كنت أراها كل يوم، والتقيها في كل لحظة.. لكن رغم قربها مني كنت بعيداً عنها ، ورغم هجري لها كانت قريبة مني.. دائمة التعلق بي ، وعلى قلاي لها وصدي لها.. بل بعض الأحيان قسوتي عليها.. على الرغم من كل ذ لك لم أجد منها الا العطف والحنان، ولم تسمع أذني من لسانهاألا الدعوات لي بالهداية والصلاح... نهاري أقضيه نائماً وليلي عابثاً مع شيطان مثلي أسميه صديقي ، في أحدى ليالّي تلك تأخر صديقي عن موعدنا ألمحدد .. أنتظرته.. مرت نصف ساعة لم يأتي .. ساعة .. مرت الساعة أيضاً ،قلقت عليه.. لا لم أقلق عليه!! قلقت على ليلتي كيف ساأقضيهابدونه ومن سيحضر لي ماأد منت عليه من مخدرات وخمرة .. لم تطل حيرتي كثيراً بعد ذلك ، لقد وصل ولكنه جاء بغير الوجه ألذي أعرفه به، سألته:
ـ ما لي أراك شاحباً؟!!
فاأجاب بصوت مضطرب:
ـ أمي مريضة جداً.. قلت له:
ـ وماذا في ذلك؟!! .. أجاب بنفس اللهجة ألمضطربة:
ـ أنها تحتضر.. قلت:
ـ لاتقلق ، ستكون بخير.. ثم أضفت مازحا هؤلاء ألعجائز مثل القطط بسبعة أرواح ، فصرخ في وجهي غاضباً :
ـ ياأحمق ، أقول لك أنها تحتضر/ أتعرف ماذا يعني ذلك ؟!!
تأكد لي بعد صراخه أن ليلتي معه لاشك أنها ستضيع، سألته ببلادة :
ـ وماذا يعني ذلك ، فقال : يعني أنها ستموت / أجبته مستنكراً :
ـ ولماذا أتيت أذن ؟!! .. قال بعد أن خفض صوته:
ـ أريدك أن تساعدني في تجهيزها ،هززت رأسي موافقاً وأنطلقنا إلى منزله.. هناك رأيت أمرأة .. لا بل بقايا أمرأة.. كانت نحيلة ، يكاد يبتلعها فرشها ، عيناها غائرتان .. وجه شاحب ، كانت تتنفس بصعوبة ، وتنظر إلى أبنها نظرة إشفاق ورحمة .. لاأدري لماذا في هذه أللحظة تذكرت أمي .. لقد تركت أمي بنفس حالتها ، أندفعت مهرولاً خارج بيت صديقي .. وأنا أعدو في الطريق كنت أغالب دموعي ولكنها غلبتني فأنطلقت حارة غزيرة.. ياالله ماذا ساأ شاهد في بيتنا، دخلت غرفة أمي وأنا في هلع شديد.. نظرت إلى أمي ألحبيبة، نفس المنظر الذي شاهدته في بيت صديقي .كانت عينا أمي تنظران إلى ألسماء ، وعلى وجهها مسحة من نور، أغمضت عينيها وأحتضنتها بشدة .. بكيت كثيراً كثيراً ، لم أعد أشعر بشي .. كل ما حولي أصبح فراغاً... عدم ، لم أعد أسمع ألا صوتها.. دعواتها لي باالهداية والصلاح تتردد في داخلي حتى ملئت كياني كله .