*مألوفة*
كان حسب (( عائشة )) أن تكون بنت الصحابي الصديق ، ليفتح لها المصطفى من الدنيا ه موصد الأبواب ..
لكنها كانت الى جانب هذه النبوة ذات لطف آسر وصبا غض نضير ....
وقد ولدت بمكة في الإسلام ، بعد أربعة سنين أو خمس من البعث ،فلم يكفها أن تكون مسلمة بالبنوة لأب مسلم ، بل أسلمت قبل أن تشب عن طوق هى وأختها أسماء ، وكان المسلمون اذ ذاك قلة معدودة .
عرفها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، منذ طفولتها الباكرة ، وأنزلها من نفسه أعز ما تنزل ابنة غالية وشاهدها تنمو بين عينيه و يتفتح صباها عن ملاحة أخاذة بديهة حاضرة مع فصاحة اللسان وشجاعة في القلب اذ كان الذي تولى حضانتها جماعة من بني مخزوم وبلغ من اعزاز الرسول لها أن كان بعد خطبتها إياها ، يوصي بها أمها قائلا : (( يا أم رومان استوصي بعائشة خيرا وحفظيني فيها ؟ )) .
فاذا رأها يوما غاضبة وقف في صفها وقال لامها في عتاب رقيق :
(( يا أم رومان ألم أوصك بعائشة أن تحفظيني فيها ؟ )) .
ولم تدهش مكة حين أعلن نبأ المصاهرة بين أعز صاحبين و أوفى صديقين ، بل استقبلته كما تستقبل امرا طبيعيا مألوفا و متوقعا بل لم يدر بخلد واحد من أعداء المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) ، أيتخذ من زواجه من عائشة مطعنا للتجريح و الإتهام وهم الذين لم يتركوا سبيلا للطعن عليه الا سلكوه ولو كان بهتانا وزورا
وماذا كان عساهم أن يقولوا ؟؟؟؟
هل ينكرون أن تخطبة صبية كعائشة لم تتجاوز السابعة من عمرها على أبعد تقدير ؟؟؟؟؟؟؟
*الهجرة*
لم يرضة محمد (صلى الله عليه وسلم ) أن ينتزع الصبية الطيفة المرحة من ملاهي حداثتها أو يثقل كاهلها الغض باعباء الزوجية ومسؤلياتها بل تركها حيث هي في بيت أبيها تمرح مع صواحبها و أترابها خالية البال و كان كل حظه منها أن تسرع إليه كلما مر بيت ( أبي بكر ) فتكاد تنسيه بلطفها و إيناسها ، المشاغل الجسام التي تنتظره لدا الباب و تزيل عنه تلك الوحشة المضنية يستشعرها كلما أوى ألى منزله محيدا غريبا ..
و ان كان في عصمته سودا بنت زمعة تتفانا في خدمته وتقوم على شؤن داره و بناته .
وطاب له أن يسعى الى بيت صاحبه (أبي بكر) كلما أشتدت عليه و طأة الشعور بالوحدة و الغربة ليلاطف خطيبته الصغيرة و يغرق اشجانه في فيض من دعابتها الذكية و مرحها الفياض .
و طاب لعائشة أن ترى رسول الله بكل عظمته وجلاله م مهبته و وفره ليرتاح إليها ويأنس الى صحبتها ويجد في عالمها ما يجذبه أليه ، حيث يشاركها لهوها في بساطة حلوة و ألفة حبيبة .
وذات يوم خرج المسلمون عن مكة الى المدينة مهاجرين ، فلم يتخلف مع الرسول إلا من حبس أو فتن غير أبي بكر و علي بن أبي طالب ، علت شمس الضحى وكانت عائشة في فناء الدار تلهو و تمرح و فجأ ة احست خطوط تدنو من الباب وقد عرفت فيها خطوات زوجها العزيز . و بادرت الى الباب تفتحة مرحبة فما لمح ( أبوأبكر ) شخص الرسول حتى وثب من مهجعه وهو يقول : ( ما جاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم - هذه الساعة إلا لامر حدث، و تكلم الرسو ل فقال لصاحبه : قد أذن لي في الخروج و الهجرة فهتف الصديق : الصحبة يا رسول الله ..الصحبة
وأذن الله لرسوله في الهجرة واختار أبا بكر له صاحبا .
و أحست عائشة ضيقا وقلقا من الفراق الوشيك و بدأ التأهب لرحيل عاجل وبقيت عائشة في الدر وحيدة قلقة أما أخوها عبد الله فانطلق الى مجتمع البلدة يتسمع مايقول الناس .. أما أختها أسماء فشغلت بتدبير طعام تحمله خفية الى الغار اذا جنة المساء
كانت عائشة على صغر سنها نامية ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب والذي يسبب لهن الهرم في أواخر السنين التي تعقب العشرين
الهجرة(2)
و سمعت عائشة أن المشركين قد أحسوا خروج الرسول و جعلوا مائتة ناقة لمن يرده عليهم . وكادت نفسها تطير شعاعا لولا ان عصمها من اليئس إيمانها بان الله مع رسوله، و كانت مشغلة عائشة طوال النهلا أن تعد الدقائق وهي تمضي في بطء كأنها أعوام ، مرهفة سمعها نبأ جديد فاذا ولى النهار وستعدت أختها( اسماء ) الى رحلتها المسائية حملتها( عائشة ) تحياتها ودعواتها للراحلين العزيزين .
وتعود ( اسماء ) فتشرئب أليها عائشة في لهفة و تجلس أليها لتسمع منها ما رأت من حال المهاجرين الغاليين زوجها و أبيها .
و تحدثها أسماء عن مشقة الأقامة في الغار و عن حزن أبي بكر حين رأى الرسولة في ضيق الغار مع فرقة الاهل ووحشة الغربة فقال: ((ان قتلت فانما أنا رجل واحد وان قتلت أنت هلكت الامة )) . فيذهب الرسول عنه الخوف بقوله : (( لا تحزن إن الله معنا )) ..
و تظل عائشة تستعيد حديث أختها المرة بعد المرة حتى ينال منها الجهد والسهد فتنام ، وتحوم روحها حول الغار القريب مأوى أعز من لها في الوجود .
ومر اليوم الثاني وتقص عليها أسماء كيف أن المطاردين بلغو الغار لولا أن صدهم عنه نسيج من عنكبوت و حمامتان وحشيتان وقتعتا عليه .
فلما كانت الليلة الثالثة وقفت عائشة قلقة ترصد الطريق تذهب بها الظنون و الهواجس كل مذهب حتى أقبلت سماء ممزقة النطاق فعجلت و أخبته بنبأ خروجهما سالمين من الغار ، وسردت لهاما حدث في هذا اليوم .
و مضة أيام وليالي تحدث فيها كفار مكة عن الطاردة العنيفة وراء المهاجر شبه الاعزل .
ونجا الرسول وصاحبه وبدأ عهدا جديدا مباركا و مجدا خالدا على الدهر في يثرب .
وعرفت عائشة مكان الحبيب .
*العروس*
لم تمضي إلا أيام ‘لا أن بعث ( أبا بكر ) رسالة الى أبنه عبدالله يطب منه ان يلحق به مصطحبا زوجه أم رومان و ابنتيه ( أسماء ) و ( عائشة ) .
وتهيء الجميع للسفر و ما تكاد الدنيا تسع (عائشة ) من فرحتها و أبتهاجها وقد أمضت الأيام الاولى للسفر مرحة تتوثب فلما كانوا ببعض الطريق نفر بعيرها و أسرع عبدالله بن أبي بكر ، و طلحة بن عبيد الله ، و زيد بن حارثة فردوا البعير النافر .
وفي المدينةكان المصطفى يهيأ مقاما لعائشة . وبعد الهجرة بأشهر معدودات واطمئنان المسلمين لمقامهم الأمن في يثرب تم الزواج الذي عقده بمكة منذ ثلاث سنين.
وتصف عائشة يوم عرسها فتقول : (( جاء رسول الله بيتنا فاجتمع إليه رجال من الأنصار و نساء ، فجاءتني أمي وأنا في أرجوحة فأنزلتني ثم سوت شعري و مسحت وجهي بشيء من الماء ثم أقبلت تقودني حتى إذا كنت عند الباب وقفت بي حتى ذهب بعض نفسي ثم أدخلتني و رسول الله جالس على سرير في بيتنا فاجلستني في حجره وقالت : هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك .
ووثب القوم والنساء فخرجوا ما نحرت علي من جزور ولا ذبحت من شاه و أنا يومئذ ابنت تسع سنين .
حتى أرسل إلينا بجفن و كذلك فدح من لبن شربمنه المصطفى ثم قدمه الى عروسه فشربت منه على إستحياء .
كانت عائشة عروس حلوة ، خفيفت ، الجسم ذات عينين ، واسعتين ، و شعر جعد ، و وجه مشرق .
كان بيتها حجرة حول المسجد من اللبن و سعف النخيل ، وضغ فيه فراش من أدم حشوه ليف ليس بينه مبين الارض الا الحصير وعلى فتحة الباب أسدل ستار من الشعر .