أخى الفاضل الحبيب ... جزاك الله خيرا ...
كم وقعنا فى هذا الذنب العظيم الكبير ... وكم تساهلنا فيه ... وكم جرت ألسنتا ولهجت به بكثرة ... ونحن غافلون عن عقوبته وعن مدى سوئه ... وهو كبيرة من الكبائر ...
اخوانى فلتحذروا ... ولنتعظ ولتعتبر ... ولنتذكر اذا ذكرنا بالحق ... خاصة من أخ عزيز حبيب كأخينا ... البـــرازيــلى ...
اخوانى فلنقرأ القرآن ولنتدبره ولنعمل به منهاجا فى حياتنا ... أولم نستمع لقوله تعالى { ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم ) الحجرات الآية 12 ... لم لا نأتمر بأمر الله عز وجل ... لم لا ننتهى عما نهى الله عنه ...
يقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
أما الغيبة فهي ذكر الإنسان الغائب بما يكره أن يذكر فيه من عمل أو صفة فإن كثيراً من الناس صار همه في المجالس أن يأكل لحم فلان وفلان، فلان فيه كذا وفيه كذا ومع ذلك لو فتشت لرأيته هو أكثر الناس عيباً وأسوأهم خلقاً وأضعفهم أمانة وإن مثل هذا الرجل يكون مشؤوماً على نفسه ومشؤوماً على جلسائه لأن جلساءه إذا لم ينكروا عليه صاروا شركاء له في الإثم وإن لم يقولوا شيئاً ...
أيها المسلمون لقد صور الله الإنسان الذي يغتاب إخوانه المسلمين بأبشع صورة مُثلت بمن يأكل لحم أخيه ميتاً ويكفي قبحاً أن يجلس الإنسان على جيفة أخيه يقطع من لحمه ويأكل ...
أيها المسلمون إن الواجب عليكم إذا سمعتم من يغتاب إخوانه المسلمين أن تمنعوه وتذبوا عن أعراض إخوانكم ألستم لو رأيتم أحداً قائماً على جنازة رجل من المسلمين يأكل لحمه، ألستم تقومون عليه جميعاً وتنكرون عليه. إن الغيبة كذلك تماماً كما قال الله تعالى:
ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه
[الحجرات:12]،
ولا يبعد أن يعاقب من يغتاب إخوانه يوم القيامة فيقربون إليه بصورة أموات ويرغم على الأكل منهم كما روي في ذلك ...
عن النبي
... ولقد مر النبي
ليلة المعراج بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقال: { من هؤلاء يا جبريل؟ } قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم، وقال عليهم الصلاة والسلام: { يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته يفضحه في بيته } ...اهـ ...
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلاً، فقالوا : لا يأكل حتى يطعم، ولا يرحل حتى يُرحل له، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : { اغتبتموه } فقالوا : يا رسول الله، حدثنا بما فيه، قال: { حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه }
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً اعترف بالزنا أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع مرات، فأقام عليه الحد، فسمع الرسول صلى الله عليه و سلم رجلين من الأنصار يقول أحدهما لصاحبه : انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم يدع نفسه حتى رُجم رجم الكلب، قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم . ثم سار ساعة فمرَّ بجيفة حمار شائل برجله - أي قد انتفخ بطنه - فقال عليه الصلاة والسلام: { أين فلان وفلان؟ } فقالا: ها نحن يا رسول الله، فقال لهما : { كُلا من جيفة هذا الحمار } فقالا : يا رسول الله، غفر الله لك، مَنْ يأكل من هذا؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: { فما نلتما من أخيكما آنفاً أشد من أكل هذه الجيفة، فوا الذي نفسي بيده، إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها } [ رواه أحمد وصححه الألباني ] .
وروى أنس رضي الله عنه قال : كانت العرب يخدم بعضها بعضاً في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما رجل يخدمهما، فاستيقظا مرة ولم يهيئ لهما طعاماً، فقال أحدهما لصاحبه : إن هذا ليوائم نوم بيتكم فأيقظاه، فقالا: ائت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقل : إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام وهما يستأدمانك، فذهب وأخبر الرسول صلى الله عليه و سلم ، فقال الرسول صلى الله عليه و سلم : { قد ائتدما } فجاء الغلام وأخبرهما، ففزعا وجاءا إلى رسول الله فقالا : يا رسول الله، بعثنا إليك نستأدمك فقلت: قد ائتدمتما، بأي شيء ائتدمنا . قال عليه الصلاة والسلام : { بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما } قالا : استغفر لنا يا رسول الله، قال : { بل هو يستغفر لكما }
فانظر أخي الكريم ما هي الكلمة التي قالاه ، كلمة واحدة . قالا : إن هذا ليوائم نوم بيتكم، أي إن هذا النوم يشبه نوم البيت لا نوم السفر، عاتبوه بكثرة النوم فقط فعاتبهما رسول الله .
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله:
( وصيتي لكل مسلم تقوى الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال وأن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه وذلك كثير بين الناس،
قال الله سبحانه وتعالى:
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
[ق:18]، وقال تعالى:
ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا
[الإسراء:36]، وقال
في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت } ).
إن كثيراً من الناس يهولون أمر الربا ويستعظمون أمره - وهو كذلك – ويتساهلون بما هو أعظم منه وهي الغيبة.قال رسول الله : { إن أربى الربا استطالة المسلم عرض أخيه المسلم }
قال عنها ابن حجر الهيثمي : { إن فيها أعظم العذاب وأشد النكال، وقد صح فيها أنها أربى الربا، وأنها لو مزجت في ماء البحر لأنتنته وغيَّرت ريحه، وأن أهلها يأكلون الجيف في النار، وأن لهم رائحة منتنة فيها، وأنهم يعذبون في قبورهم . وبعض هذه كافية في كون الغيبة من الكبائر } .
يقول ابن تيمية رحمه الله في بواعث الغيبة :
(1) إن الإنسان قد يغتاب موافقة لجلسائه وأصحابه مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم لقطع المجلس واستثقله أهل المجلس .
(2) ومنهم من يخرج الغيبة في قالب ديانة وصلاح ويقول : ليس لي عادة أن أذكر أحداً إلا بخير، ولا أحب الغيبة والكذب، وإنما أخبركم بأحواله، والله إنه مسكين، ورجل جيد، ولكن فيه كذا وكذا، وربما يقول : دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وقصده من ذلك استنقاصه .
(3) ومنهم من يخرج الغيبة في قالب سخرية ولعب ليضحك غيره بمحاكاته واستصغاره المستهزأ به .
(4) ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تعجب فيقول : تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت، ومن فلان كيف فعل كيت وكيت .
(5) ومنهم من يخرج الغيبة في قالب الاغتمام، فيقول: مسكين فلان غمَّني ما جرى له وما تم له، فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف، وقلبه منطوٍ على التشفي به .
(6) ومنه من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر وقصده غير ما أظهر .
اخوانى ... لا يظن أحدكم أن الغيبة فقط هى تلفظك بكلام الغيبة ... ولكن أيضا من جلس مجلسا وسمع أحدا يغتاب آخرا ولم ينكر عليه ويرده ولم يقم من هذا المجلس فهو مشارك فى الاثم ...
قال تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) ...
آه آه ... مصيبتنا أننا لا ندرى أننا نشاركهم فى اثمهم ... نعم نشاركهم ... لا تقل لى أنكر بقلبى .. كلا ... من شروط الانكار بالقلب أن تغادر المكان ...
ثم قبل كل ذلك اخوانى ... قال تعالى ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه ) ... وقال تعالى ( وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ... وقال تعالى ( ألم يعلم بأن الله يرى) ... آه اخوانى ... أنرضى الناس بسخط الله !!! ... أنخشى الناس ونأمن مكر الله وعقابه !!! ...
قال صلى الله عليه وسلم (من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عليه الناس) ...
اخوانى ... حتى متى نرضى بهذا الهوان والذل والتهاون فى حق الله ... حتى متى نحمل أوزارنا وأوزار من نضلهم بغير علم ولا هدى ... حتى متى ... حتى متى ...
إن بعض الناس قد يغتاب شخصاً فإذا قيل له : اتق الله ولا تتكلم في أعراض المسلمين . أجاب بقوله : أنا مستعد أن أقول ذلك أمامه، أو أن فلاناً لا يغضب مما أقول . فما يدريك يا أخي أنه لا يغضب، فلعله يجامل عندك ولكن في قرارة نفسه يتألم كثيراً من ذلك القول ويكرهه .
أخي الحبيب إن حديثك تنساه بمجرد إطلاق الكلمة وانتهاء المجلس، ولكنه محص عليك، وأنت موقوف يوم القيامة حتى يقتص منك، فيؤخذ لمن اغتبتهم من حسناتك، فإن فنيت حسناتك، أُخذ من سيئاتهم فحطَّت عليك!!. وما أشدها من مصيبة أن تفجع في ذلك اليوم العظيم بمثل هذا وأنت أحوج ما تكون للحسنة الواحدة .
وكما أنك أيضاً لا تقبل أن يكون عرضك حديث المجالس فكذلك الناس لا يقبلون ذلك لأنفسهم، فطهر لسانك وطهر مجلسك من الغيبة، ولا تسمح لأي شخص أن يغتاب أحداً عندك في مجلسك، ولو تكلم أحد فأسكته وبيّن له حرمة ذلك، ودافع عن أعراض إخوانك المسلمين إذا اغتابهم أحد عندك، فإن في ذلك أجرًا عظيماً ...
كما قال صلى الله عليه و سلم : ( من ردَّ عن عرض أخيه المسلم كان حقّاً على الله عز وجل أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ) [ رواه أحمد والترمذي ] .
واعلم أخي الكريم أن المغتاب لو لم يجد أذناً صاغية لما اغتاب واسترسل في الحديث، فأنت باستماعك الحديث وعدم إنكارك عليه تكون مشجعاً على المعصية، وإذا لم تنكر عليه ولم تترك المجلس إذا لم يرتدع وينتهي عن الغيبة فإنك تكون شريكاً في الإثم .
وأخيراً : فإن الغيبة كما تبين آنفاً أمرها خطير والاحتراز منها صعب جدًّا إلا لمن وفقه الله وأعانه على ذلك، وجاهد نفسه في الاحتراز منها .
لذا فينبغي على المسلم أن يجاهد نفسه على تجنبها والابتعاد عنها، وليحاول أيضاً أن يعفو ويصفح عن كل من اغتابه وتكلم فيه، فإن في ذلك أجراً عظيماً، قال تعالى : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ َلا يُحِب ُّالظَّالِمِينَ ) [ الشورى: 40 ] .
ولعل ذلك أيضاً يكون سبباً في أن يسخر الله له قلبَ كل من اغتابه هو فيعفو عنه ويسامحه جزاء ما فعل هو مع غيره، ولن يخسر الإنسان شيئاً إذا عفى وسامح، بل إنه سيتضاعف له الأجر بهذا العفو، ولقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم ذلك فسارعوا إلى اغتنام مثل هذه الأجور فعفوا وسامحوا وصفت قلوبهم، ومن ذلك ...
ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه حث يوماً على الصدقة، فقام علبة بن زيد، فقال : ما عندي إلا عرضي فإني أشهدك يا رسول الله أني تصدقت بعرضي على من ظلمني، ثم جلس، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك : { أين عُلبة بن زيد؟ } قالها مرتين أو ثلاثاً. فقام علبة، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : { أنت المتصدق بعرضك قد قبل الله منك }
ويقول ابن القيم في مدارج السالكين : والجود عشر مراتب، ثم ذكرها فقال : والسابعة الجود بالعرض، كجود أبي ضمضم من الصحابة، كان إذا أصبح قال : اللهم لا مال لي أتصدق به على الناس، وقد تصدقت عليهم بعرضي، فمن شتمني أو قذفني فهو في حل! فقال النبي صلى الله عليه و سلم : { من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم }
فلنحرص كل الحرص على أن نكون كأبي ضمضم ونتأسى به ونحذوا حذوه فنعفوا ونسامح كل من ظلمنا أو اغتابنا، لعل الله أن يعفو عنا ويسامحنا، وليكن ذلك من هذه اللحظة قبل أن تضعف النفس ويثقل عليها الأمر فيما بعد.
أخى الحبيب ... أعتذر بشدة لمداخلتى ... ويعلم الله أننى ما أردت انتقاص قدر موضوعك ... ولكن أحببت توضيح بعض النقاط وذلك لأهمية الموضوع وحاجتنا الماسة الملحة له ...
أخى الحبيب ... جزاك الله خيرا على تذكيرنا بهذا الموضوع الهام جدا ... جعله الله فى ميزان حسناتك ونفع به الجميع ...
اللهم اغفر لعبدك هذا وارحمه وتب عليه واعف عنه وارض عنه وارزقه محبتك واقذف فى قلبه الايمان واليقين وحبب اليه الايمان وزينه فى قلبه وكره اليه الكفر والفسوق والعصيان واجعله من الراشدين ... الللهم ألهمه رشده وقه شر نفسه واحفظه من كل مكروه وسوء ... اللهم أدخله فردوسك الأعلى من الجنة وأجره من النار ... اللهم آمين ...
لا تنسانى من صالح دعائك بظهر الغيب ...
وجزاك الله خيرا ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أخوك المحب لك فى الله ...