في زمــــن .... لم يعــد يتكلــم فيه إلا الأقويــــاء
في زمــــن .... لم يعــد يرتفـع فيــه إلا الجبنـــاء
في زمــــن .... تــــاه بيــن أمواجـــه قــارب الحقيقــه
في زمـــن .... ضـــاع فيــه الأمــل بأن نرجع أمة عريــقه
في زمـــن .... قـُتلــت فيـه المبــادئ على مشنــقة الحضـــاره
في زمـــن .... أصبــح الرجــل يحمـل فيـــه حمــــاره !!!
في هذا الزمــن ... وُلــد خـــالد ..
خرج من جســـد أمه المتمــزق ألمــا ... والمشبع دمـــا
مـــاتت الأم ... لكي تـُخرج من أحشــائهـا من ينبض بالحيـــاة
فقــدت فرصتهــا في العيـش .. لتهــب ابنهـا فرصتــه أن يحيـــا ..
لكنــه خرج يبكــــي !!!
ربمــــا لم يــرد الخـــروج ...
ربمـــا آثر أن ينزوي في رحــم أمه الضـــيق ...
من أن يخــرج إلى هذا العـــــالم .
أن تعيش غريبــا في هذه الحيـــاة ..
وحيـــدا في دروبهــا القـــاتمة .. وبين أمواجهــا المتلاطمــة ..
هو أمر اعتـــاد عليـــه خـــالد منذ نعــومة أظفــاره ..
كل إنســان يداعــب بشغف أيـــام طفولتــه ... ويتراقص فيهــا بذكريــاته البريئة ..
ويتمنى أن يجــد بابــا سحريــا يوصلــه إليهــا ..
اما خـــالد .. فكــانت ذكريــات طفولتــه تـــائهة في دور الأيتــام
ومتبعثــرة بين ســراديب الملاجئ ...
تقذفـــه يـــد .. لتلتقفـــه أخرى ..
كــــانت طفــولته نقطــة سوداء ... في لوحــة سوداء .
وفي يــوم بلوغــه الثــامنة عشر .. وبعــد الحيـــاة في ظل الملاجئ ...
خرج ليجــابه عواصــف الحيــاة القــاصمة .. وليتنفس هواء الحــرية المخيــف .
اشتغــل مؤقتــا في مجــال البنــاء .. إلى أن يوفر الدار لــه عمــلا يليق بشهـادته الثانويــة
وفي فتــرة استراحــة عمله .. جلــس على دكــة متهـدمة .. واستند على جـدار متهــاوي ..
ورفــع بيـده المتشققــة كــوبا من المـــاء ..
ليروي بــه ظمــأه تحــت سيــــاط الشمــس الحـــارقة ..
وفي لحظــة صمــت عــاصفة ... برقــت في ذهنــه الخـــامد فكرة ..
رغــم ألمهـــا الدامي ... إلا أنهــا تظـل حقيقة واقعــة ..
"" إذا وطــأت بي حــوافر الزمــن .. وســاقتني الأقـدار إلى أرذل العــمر ..
وتلاشى عن فؤادي أي إحســاس بالحيـــاة ...
وأصبحــت كالورقة المبتـلَّة .. زال عنهــا حبرهـا .. وأصبحـت الريح كفيلـة أن تمزقهـا
واستلقيــت على فراشـي كمــا كنـت دومــا ... وحـــيدا ..
ثم نظــرت إلى حيــاتي الغــابرة ..
ألتمــس ذكريــات تداعــب فؤاديَ المـهدود ... وأحلامـا تسـامر وحــدتي القــاتلة ..
أتســـــائل ...
هل سأجــد في المـــاضي ... تلك الأحــلام الذكريــات ؟؟ ""
ثــم أخرج من جيبــه صورة متمزقــة ..
بـــاهتة الألــوان ... وكأنهــا التقطــت منذ دهــر ..
كــان يقف فيهــا وبجـــانبه " مهــا"
مهـــا طفــلة يتيمــة .. كــانت تقطــن ثـــالث دار انتقــل إليهــا ..
لطـــالمـا كــان يوافقهــا راكضــة في الأسيــــاب .. ومصعـِّدة فوق السلالــم ..
لم يــكن يتكلــم إلا لهــــا ... ولم يـكن يحـب في هذه الحيــاة سواهـا ..
حــبٌّ طـاهر لاتشـوبه الأخطــاء .. ولا تتلاعـب به الشهوات ..
حـب تجسَّــد ببراءة الأطفــال .. وظل يكبــر في قلبـه المحتــاج ..
حتى أصبــح حبــا تغلــِّـفه الأشواق ..
وفي يـوم من الأيــام اختفــت ..
هـــكذا .. وبدون مقدمــات .. وبدون أيَّــة كلمــة وداع ..
بعــد أن أخذهــا أحد أفراد عــائلتهــا المقربيــن ..
ولم تتـرك لــه منهــا ... سوى اسمهـــا وصورتهـــا ..
ثــم أخــذ ينظــر إلى هذه الصــورة .. متأمــلا ومفــكرا ..
وســابحا في بحـور خيــاله ... ومحلقـــا في فضــاء أحلامــه ..
كالغريــق ... الذي يتشبـَّث بقشـَّـة لاتحمـل إلا الهــواء !!!
"" ربمـــا سيجمعنـــا القـدر في يــوم مــا ...
وسنستبــدل بأحزاننــا حبــا خفـــاقا .. يُلهــب بنيران أشـواقه أرواحــنا
حــب ظـلَّ من يـوم فراقنــا محبوســا ..
في قفص من ألـــم ... قـد رميَ في سرداب الظلمـــات ..
وسأكتفي بهــا عن كـل العــالم .. وســأرحل معهــا إلى أي مكـــان ..
وعنــدما أعــود إليهــا ..
سأجــد حضنــا آوي إليـــه ... وقلبــا أتـدثر بوجــدانه ""
وفجــأة رن الجــرس ... معلنــا عن انتهـــاء الاستراحــة ..
فوضع الصورة في جيبــه .. ثم مضى .
تحيـــــــــــــــــــــــــاتي