوات الستين من القرن المنصرم لافتا إلى أنه في ذلك الوقت كان اقتصاد الظل يتم في حدود ضيقة (الأغنام وقليل من الأسلحة، والمسائل البسيطة كالذهب) أما الآن فقد انتشر انتشارا كبيرا، ربما مع إزالة الحواجز الجمركية وإتفاق التجارة الحرة، قد يساعد على تخفيف الفروقات أو إزلتها ويتضاءل عدد كبير من التهريب".

ويؤكد الباحث الاقتصادي سعيفان في هذا المجال على أن التهريب أشد خطراً من التهرّب، فهو جرم اقتصادي، وله دلالات اقتصادية وأمنية إضافة لدلالته الأخلاقية، فالمهرب قابل لفعل أي شيء مهما كان خطراً على أمن المجتمع والدولة وقسم التهريب إلى ثلاثة أقسام:

* الأول ( التهريب عبر الحدود البرية مع الدول المجاورة لبنان أولاً، وخاصة عبر نهر الكبير الجنوبي ثم مع الأردن ومع تركيا ويتم بالاتفاق مع بعض العاملين في الجمارك تحت ما يعرف بـ (شراء الطريق) حيث يتم إفراغ طريق التهريب من أية دورية لعدد محدد من الساعات تمر خلالها السلع المهربة.

*الثاني (التهريب عبر الشواطئ البحرية حيث ينتشر العديد من أرصفة التهريب الصغيرة على طول الشواطئ السورية قادما من لبنان أو قبرص أو تركيا ".

ويشمل التهريب البري والبحري ، مختلف السلع ذات التعرفة المرتفعة أو غير المسموح باستيرادها كـ"الدخان، الكهربائيات، الألبسة ، الغذائيات" . وثالثها التهرب الجمركي عبر المراكز الجمركية الحدودية نفسها وهو ما سنشير إليه لاحقا.

ويقول سعيفان أن ظاهرة التهريب تزداد مع" استمرار الدولة في احتكار استيراد الدخان مع التقصير في تأمين كميات كافية لاستهلاك السوق المحلي" ووجود بطالة تدفع بالكثيرين لممارسة نشاطات فاسدة لتأمين لقمة عيشهم ووجود بعض من يقومون بحماية نشاط التهريب أو المشاركة فيه لتحقيق ثراء سريع وسهل.

* اقتصاد الظل بين سوريا ولبنان نموذجا:

الدكتور محمد راتب الشلاح رئيس مجلس الأعمال السوري اللبناني قال على هامش ندوة أقامها موقع حزب البعث الحاكم في سوريا على الانترنت حول مستقبل العلاقات السورية اللبنانية في 24/5/2005:" إن السنوات الخمسين من القرن الماضي بين العام 1950ـ1954 كانت فترة هامة جدا اقتصاديا وكانت الصادرات اللبنانية هي المصدر الرئيس وغير المعلن في اقتصاد البلدين حيث أن البضائع غير المسموح باستيرادها في سوريا تواجدت في سوريا على مدى 40 سنة وكانت تجارة ناجحة بينهما ونفى الشلاح ما قاله رئيس المجلس الأعلى السوري اللبناني نصري خوري من أن قطيعة حدثت بين البلدين في تلك الفترة ، وزاد على ذلك العلاقات كانت مميزة وإن حجم التبادل بينهما كان عظيم وقال إن الرئيس اللبناني كميل شمعون هو أول من نادى بضرورة قيام اتفاق جمركي وسوق مفتوحة بين البلدين"." لكن الدكتور الشلاح استدرك قائلا :"إن هذا الاقتصاد كان غير رسمي "تهريب"، فقلنا له إن أطرافا محددين هم من استفادوا. أجاب: وإذا كان كل الأشخاص على طول الحدود "شوبي صيروا" قلت له" ألم يضيع مليارات الليرات على النظامين " قال: النظامين لم يتخذا الحلول و اسألهم مضيفا :" أنا لم أقل جيدة ولا سيئة أقصد أنه لم يكن هناك قطيعة" قلنا هل هذه الأمور موجودة الآن قال طبعا لا وهناك قوانين جمركية واتفاقات موقعة بين البلدين.

طبعا الأكاديمي السوري الياس نجمة ودراسة الباحث سعيفان تدل على أن ذلك لا يزال قائما فالدكتور نجمة يقول إن "العلاقات السورية اللبنانية الاقتصادية تاريخيا تقوم على الاستيراد المشروع وغير المشروع لكثير من البضائع في القطر من لبنان" مضيفا أن لبنان شكّل مصدرا لتوريد البضائع بشكل غير مرئي إلى سوريا منذ خمسين عاما حتى الآن "

ويلفت نجمة إلى موضوع مهم تجاهل الكثير من الباحثين إدراجه في إطار اقتصاد الظل وهو العمالة السورية في لبنان "فمنذ 50 سنة وحتى الآن تعمل تلك العمالة بدون ضمانات اجتماعية وبأجور منخفضة جدا وقد ساهمت بنهوض لبنان الاقتصادي وإعماره بأقل التكاليف، وشكلت وفرا و اقتصادا سنويا لا يقل بنظري عن مليارين دولار ".

*الاتجاه الغالب باقتصاد الظل من لبنان إلى سوريا أنشأته شبكات مافيوية

تقديرات الدكتور نجمة أكدها رئيس المجلس السوري اللنباني الاعلى نصري خوري حيث لفت إلى أن العمالة السورية كانت توفر على لبنان سنويا 2 مليار دولار نتيجة رخصها الأمر الذي اعتبره رئيس مجلس الأعمال السوري اللبناني راتب الشلاح أحد إشكاليتين في العلاقات السورية اللبنانية لافتا إلى أن العمالة السورية في لبنان هي الإشكالية الأولى حيث تبلغ 500 ألف عامل يتقاضون دخلا متوسطا حوالي 300 دولار في حين أن العمالة اللبنانية في سوريا التي تتراوح بين 100ـ150 موظف لكن طبيعة العمالة اللبنانية مختلفة عن نظيرتها لبنان إذا أن سوريا اعتمدت على مدراء اتصالات ومضمنين خدمات مالية ويتقاضون عشرة أضعاف ما يتقاضاه العامل السوري في لبنان. وخلص إلى معادلة أن الـ 500 ألف عامل سوري تقاضوا نصف ما تقاضاه الـ 150 عامل لبنان.ورأى الشلاح أن المشكلة الثانية هي الزراعة حيث قيل أن اللبنانيين يشكون من الغزو السوري الزراعي إلى لبنان ويعلنون عن تصدير غير رسمي "تهريب" لهذه المنتجات موضحا أن ذلك أتى بسبب تغيير الوضع في لبنان حيث تحولت الأراضي الزراعية إلى سياحية ما ساهم برفع أسعارها بشكل كبير ونتيجة لذلك لم يستطع المنتج اللبناني منافسة السوري مشددا على أن ذلك جزء من التكامل بين البلدين" وقال الشلاح أن الصادرات السورية إلى لبنان تطورت ضعفين ونصف فقط بين عامي 1991ـ2003 في حين تطورت الصادرات اللبنانية إلى سوريا 11 ضعف حيث كانت 330 مليون ليرة سوريا وارتفعت إلى 5.30 مليار ليرة سورية العام 2003.

ورغم أن رئيس مجلس الأعمال السوري اللبناني يقول إن العلاقات الاقتصادية تخضع للعوامل السياسية التي تعيشها المنطقة، مضيفا أنه "عندما نتكلم عن العلاقات السورية اللبنانية نتكلم عن جوهرة غالية علينا جدا وأكبر من أن تقييم بأرقام" ،أكد الشلاح على أنه "في لبنان كان هناك اقتصاد تجاري حر وكانت مفتوحة أمام البضائع الأجنبية وكان كل توجه لبناني سوري لتوحيد النظم الاقتصادية بينهما يعني أن سوريا كانت تفتح المزيد من المجالات.

الأمر الذي رأى فيه الدكتور نجمة أن لبنان "استفاد تاريخيا من رؤوس الأموال المهاجرة من سوريا طلبا للأمان وطلبا للتوظيفات غير المعلنة عبر المصارف اللبنانية، كما قامت المصارف اللبنانية تاريخيا بكل العمليات المصرفية في تجارتنا الخارجية وخصوصا أن القطر لم يكن يمتلك المؤسسات المصرفية المسموح لها أن تقوم بذلك بما يتصل باقتصاد الظل فهي بدون شك محصورة في قضايا صرف النفوذ والتهريب وهو قد يكون باتجاهين لكن الاتجاه الغالب من لبنان إلى سوريا ومن خلال الشبكات المافيوية التي نشأت".

وقال إن "البعض يتكلم عن مصالح في قطاعات اقتصادية كبيرة سواء في سوريا أو لبنان يتعاون فيها شركاء لبنانيون وسوريون وتعمل خارج الأطر القانونية أو تستفيد من أوضاع خاصة لتحقيق أرباح كبيرة، الجانب اللبناني كان تاريخيا هو المستفيد سواء بتعاملاتنا المشروعة أو المخفية والآن في إطار الضجيج الإعلامي والسياسي يقال العكس مع الأسف.

فنحن لا يأتينا فقط التهريب من لبنان بل مستورداتنا أي ميزاننا التجاري خارج الفاتورة النفطية هو فائض لصالح لبنان وعاجز بالنسبة لسوريا وإذا لم يعد الآن فائض فإنه بسبب تصدير النفط والغاز السوري بشكل أرخص، علما بأننا لسنا بحاجة لبيعه لولا صلات القربة بهذا البلد الشقيق" ورأى الأكاديمي الاقتصادي تخفيف المشكلة يتمثل في تساوي الأسعار بين البلدين، وخلص إلى أن لبنان يمكن أن يشكل فعلا أحد المصادر الرئيسية والمحرضات لتضخم وتطور اقتصاد الظل في سوريا فالمناطق الحدودية تجري فيها استيراد وتصدير غير حكومية ".

ويرى الدكتور نجمة أن المنطقة بفعل الاضطراب السياسي والأمني والعسكري أصبحا من أكثر بلدان العالم مسرحا لاقتصاد الظل كما أن البترول وصفقاته وعملائه وسماسرته وزبائنه هو أيضا مصدر كبير لانتشار اقتصاد الظل في منطقتنا وتشجيع عمليات التبادل التجاري غير المرئية "التهريب".

* التهرب الجمركي عبر المراكز الرسمية

ويلفت الباحث الاقتصادي سمير سعيفان خلال دراسته المشار إليها إلى أن من أنواع التهريب ما يتم ليس عبر الحدود وإنما عبر المراكز الجمركية نفسها وخاصة المناطق الحرة وتستخدم هذه الطريقة خاصة لتهريب السلع ذات الكميات الكبيرة مثل الحديد والخشب والسكر والأرز وما شابهها، إضافة لمختلف أنواع السلع المتوفرة في المناطق الحرة، حيث تلعب مستودعات المناطق الحرة درواً بارزاً في التهريب، فالمناطق الحرة هنا أشبه بوضع المهربات على الباب.

مضيفا أنه فيما يخص" التهرب الجمركي فإن المستورد يقوم عادة بتخفيض أسعار السلع في فواتير الاستيراد بما يزيد عن 20-30 % من الأسعار الحقيقية، مما يضطره لأن يضع سعر مبيع لا يزيد كثيراً عن السعر المثبت في فواتير الاستيراد بينما سعر المبيع الحقيقي يزيد بنحو 10-30 % ، أي أن سعر المبيع الحقيقي يزيد بنحو 30-60 % من سعر فواتير الاستيراد مما يمكن ملاحظته بسهولة من قبل مراقب الدخل بل والتأكد منه.

وهنا يعقب الدكتور الياس نجمة أن " للسلطة حقوق سيادية كي تشرع ما تشاء ولكن يجب أن تعرف أن هذه الحقوق ليست مطلقة و أن تحتكم إلى الواقع" وأن منع سلعة ما عن الدخول" وقمع رغبات الإنسان حسب الحاجة إليها فإن كل ذلك لا يعني كبتها دائما وإنما يتم التعبير عنها بطرق أخرى" ويعتقد أن الطريقة الوحيدة لتضييق دائرة اقتصاد الظل هو جعل الأعمال مسموحة وتدخل في إطار المشروعية العامة أي تحرير المعاملات من القيود في العالم، في الأصل كل شيء مسموح ما عدا الذي تقوم السلطة بمنعه، ولدينا أصبح كل شيء ممنوع ما عدا الذي تسمح به السلطة" مضيفا أن هذه المعادلة هي التي شرعت ذلك، فالأصل كما يقول نجمة هو السماح والاستثناء المنع، وعندما تتحكم مزاجية المنع في عقول المسؤولين الاقتصاديين وغيرهم يتضخم اقتصاد الظل وعندما تعطى الصلاحيات المطلقة لبعض الجهات في تحديد سلوك الناس ينتشر الفساد والرشوة ".

* صناعة الدعارة:

ومن الأمور التي تفعل فعلها في اقتصاديات الظل في سوريا الأفعال والممارسات غير الأخلاقية وغير القانونية أو المشروعة مع العلم أنها من الأمور التي تندرج ضمن الأطر القانونية في أغلب بلاد العالم ولها ضرائب تفرض عليها وهي الدعارة التي بدأت تتضخم كثيرا في الآونة الأخيرة بإضطراد مع زيادة الانفتاح السياحي لسوريا حيث وصل عدد السياح بحسب إحصائيات وزارة السياحية إلى 7 ملايين سائح، ولا يخفى على أحد أن "صناعة الدعارة" من العناصر الجاذبة للسياح العرب والأجانب ولها بيوتها التي بدأت كما يشير الكثيرون بتهديد الأمن الاجتماعي والأمن الأخلاقي مضيفين أن الكثير من الأحياء الراقية وحتى مناطق السكن العشوائي تتفشى فيها هذه الظاهرة الغير منظمة ويقال أن عدد البيوت اليوم في دمشق تتراوح بين 35 و70 ألف منزل للدعارة ويعمل فيها فتيات من جنسيات مختلفة في العالم".

الدكتور الياس نجمة يرى أن " الأنشطة غير الأخلاقية أو أنشطة الرقيق الأبيض التي لا ينظمها القانون تتم في إطار اقتصاد الظل" ويشير إلى أن" الذي يشجع على اتساع دائرته هي أنه عندما تتسع دائرة الممنوعات بالبلد وتضيق دائرة المسوح به يصبح عدد كبير من الأنشطة التي كان من الممكن أن تكون شرعية غير شرعية، ولكن يبقى دائما الأنشطة غير الشرعية وغير القانونية المتمثلة بالرشاوي وصرف النفوذ والمساعي و التهريب على اختلاف أشكاله بالإضافة للقضايا التي تمثل جرما كبير (الأسلحة والمخدرات) ويميز في هذا الإطار بين المساعي التي يعرفها بأنها "المعاملة القانونية التي يدفع لتسييرها "، والرشوة وهي الدفع لتمرير المعاملات غير القانونية ، ويلفت الدكتور نجمة إلى أنه "في جميع الاقتصاديات وخصوصا المماثلة لاقتصادنا يجب أن نلاحظ أن كثير من أنشطة اقتصاد الظل يقوم بها المتعاملين معها في قطاعات عديدة تهربا من الضرائب خصوصا، كما أن بعض أنشطة اقتصاد الظل تعود للتهرب من أنظمة الضمان الاجتماعي عندما لا يصرح عن العمال بالمنشأة ويعطى لهم رواتبهم" .

ما يميز اقتصاد الظل في سوريا عدا عن أنه " محمي " عبر مافيات يندرج فيها مسؤولون عبر سلسلة متصلة في أغلب الأحوال تبدأ بأصغر موظف ، هو أنه أصبح له قواعده وقوانينه العلنية غير المدرجة على الأجندة الحكومية السورية ، ضاربا عرض الحائط بكل القوانين التي تنتهك "عذرية الوطن" كما أنه يجري على مرأى ومسمع كل المعنيين .حتى أن صحيفة الوطن القطرية أوردت بتاريخ 10/5/2005 خبرا مفاده أن السلطات السورية ألغت عقوبة السجن عن مرتكبي ومخالفي التهريب في الجمارك ونقلت عن عمر باسل صنوفة مدير عام الجمارك السورية أن مرسوم جرم التهريب حدد العقوبة بالغرامات المالية بعيدا عن التوقيف إلا في بعض الحالات النادرة مثل تهريب الأسلحة والمتفجرات والاشتباك المسلح واعتبر أن هذا القرار يشكل نقلة نوعية مهمة جدا في تحديث القوانين بشكل يجاري الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده سوريا، وأضاف في تصريح خاص انه لابد من التفريق بين جرائم تهريب الأسلحة والمخدرات والمتفجرات أو جرائم التهريب المقترن باستخدام السلاح وبين جرائم التهريب العادية المتمثلة بقيام بعض التجار باقتناء سلع ومواد وبيعها في الأسواق وتكون مخالفة للقوانين الاقتصادية وان يتم تسوية هذه القضايا بمجرد ان يقوم مرتكبوها بدفع الغرامات المالية المترتبة عليها وبالتالي محاكمة الفاعلين طلقاء وخارج قضبان السجن ومن دون أي توقيف‚ نافيا ان يكون صدور المرسوم مشجعا للتهريب انما هو تحفيز للمهرب لكي يسدد الغرامات والرسوم المالية المترتبة عليه وبالتالي يقرر التراجع من جانبه أصدر وزير الاقتصاد السوري د. عامر حسني لطفي قرارا أمس يقضي بالسماح للمخالف بعد تنظيم الضبط التمويني واستلامه نسخة منه ان يقوم بدفع مبلغ الغرامة المعاقب بها على فعلته المحددة.

وهناك الكثير من النشاطات الاقتصادية تندرج في إطار اقتصادات الظل منها سوق الدولار الغير بعيدا عن هذا الإطار فالتلاعب بأسعار الدولار و"اقتناص الفرص" الذي حذر منه حاكم مصرف سوريا المركز له دور في تنمية اقتصاد الظل فعدم وضوح القرارات أسعار الدولار المختلفة كلها لها دور خطير ويأمل مراقبون أن يكون قرار تمويل المستوردات وغيره من القرارات التي صدرت والتي ستصدر عاملاً مساعداً في إعادة الدولار إلى سعره الطبيعي وان يوقف الألاعيب التي يمارسها تجار العملة وبعض التجار الآخرين في إشاعة ظروف نفسية أثرت في تذبذب سعر الليرة ودون أن نغفل الظروف الموضوعية لهذا الارتفاع.



جورج كدرـ سيريا نيوز

2005-06-05