الأخ الغائب
أقادم هو؟؟!
· أيمد لي بتلك اليد فقد تهت في دياجير الظلام اللعينة؟! أم أن هذه اليد نسجت العنكبوت بين أصابعها خيوطها؟!!
· أيرمي لي بحبل النجاة فقد سقطت في قرار الهوة السحيقة؟!أم أن هذا الحبل قد بلي و ما عاد ينفع لجذب حتى البعوضة؟!!
· أأسمع منه حدائه الثوري القديم مجيباً استغاثتي؟! أم أنه اليوم لا يجيد سوى العزف على أوتار النخاسة و النكسة و الهزيمة؟!!
· أسكوته هو هدوء ما قبل العاصفة الثائرة؟! أم أنها استراحة المحارب التي ستستمر إلى أبد الأبدين؟!!
· هل توقف سيل قلمه لأنه يعيد ملأه بالحبر من جديد ليستكمل الكتابة؟! أم أنها إعلان اعتزال الكاتب؟!!
تساؤلات تتزاحم في ذهن مجهدة.. تصارعها آمالها و آلامها.. كل يوم تنظر من نافذة زنزانتها ترى نهارها ينتظرها فتتأمله باسمة لكن ما أن يرتد لها بصرها و تديره في أركان الزنزانة حتى ترى ظلامها..ينظر إليها بنظرة خبيثة.. ينتظر سقوطها لينهش روحها النقية.. فتتبدل تلك البسمة على محياها إلى دموع ..دموع كأنها الطوفان في هطوله.. دموع كأنها البرق في ثورته.. دموع كأنها القمر في نوره..
و في زحمة هذا الصراع يدخل الجلاد و عليه ابتسامته الخبيثة المعتادة قائلاً بروح متكبر.. متسلط.. متآمر
"سيدي و سيدك يؤمر أن تتخلى عن أفكارك الغريبة.. أو تُجلدي.. فاصدعي بما تؤمري.. إني لك من الناصحين "
فقالت بصوت مجهد" وفر عليك نصحك.. سياطك و ربي أحب إلي مما تدعوني إليه.. و قريباً يأتي من ينجدني و يحاسبكم على جرمكم المفضوح"
يقول ضاحكاً مستهزئاً " لازلت تنتظرين .. إذاً انتظري عمرك كاملاً و في النهاية لن يأتي"
لن يأتي
لن يأتي
تردد صدى الكلمات بين الجدران
فتجلس نازفة دماً بعد أن أعطها الخائن جرعتها من السياط ثم ذهب ليكمل واجبه مع المظلومين المسجونين الآخرين..
أيمكن ألا يأتي؟؟! أيمكن لمن أنقذ سيدة عمورية ألا ينجدني أنا اليوم؟؟! أم أن كلمات هذا الجلاد صحيحة " لا تنادي وامعتصماه فهو يعمل اليوم في خمارة تحت اسم مستعار و لم يعد يرن في سمعيه سوى صوت الدرهم و الدينار فكيف له أن يسمع صراخكن" أيمكن أن تكون هذه الكلمات حقيقية؟!!!
تطرد هذه الأفكار من رأسها قائلة مخاطبة نفسها
لا يمكن لمن عاش حياته لهذا الإيمان أن يتبدل
لا يمكن لمن قضى نهاره فارساً مزاحماً اعتي الرجال في الميدان و من قضى ليله قائماً راكعاً ساجداً أن يخون هذا الإيمان
فكما لا يقدر الإنسان على العيش بلا روح هو لا يستطيع أن يعيش بلا إيمان
فكما لا يقدر السمك على العيش خارج الماء هو لا يستطيع أن يعيش خارج أمته
فكما ثارت نخوته على سيدة عمورية ستثور نخوته علي..
عزمت على العيش على هذا الأمل راجية الله أن يكون سريعا فقد تذكرت يوم تعاهدت على العيش لهذا الإيمان أبداً و على أن تفديه و تحميه مهما كانت الظروف و الطوارئ.. تذكرت صورة قائدها فامتلأت إصراراً و عزيمة فمن سعادة الجندي بل من واجبه دائماً أن ينظر للوراء يرمق قواده بنظرة التعظيم ..يستمد منهم روح الإباء.. و هي كانت من هؤلاء الجنود الأوفياء... هي لازالت تنتظر في زنزانتها على أرض الشر و الظلم و الظلام منتظرة هذا الأخ.. الذي لربما يكون وهماً رسمه لها خيالها.. لكنها لازالت تنتظر .. صابرة متعزية به و بقوادها الراحلين.. و لازالت ترتقب هذا الأخ الغائب..