بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
في القرآن الكريم مئات الآيات الكريمة التي تتعلق بعلم الكون ، والفلك ، والإنسان ، والبحار ، والأرض ، منها ما كشف العلم عنها ، وعن مضامينها ، ومنها ما لم يكشف بعد ، وعلى ضوء ما ثبت من العلوم الفلكية والكونية والأرضية الخطوطَ الرئيسيةَ لهذا العلم الأخاذ ، الذي يعطينا فكرة علمية عن قدرة المولى وعظمته سبحانه وتعالى .
إن النبي عليه الصلاة والسلام أرسله الله لكل الشعوب ، للعالمين كافة ، لذلك ينبغي أن تكون معجزته مستمرة ، ذلك لأن الأقوام السابقين كان لكل قوم نبي قد بعث إليهم ، قال تعالى :
و لكل قوم هاد"7"
(سورة الرعد)
وكانت المعجزات السابقة حسية ، بمعنى أنها وقعت ، ولن تقع ثانية ، أصبحت خبراً يصدقه من يصدقه ، ويكذبه من يكذبه ، ولكن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم كانت معجزة علمية ، ففي هذا القرآن الكريم آيات تزيد على ألف وثلاثمائة آية تتحدث عن الأكوان ، وخلق الإنسان ، والأسماك ، والأطيار ، وبقية المخلوقات .
سنتحدث اليوم عن إعجاز الآية الكريمة :
مرج البحرين يلتقيان "19" بينهما برزخ لا يبغيان"20" فبأي ءالآء ربكما تكذبان
(سورة الرحمن)
مثلاً : البحر الأسود يلتقي مع البحر الأبيض في البوسفور ، والبحر الأبيض يلتقي مع البحر الأحمر في قناة السويس ، والبحر الأحمر يلتقي مع البحر العربي في باب المندب ، والبحر الأبيض يلتقي مع المحيط الأطلسي في مضيق جبل طارق ، هذه أماكن تلتقي فيها البحار ، والمفسرون كما تفضلت هذه الآية لم تكن موضحة في أذهانهم ، أين هذا البرزخ ؟ حينما اكتشفت المركبات الفضائية ، وحينما تمكن الإنسان من أن يصور الأرض من الفضاء اتضح في هذه الصور أن بين كل بحرين خطاً وهمياً ، هو خط تمايز لونين ، فهذه منطلق الفكرة لفهم هذه الآية .
فبعض علماء البحار نزل إلى باب المندب ، أو إلى مضيق جبل طارق ، أو إلى قناة السويس ، فكأن هناك خطٌّ بين كل بحرين يمنع تداخل مياه البحرين بعضهما في الآخر ، ذلك أن العلماء قاسوا ملوحة كل بحر ، ومكونات كل بحر ، وكثافته ، فإذا هي متباينة الكثافة والمكونات والملوحة ، والخصائص ثابتة لا تتبدل حتى عند التقاء مياه البحرين
هنـاك بحث مفاده أن بعض علماء البحار أتى بكم كبير من قصاصات الورق ، ووضعها في هذا المكان الذي يبدو فيه الحاجز بين البحرين ، فلم تنتقل إلى البحر الآخر ، فاتضح أن بين البحرين برزخاً ، أي حاجزاً موجودًا ، أما طبيعته فلا تزال غامضة .
هناك آية ثانية في هذا الموضوع ، قال تعالى :
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات و هذا ملح أجاج
و جعل بينهما برزخا و حجرا محجورا "53"
(سورة الفرقان)
البرزخ يكون بين البحرين ، أما الحجر والمحجور فبين البحر والنهر .
يوجد ينابيع في البحرين ، يركب الإنسان قارباً ليصل إلى نبع في البحر ، وفي الساحل السوري ينابيع كثيرة في وسط البحر ، وهذا أيضاً من إعجاز القرآن الكريم ، فالمياه العذبة لا تختلط بالمياه المالحة ، و يتضح هذا واضحاً جلياً في مصبات الأنهار ، نهر كالأمازون الذي كثافته ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية ! قد يمشي في البحر خمسين إلى ستين إلى ثمانين كيلو مترًا ، وتبقى المياه عذبة ، لذلك أكبر تجمع لصيد السمك في البحار هو مصبات الأنهار ، لأن مياه الأنهار عذبة ، ومياه البحار مالحة ، وبينهما حجر محجور ، يمنع اختلاط المياه العذبة بالمالحة .
لذلك أسماك المياه العذبة تبقى في المياه العذبة ، ولا تنتقل إلى المياه المالحة ، و أكبر تجمع لصيد السمك في مصبات الأنهار .
آيات فيها إعجاز كبير ، تدلنا على قدرة الخالق ، وعلى أن هذا هو كتاب الله ، وعلى أن هذا هو القرآن الكريم الذي أتى وحياً للنبي صلى الله عليه وسلم .
في النهاية يجب التنويه أن كتابة هذا الموضوع كانت بالاستعانة بمحاضرات
الدكتور محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية بجامعة دمشق ،
خطيب ومدرس ديني في جوامع دمشق جزاه الله كل خير.