اتصلت تعاكسني
كثيرا ما تحدث هذه الحالة, و للأسف الشديد! فالشيطان لا يفتأ و لا يمل من إضلال المسلمين و إغوائهم, و هو يستخدم في هذا شتى الوسائل و الطرق المتاحة لديه, و يجند أتباعه من الجن و الإنس في خدمة هذا الهدف, فتارة شبهات يرميها تطيش منها العقول, و تارة شهوات و ملذات تموت منها القلوب, و تضيع فيها الأوقات.
في خضم تلك المعركة, بين قذائف للشيطان, و حفظ الله لعباده المخلصين و حثهم على الصمود و الطاعة و عدم العصيان, يطل علينا سلاح جديد, بوجه فريد. فهو جد فتاك, مع أنه يستعمل نفس الذخيرة لكثير من سابقيه, و لكنه المكر و الخداع, و التربص و الإفساد, يطل و لا يكل, يضرب و يضرب, فيحصد الأرواح إلى طريق جهنم, و يدمر الحصون, و يخترق الدفاعات. و المشكلة, أن هذا السلاح, لا يمنع من وصوله شيء, فحتى أعتى أجهزة الرادار لا تكتشفه, فيخرج ليضرب فجأة, مخلفا وراءه دمارا للقلب, أو ضياعا للوقت, أو كلتيهما معا.
سلاحنا الفتاك, كما عنونته : (اتصلت تعاكسني).
لا أدري من أين, و لكنها اتصلت!
لا أدري من هي, و لكنها اتصلت!
لا أدري كيف عرفت رقمي, و لكنها اتصلت!
قالت لي في رقة و أنوثة تفجر العروق: كيف حالك؟!!!
فتلعثمت, و أخبرتها أنني جيد, و سألتها ماذا تريد؟
قالت: أحب التعارف, فأنا أعرف عنك الكثير, مشتاقة لك!!
فأقفلت السماعة بسرعة.
اتصلت مرة أخرى, فصرخت في وجهها: ماذا تريدين؟
قالت: بحزن و مكر و نحيب و تغنج: ليست هذه طريقة مؤدبة يستخدمها الرجال الأفاضل!!
فقلت لها خافي الله, و أغلقت سماعة الهاتف..
تغير لوني, بكيت و بكيت, لم أستطع قطع تفكيري, أعيش في دوامة بل في غمامة, لا أرى إلا الظلام حولي, و لا زال صوتها يرن في أذني. قلبي يخفق بشدة, لم أعد أحتمل, خرجت من الغرفة و ذهبت إلى الصديق العزيز و الأخ الشفيق.
هذه كانت كلمات صديقي العزيز في سنته الأخيرة في الجامعة, فقد أتاني بوجه شاحب, يشعرك بأنه يخفي خلفه هموما لا حدود لها, سألته فأخبرني ما كان. فاستعذنا بالله من الشيطان, و جلست أنصحه, لنصل معا إلى بر الأمان. و الحمد لله, فقد تيسرت الأمور, و عاد الوجه موشحا بالسرور.
انظر إلى حزب الشيطان, فهذا الرفيق أحسبه من الشباب الملتزم, المتميز في دراسته, المحب لإخوانه, و لكنهم لا يرقبون في مؤمن إلاً و لا ذمة, فسعوا في إفساده بشتى الطرق, و لكن الله غالب على أمره. تخيلوا لو انساق وراءها, أين سيصبح تفوقه؟ و أين سيذهب خشوعه؟ بل إلى أي صلاة فجر سيستيقظ و يذهب؟!!
سبحان الله, هذه أحد القصص, و غيرها كثير. فحذاري إخوتي من الانسياق, و لا يقول أحد: أنا لن أتأثر بهذا, فالانجرار في المكالمة قد لا يكون له نهاية, فكم سمعنا من إخوة أرادوا النصح, فلم تنته العلاقة إلا بالزنا, و كم بكت إخوات تائبات أمام الدعاة, و هم يشكون وقوعهم في الزنا جراء نصحهم لشباب المعاكسات.
نعم, أقول: فلننتبه و نحرص, فكما قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان", فالاستغراق في المكالمة هي الخطوة الأولى, و ما أتى فالله به أعلم. و المشكلة أن من الأصوات ما لا يستطيع أن يصمد الشاب أو الشابة أمامه, و قد قال الله تعالى مخاطبا أطهر النساء – أمهات المؤمنين- : "و لا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض", و القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء, فكم دعا المصطفى – صلى الله عليه و سلم ربه مناجيا باكيا بقوله: يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك, و هذا أقرب الناس لله, فكيف بنا و نحن محاطون بالملذات من كل مكان, و ما أسهل طريق الحرام إلينا اليوم, و المعصوم من عصمه الله.
و ختاما أقول: إذا استمر الطرف المعاكس بالاتصال, فما علينا إلا التصرف بحكمة مع الموضوع, فمن الحلول المطروحة أن يتحدث ولي الأمر مع المعاكس إن كان المتصل رجلا, و لا تخشي من هذا, فالوقوف هنا خير من التمادي أكثر إذا كنت قد تكلمتي أصلا في البداية, فالله تعالى ناصر التائبين المنيبين. أما إن كان المتصل أنثى فعلى الشاب أن يطلب من أحد الأفاضل ممن يشهد له بقوة الدين أن يتكلم معها و يزجرها عما تفعل, فإن لم تتوقف, فالشرطة موجودة و تردعها بإذن الله. و قد ذكر الدكتور محمد العوضي قصة شبيهة بتلك, حيث أن أحد الدعاة تكلم مع المعاكسة و قال لها: ترى ما أستطيع أكلمك, فقالت له: ليش, فقال: أخاف لأنه تلفوني مراقب, فقالت: وين الرجولة, لهذه الدرجة تخاف؟ فقال: المشكلة إنه تلفوني مراقب من الله!.. .. ساد صمت لوهلة, ثم أغلقت سماعة الهاتف و ما عادت تتصل أبدا, و الحمد لله.
أنصح نفسي و أخواني و أخواتي التنبه لهذا الموضوع, و الله من وراء القصد.