وعود المؤمنين في القرآن الكريمتنويه:
قال ابن القيم : ومن عقوبات المعاصي أنها تفوت على صاحبها ثواب المؤمنين ومن فاته رفقة المؤمنين وحسن دفاع الله عنهم .... فاته كل خير رتبه الله في كتابه على الإيمان وهو نحو من مئة خصلة ...... فمن هذا المنطلق كُلفت ببحث في البحث عن ثواب المؤمنين في القرآن وفي كم موضع فاسميته بـ( وعود المؤمنين في القرآن الكريم) وفي المقدمة يتضح المقال فأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه وأحببت إفادة الإخوة فقط لا غير .
المقدمة
الحمد لله الذي جعل الحمد أول آية في كتاب رحمته وجعل الحمد آخر كلام أهل جنته، الحمد لله العزيز الغفار مكور الليل والنهار ،الحمد لله الذي باسمه تتم النعم وتندفع النقم أما بعد :
فإن من المعلوم أن الإنسان لم يوجد على هذه البسيطة إلا من أجل حقيقة واحدة هي من أهم الحقائق التي وجد الإنسان لتحقيقها ، ألا وهي حقيقة الإيمان وترسيخه في ذهنه وذهن الأجيال التي تحت يده حتى يخرج لنا جيلاً على الفطرة السليمة والمبادئ الصحيحة ، جيلاً مؤدياً ما عليه من الواجبات ومبتعداً عما يشوبه ويدنسه من المعاصي والآثام ، فإن أساس وجود الإنسان هو المحافظة عليه مهما كانت الظروف ومهما مر بالأمة من أزمات ومستجدات ، هو أحد الثوابت التي لا تخضع لسياسات وأحكام بشرية بل لسنن إلهية ربانية نورانية ، لأن الصلاح الحقيقي لا يأتي إلا ممن كان سبباً لخلقك وتكوينك ، لذلك كانت هذه الحقيقة بها صلاح المجتمعات ، ومتى بعُدت عن تحقيقه وأصبح ابتذاله ظاهرة عادية وأصبح قابلاً للنقاش في تطبيقه ورده إلا ظهر فيهم الذل والتهاون ودب فيهم الأمراض المزمنة وانمسخ الناس عن فطرهم السليمة وكانوا تبعاً لأذل وأحقر الأمم يصرفونهم كيف شاؤوا ، فبالإيمان تقوم الأمم وتستنهض العزائم .. ولنا في رسول الله وصحابته مثل عظيم فبإيمانهم فتحوا بلاد فارس والروم وبإيمانهم ملكوا مشارق الأرض ومغاربها ، وبإيمانهم بلغوا ما بلغوا من مكانة وعزة وشرف وبإيمانهم حجزوا مقاعدهم في الجنة بل وفي أعلى الدرجات ...
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح
ولا ينبغي أن يكون إيماننا موسمياً محدوداً بفترة زمنية قيدتنا ظروفها ، بل فليكن إيماننا النور الذي نسير به ، والوقود الذي نسمو به ونعلو ، فمتى ما استقر الإيمان في قلوبنا وحافظنا عليه من أي خدش أو تجريح نجحنا في كل ما نرسمه ونقصده وننشده من أهداف سامية ومقاصد رفيعة ، من عزة الله لنا وتسير الأمم خدماً وموالياً ، لا يتقدمون خطوة واحد إلا بعد استشارتنا وموافقتنا ، فلذلك كان تركيز القرآن الكريم وسنة المصطفى على هذه الحقيقة العظيمة ، ولذك رتب الله أعظم الأجور والمكآفأت الحسية والمعنوية الدنيوية والأخروية على هذه الحقيقة العظيمة ، وإن المتأمل في حال الناس اليوم مع الإيمان وتحقيقه وتطبيق ذلك على أرض الواقع يجد عجباً ، وأقرب مثال صلاة الاستسقاء فما تكاد السحابة أن تستقر في كبد السماء إلا وتعلن أسفها الشديد أنها ليست مأمورة فيتدافع المسلمون ويهرعون للصلاة ، ويخطب الإمام ويذكّر العباد ويخوفهم بالله ويصرخ فيهم :
عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلين
ولكنه ينسى البيت الثاني :
وكل طريقنا نور ونور ولكن ما وجدنا السالكين
فصلاح القلوب أولى من صلاح الأراضي فالله لا ينظر لقلوب لاهية غافلة ..رحمات الله إلى العباد نازلة ، وذنوبهم إليه صاعدة .. فحُقّ للمزن أن تحجم .. وحق للسحب أن لا تطل وتشرق .. فإذا أراد العباد قطر السماء والغيث والإرواء ..فليطلبوه لقلوبهم أولاً فإنها أولى بالغيث والمطر ، فكم من قلوب قد جدبت بل وصل بها الحال إلى حد القسوة .. أفنرجو بعد ذلك غيث السماء ..بل هو القحط والفناء .. وإن حصل الغيث على مثل هؤلاء فعذاب وابتلاء كما حصل لبعض البلدان – نسال الله العافية – إن السر الحقيقي هو سر الإيمان الذي به يحصل الولاء ومن ثم العطاء من السماء ، والذي بفضله أُغيث العباد في قصة العبد الرقيق المشهورة مع ابن المبارك والفضيل بن عياض عندما استغاث الناس ولم يُغاثوا فدخل هذا العبد الذي ملك السر الإيماني فما وإن رفع يديه إلا وأُغيث العباد والبلاد ..فبزوال الذنوب يتحقق المطلوب .. أفنطلب الغوث، والمعاصي قد أعمت القلوب والمنكرات في كل الدروب؟ ....فمن هذا المنطلق وهو تحقيق الإيمان في القلوب طُلب مني بحثٌ عن وعود المؤمنين في القرآن ومالهم من الجزاء والثواب ، حتى تتجدد الهمم ونبادر إلى العمل ألم تسمع قول القائل إذا هممت فبادر .. وإذا عزمت فثابر ..0 واعلم أنه لن ينال المفاخر من جاء في الصف الآخر.
فأسال الله العظيم أبن يزيد الإيمان في قلوبنا وأن يجعلنا ممن يحقق الإيمان المطلوب وأن يبلغنا به الدرجات العلى في الدنيا والآخرة خير وأبقى إنه هو القادر وحده وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .( ) هذه المقدمة بعض المقاطع مقتبسة من كتاب وأخيراً نطق القلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :
1. {والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}(4) {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5) سورة البقرة
2. {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (25) سورة البقرة
3. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (62) سورة البقرة
4. {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (82) سورة البقرة
5. {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (121) سورة البقرة
6. {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (136) {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (137) سورة البقرة
7. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153) سورة البقرة.
التوضيح: الوعد في الآية معية الله مع المؤمن إذا صبر ولنعلم أن الصبر على ثلاثة أضرب:
1- صبر على طاعة الله .
2- صبر عن معصية الله .
3- صبر على أقدار الله المؤلمة .
وأي الثلاثة أفضل فقد وقع الخلاف ولكن الذي رجحه الشيخ خالد المشيقح أن أفضلهما صبر على طاعة الله لأنه من باب الفعل أما الصبر على المعصية من باب الترك .
قال علي بن الحسين زين العابدين( ) :[ إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون : إلى أي يا بني آدم ؟ فيقولون : إلى الجنة . فيقولون : وقبل الحساب ؟ قالوا : نعم . قالوا من أنتم ؟ قالوا : الصابرون قالوا : وما كان صبركم ؟ قالوا صبرنا على طاعة الله وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله قالوا |: أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين .
قال ابن كثير ويشهد لهذا قوله {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر.
8. {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177) سورة البقرة
التوضيح : قال السعدي( ): [ أي المتصفون بما ذكر من العقائد الحسنة والأعمال التي هي آثار الإيمان وبرهانه ونوره ، والأخلاق التي هي من جمال الإنسان وحقيقته الإنسانية ، فأولئك هم الذين صدقوا في إيمانهم لأن أعمالهم صدقت إيمانهم وأولئك هم المتقون لأنهم تركوا المحظور وفعلوا المأمور لأن هذه الأمور مشتملة على خصال الخير تمناً ولزوماً لأن الوفاء بالعهد يدخل فيه الدين كله ولأن العبادات المنصوص عليها في هذه الآية أكبر العبادات ومن قام بها كان بما سواها أقوم فهؤلاء هم الأبرار الصادقون المتقون .وقد علم ما رتب الله على هذه الأمور الثلاثة من الثواب في الدنيا والأخرة ]
9. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (218) سورة البقرة
10. {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (257) سورة البقرة\
التوضيح: قوله الله ولي الذين ءامنوا وهذا يشمل ولايتهم لربهم بأن تولوه فلا يبغون عنه بدلا ولا يشركون به أحدا قد اتخذوه حبيباً وولياً ووالوا أولياءه وعادوا أعداءه فتولاهم بلطفه ومنّ عليهم بإحسانه فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم وكان جزاؤهم على هذا أن سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور.( )
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن ميسرة حدثنا عبدالعزيز بن أبي عثمان عن موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد قال يبعث أهل الأهواء أو قال تبعث الفتن فمن كان هواه الإيمان كانت فتنته بيضاء مضيئة ومن كان هواه الكفر كانت فتنته سوداء مظلمة ثم قرأ هذه الآيه .( )
11. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (267) {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (268) سورة البقرة .
12. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (277) سورة البقرة
13. {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (285) سورة البقرة.
التوضيح:قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون }إلى قوله ( غفرانك ربنا } قال قد غفرت لكم( ) {وإليك المصير} المرجع والمآل يوم يقوم الحساب .