*المسألة الثانية:
هل من أدرك الركوع يعتد بتلك الركعة أم لا؟؟:
قال حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار شرح الموطإ : قال جمهور الفقهاء من أدرك الإمام راكعا فكبر وركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة , ومن لم يدرك ذلك فقد فاتته الركعة , ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة أي لا يعتد بها . هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق , وروى ذلك عن علي وابن مسعود وزيد وابن عمر , وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في التمهيد . انتهى كلامه .
وقد عرفنا فى المسألة السابقة وجوب الفاتحة على كل إمام ومأموم في كل ركعة وعرفنا أن تلك الأدلة السابقة صالحة للاحتجاج بها على أن قراءة الفاتحة من شروط صحة الصلاة...
قال الشوكانى فى النيل: باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه:
ومن ههنا يتبين لك ضعف ما ذهب إليه الجمهور أن من أدرك الإمام راكعاً دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئاً من القراءة واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة: (من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة في صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى) رواه الدارقطني من طريق ياسين بن معاذ وهو متروك.
وأخرجه الدارقطني بلفظ: (إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى) ولكنه رواه من طريق سليمان بن داود الحراني ومن طريق صالح بن أبي الأخضر وسليمان متروك وصالح ضعيف.أ.هـ
واستدلوا أيضا بحديث أبي هريرة: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة). أخرجاه.
وبحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ".
[د...ك...الصلاة...وفى صحيح الجامع برقم:468].
وقد ظن البعض أن لفظ الركعة هنا هو الركوع كما قال به بعضهم ونقله الشوكانى ولكنه أنكره فى موضع أخر حيث قال فى باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه.... لأن الركعة حقيقة لجميعها وإطلاقها على الركوع وما بعده مجاز لا يصار إليه إلا لقرينة كما وقع عند مسلم من حديث البراء بلفظ: (فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته) فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع.أ.هـ..(وهذا يعنى أن الركعة هنا هى الصلاة ولاتدل على الركوع الا بقرينة).
*قال في فتح الباري في معنى حديث أبى هريرة الأول:
وفي الحديث أن من دخل في الصلاة فصلى ركعة وخرج الوقت كان مدركا لجميعها , وتكون كلها أداء , وهو الصحيح . انتهى......وقال التيمي : معناه من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة . وقيل : المراد بالصلاة الجمعة , قال الطيبي : ومذهب مالك أنه لا يحصل فضيلة الجماعة إلا بإدراك ركعة تامة , سواء في الجمعة وغيرها . كذا في المرقاة .
و قوله : ( فقد أدرك الصلاة ) فيه إضمار تقديره : فقد أدرك وقت الصلاة , أو حكم الصلاة , أو نحو ذلك , ويلزمه إتمام بقيتها.أ.هـ (فتح البارى...ك...مواقيت الصلاة باب من أدرك من الصلاة ركعة).
وقد جاء الكلام بين فى عون المعبود شرح سنن أبى داود حيث قال:
فى رواية مسلم من حديث البراء بلفظ: (فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته) فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع , وهاهنا (فى حديث أبى هريرة) ليست قرينة تصرف عن حقيقة الركعة , فليس فيه دليل على أن مدرك الإمام راكعا مدرك لتلك الركعة . واعلم أنه ذهب الجمهور من الأئمة إلى أن من أدرك الإمام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراءة , وذهب جماعة إلى أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة وهو قول أبي هريرة وحكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين ورجحه المقبلي قال : وقد بحثت هذه المسألة وأحطتها في جميع بحثي فقها وحديثا فلم أحصل منها على غير ما ذكرت يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط .
وقال أيضا: واستدل الجمهور(القائلون بالإعتداد بالركعة بإدراك الركوع) بحديث أبي بكرة حيث صلى خلف الصف مخافة أن تفوته الركعة فقال صلى الله عليه وسلم " زادك الله حرصا ولا تعد " ولم يأمر بإعادة الركعة . قال الشوكاني في النيل : ليس فيه ما يدل على ما ذهبوا إليه , لأنه كما لم يأمره بالإعادة لم ينقل إلينا أنه اعتد بها , والدعاء له بالحرص لا يستلزم الاعتداد بها لأن الكون مع الإمام مأمور به سواء كان الشيء الذي يدركه المؤتم معتدا به أم لا كما في الحديث " إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا " على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أبا بكرة عن العود إلى ذلك , والاحتجاج بشيء قد نهي عنه لا يصح . (عون المعبود ...ك...الصلاة باب فى الرجل يدرك الإمام كيف يصنع).
*واستدل القائلون بعدم الإعتداد بالركعة التى لم يقرأ فيها الفاتحة بأدلة كثيرة:
منها ما سبق مما يدل على شرطية قراءة الفاتحة فى كل ركعة للإمام والمأموم... واستدلوا أيضا بحديث : " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " أخرجه الشيخان بأنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمام ما فاته , ومن أدرك الإمام راكعا فإن القيام والقراءة فيه وهما فرضان فلا بد له من إتمامهما , وبما روى عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : " من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه وليُعد الركعة " وقد رواه البخاري في القراءة خلف الإمام من حديث أبي هريرة أنه قال " إن أدركت القوم ركوعا لم تعتد بتلك الركعة.... قال الحافظ : وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفا.... ورجح الإمام أو عبد الله البخاري رحمه الله تعالى مذهب من يقول بعدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط , وحقق هذه المسألة في كتابه جزء القراءة ما ملخصه قال البخاري : وتواتر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا صلاة إلا بقراءة أم القرآن "..... وأما حديث " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " فهذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز وأهل العراق لإرساله وانقطاعه رواه ابن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروى الحسن بن صالح عن جابر عن أبي الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم , ولا يدري أسمع جابر من أبي الزبير . وذكر عن عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو " صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فقرأ رجل خلفه , فقال : لا يقرأن أحدكم والإمام يقرأ إلا بأم القرآن " فلو ثبت الخبران كلاهما لكان هذا مستثنى من الأول لقوله : لا يقرأن إلا بأم الكتاب . وقال أبو هريرة وعائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " .......وقال أبو هريرة : لا يجزيه حتى يدرك الإمام . وقال أبو سعيد وعائشة " لا يركع أحدكم حتى يقرأ بأم القرآن "...... قال البخاري : وقال عدة من أهل العلم إن كل مأموم يقضي فرض نفسه , والقيام والقراءة والركوع والسجود عندهم فرض فلا يسقط الركوع والسجود عن المأموم , وكذلك القراءة فرض فلا يزول فرض عن أحد إلا بكتاب أو سنة . وقال أبو قتادة وأنس وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أتيتم الصلاة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " فمن فاته فرض القراءة والقيام فعليه إتمامه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ......وعن أبي هريرة قال " لا يجزئك إلا أن تدرك الإمام قائما " وفي لفظ له قال " إذا أدركت القوم ركوعا لم تعتد بتلك الركعة , وفي لفظه له " لا يجزئك إلا أن تدرك الإمام قائما قبل أن يركع " وأخرج من طريق عبد الرحمن بن هرمز قال قال أبو سعيد " لا يركع أحدكم حتى يقرأ بأم القرآن " قال البخاري : وكانت عائشة تقول ذلك ...... والقيام فرض في الكتاب والسنة . قال الله تعالى { وقوموا لله قانتين } وقال { إذا قمتم إلى الصلاة } وقال النبي صلى الله عليه وسلم " صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا " ..... ثم قال البخاري : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة " ولم يقل من أدرك الركوع أو السجود أو التشهد . ومما يدل عليه قول ابن عباس : " فرض الله على لسان نبيكم صلاة الخوف ركعة " وقال ابن عباس : " صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف بهؤلاء ركعة , وبهؤلاء ركعة , فالذي يدرك الركوع والسجود من صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب هي خداج , ولم يخص صلاة دون صلاة " . والذي يعتمد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب , وما فسر أبو هريرة وأبو سعيد : " لا يركعن أحدكم حتى يقرأ فاتحة الكتاب " . انتهى كلامه ملخصا محررا ملتقطا من مواضع شتى من كتابه (جزء الفراءة خلف الامام للبخارى).... فهذا محمد بن إسماعيل البخاري أحد المجتهدين وواحد من أركان الدين قد ذهب إلى أن مدركا للركوع لا يكون مدركا للركعة حتى يقرأ فاتحة الكتاب , فمن دخل مع الإمام في الركوع فله أن يقضي تلك الركعة بعد سلام الإمام بل حكى البخاري هذا المذهب عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام . وقال الحافظ في الفتح تحت حديث أبي هريرة : " فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا " واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته الوقوف والقراءة فيه , وهو قول أبي هريرة , بل حكاه البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام , واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية , وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين انتهى .
وقال ابن حزم في المحلى : لا بد في الاعتداد بالركعة من إدراك القيام والقراءة بحديث : " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا , ولا فرق بين فوت الركعة والركن والذكر المفروض , لأن الكل فرض لا تتم الصلاة إلا به . قال فهو مأمور بقضاء ما سبقه الإمام وإتمامه فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك من ذلك بغير نص آخر ولا سبيل إلى وجوده . قال : وقدم أقدم بعضهم على دعوى الإجماع على ذلك وهو كاذب في ذلك , لأنه قد روى عن أبي هريرة أنه لا يعتد بالركعة حتى يقرأ أم القرآن .
* فائدة (هل يجوز أن يدخل المأموم والإمام راكع ويقراء الفاتحة ثم يركع قبل أن يرفع الإمام؟):
قال ابن حزم فإن قيل إنه يكبر قائما ثم يركع فقد صار مدركا للوقعة , قلنا وهذه معصية أخرى , وما أمر الله تعالى قط ولا رسوله أن يدخل في الصلاة من غير الحال التي يجد الإمام عليها , وأيضا لا يجزئ قضاء شيء يسبق به من الصلاة إلا يعد سلام الإمام لا قبل ذلك..... وقال أيضا في الجواب عن استدلالهم بحديث " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة " حجة عليهم , لأنه مع ذلك لا يسقط عنه قضاء ما لم يدرك من الصلاة انتهى .
*وقال الشوكانى في الفتح الرباني في فتاوي الشوكاني:
قوله صلى الله عليه وسلم " من أدرك الإمام على حالة فليصنع كما يصنع الإمام" , يدل على لزوم الكون مع الإمام على الحالة التي أدركه عليها وأنه يصنع مثل صنيعه , ومعلوم أنه لا يحصل الوفاء بذلك إلا إذا ركع بركوعه واعتدل باعتداله , فإذا أخذ يقرأ الفاتحة فقد أدرك الإمام على حالة ولم يصنع كما صنع إمامه , فخالف الأمر الذي يجب امتثاله وتحرم مخالفته . (عون المعبود ...ك...الصلاة باب فى الرجل يدرك الإمام كيف يصنع).....هذا والحمد لله رب العالمين.
جمعه ورتبه وكتبه الفقير
د/ السيد العربى بن كمال