حكومة مصر.. نصفها رجال أعمال و"حرس جديد"
عكست تشكيلة الحكومة المصرية الجديدة غلبة أعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم التي تمثل ما يعرف بـ"الحرس الجديد" بقيادة نجل الرئيس جمال مبارك، إضافة إلي تكليف قرابة 5 من رجال الأعمال بحقائب وزارية، واستبعاد وزيرين مثيرين للجدل هما كمال الشاذلي الذي يعد أحد صقور "الحرس القديم" بالحزب وإبراهيم سليمان وزير الإسكان الذي اتهمته صحف معارضة ومستقلة مصرية بالفساد.
وينتظر أن تؤدي الحكومة الجديدة -وهي الثانية التي يشكلها أحمد نظيف- اليمين الدستورية أمام الرئيس حسني مبارك الخميس 29-12-2005.
وبحسب الملامح النهائية للتشكيل الذي كشفت عنه مصادر رسمية مصرية، فمن بين 30 حقيبة وزارية في الوزارة الجديدة -مقابل 33 في السابقة- بلغ عدد أعضاء لجنة السياسات 11 وزيرا -أي الثلث- بينما تم إسناد 3 وزارات لـرجال أعمال ليصبح لهذه الشريحة 5 وزارات، وليشكل هاتان الفئتان نصف أعضاء الحكومة بقيادة رمز محسوب على الحرس الجديد أيضا.
وكشف مصدر مقرب من الحكومة لإسلام أون لاين.نت الأربعاء 28-12-2005 أن التوجه لتعيين مزيد من رجال الأعمال بالحكومة "ربما يكون مستهدفا لجلب الاستثمارات"، مذكرا بأنه جاء في نص تكليف مبارك لنظيف بتشكيل الحكومة أن: "التحدي الرئيسي الذي نواجهه هو إتاحة المزيد من فرص العمل وزيادة معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي وتعزيز قوة صادراتنا على المنافسة في الأسواق العالمية"، وهي تكليفات يرى خبراء اقتصاد أن رجال الأعمال هم الأقدر على تنفيذها.
وتولى زهير جرانة (رئيس شركة سياحية ورجل أعمال) وزارة السياحة، وأمين أباظة (رجل أعمال) وزارة الزراعة، والدكتور حاتم الجبلي (مدير مستشفى استثماري) وزارة الصحة خلفا للوزير عوض تاج الدين.
ورجحت مصادر صحية أن يكون خروج تاج الدين من الحكومة -رغم اقترابه من القيادة السياسية وملازمة الرئيس مبارك في مرضه الأخير قبل أكثر من عام- نتيجة ضغوط لوبي شركات الأدوية العالمية والأمريكية التي اتهمته بمخالفة بعض بنود اتفاقية التربس "
IPR" العالمية للملكية الفكرية من خلال السماح لبعض المستحضرات المصرية البديلة والأرخص من الأدوية الأجنبية بالتداول في سوق الدواء المصرية.
واحتفظ كل من المهندس رشيد محمد رشيد والمهندس أحمد المغربي -وهما من رجال الأعمال- بمناصبهم الوزارية أيضا، بيد أن الأول أضيفت لوزارته مهمة وزارة الصناعة مع التجارة الخارجية، والثاني انتقل من وزارة السياحة إلى وزارة الإسكان.
اختفاء "الدعم" و"الشباب"
وخرج من التشكيل الوزاري الجديد 11 وزيرا من الوجوه القديمة بينما دخل 7 وزراء جدد وتم دمج عدة وزارات، مما ترتب عليه إلغاء 3 وزارات أبرزها "التموين" المرتبط اسمها بقضية "الدعم" الحكومي للسلع الأساسية، ووزارة الشباب التي تقول أوساط سياسية بأنه سيتم إنشاء مجلس أعلى بدلا منها للشباب يسند إلى محمد كمال المسئول عن حملة انتخابات الرئيس مبارك بالحزب الوطني وأحد نجوم لجنة السياسات والحرس الجديد.
واحتفظ وزراء الحقائب السيادية الذين يعينهم الرئيس مبارك بنفسه بمناصبهم وهم: أحمد أبو الغيط وزيرا للخارجية، والمشير حسين طنطاوي وزيرا للدفاع، واللواء حبيب العادلي وزيرا للداخلية، والأخير أثيرت تكهنات عديدة بتركه الوزارة بسبب الانتقادات العنيفة له من جانب قوى المعارضة والقضاة والصحافة المصرية نتيجة أداء وزارته في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهدت تجاوزات كبيرة وقتل فيها 14 مواطنا وجرح المئات. كما أن مصر شهدت في عهده مؤخرا حادثين إرهابيين في طابا وشرم الشيخ قتل وجرح فيهما عشرات السياح والمصريين.
ومعروف أن الوزارات المتعاقبة في مصر منذ ثورة يوليه 1952 تركز في أدائها على الجوانب الاقتصادية، في حين تتولى رئاسة الجمهورية (مكتب الرئيس- مستشارو الرئاسة- الأمن القومي) التعامل مع الملفات السياسية؛ وخصوصًا العلاقات الخارجية.
أيضا بقي في منصبه كل من أنس الفقي وزير الإعلام وفاروق حسني وزير الثقافة رغم طلبه الاستقالة عدة مرات، وكلاهما من المقربين لرئاسة الجمهورية، والمستشار محمود أبو الليل وزير العدل الذي ترأس اللجنة العليا التي أشرفت على الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إضافة إلى بقاء وزراء المجموعة الاقتصادية وهم: د. يوسف بطرس غالي ومحمود محيي الدين ود.عثمان محمد عثمان.
وكانت حكومة الدكتور أحمد نظيف قد تقدمت باستقالتها للرئيس حسني مبارك عقب الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 7-9-2005 تنفيذا للدستور، إلا أن الرئيس كلفها بتسيير أمور البلاد لحين تشكيل حكومة جديدة، وأثارت الصحف المصرية والمعارضة جدلا كبيرا بالحديث عن أن هناك أزمة دستورية لأنه لا توجد حكومة مسئولة أمام البرلمان المنتخب الجديد.
وزراء جدد
ويضم التشكيل الوزاري الجديد مجموعة من الوجوه التي تدخل الوزارة لأول مرة، منهم الدكتور علي مصيلحي من لجنة السياسات وزيرا لوزارة مستحدثة تسمي الضمان الاجتماعي.
وخرج من التشكيل الجديد 11 وزيرا أبرزهم كمال الشاذلي الذي سيتولى رئاسة المجالس القومية المتخصصة بعدما جرد من كافة مناصبه الكبرى كوزير للبرلمان، والمتحدث باسم أغلبية الحزب الوطني الحاكم في البرلمان، بينما تم تفريغ منصبه في الحزب الحاكم (أمين التنظيم) من قوته منذ استحداث "لجنة السياسات" التي يرأسها جمال مبارك نجل الرئيس المصري.
وأيضا خرج وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان الذي اشتدت حملة الهجوم الإعلامي عليه بتهم الفساد، وكانت القشة هي تفجر قضية فساد تورط فيها عصمت أبو المعالي رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر (جنوب القاهرة) التابع لوزارة الإسكان؛ حيث وجهت له النيابة اتهاما بالحصول على سيارتين رشوة من أحد المقاولين مقابل إرساء عطاء عليه.
وخرج كذلك من التشكيل الوزاري أحمد الليثي وزير الزراعة -الذي حل محل د.يوسف والي وزير الزراعة الأسبق- وقام بحملة تطهير ضخمة في الوزارة ضد رموز الفساد أقال خلالها العديد من المسئولين وأثار جدلا كبيرا في الصحف المصرية بالاعتراف بوجود مبيدات مسرطنة دخلت السوق المصرية، وهو الاتهام الذي سبق أن وجهته صحف معارضة مصرية للوزير والي.
وزراء "الطليعي" تقلصوا
كما غاب عن الوزارة رموز قديمة كانت من بقايا "التنظيم الطليعي الناصري" التي ظلت مسيطرة على العديد من الوزارات السابقة، ومنهم د.ممدوح البلتاجي وزير (السياحة ثم الإعلام ثم الشباب والرياضة) السابق والذي سبقته رموز أخرى في التعديل السابق مثل د.حسين بهاء الدين وزير التعليم السابق، وصفوت الشريف الذي أصبح رئيسا لمجلس الشورى، وكمال الشاذلي حاليا، في حين بقي مفيد شهاب وزير البرلمان في موقعه الوزاري.
ويقول مراقبون إن خطاب تكليف الرئيس مبارك للوزارة الجديدة عكس تشكيلة الحكومة الجديدة كما عكس الرغبة في اختيار وزراء قادرين على مواجهة أسئلة وطلبات إحاطة نواب البرلمان الجديد الذي يضم 103 معارضين لأول مرة منذ عام 1952، 88 منهم نواب لجماعة الإخوان المسلمين، حيث قال الرئيس مبارك: إن "هذه المرحلة الهامة تقتضي تنسيقا وثيقا بين الحكومة ومجالسنا النيابية ويتطلب ذلك تحركا على المستويين التنفيذي والتشريعي".
ومنذ ثورة يوليو 1952 وإعلان النظام الجمهوري في مصر تم تشكيل قرابة 44 حكومة، وبقي عهد حسني مبارك هو الأقل في عدد التغييرات الوزارية مقارنة برؤساء الجمهورية السابقين رغم طول فترة حكم الرئيس مبارك مقارنة بسابقيه.