نشرت جريدة الحياة في عددها الصادر يوم السبت الماضي، خبراً عن طالبين احتجزتهما هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وفتشوا جوالاتهما، ثم اقتادوهما معهم إلى مركز الهيئة بالقوة، بحجة أنهما كانا يرسلان رسائل إلى فتيات كن يجلسن إلى جوارهما من خلال البلوتوث في أحد الأماكن العامة في الرياض . الأمر الذي تسبب في رسوب أحدهما في المادة التي كانت تتزامن مع توقيت القبض عليهما، كما قال أحدهم للحياة!
الذي شدني في الأمر، وأثار دهشتي، هو المنطق الذي تعامل به نائب رئيس الهيئة في الرياض الشيخ عثمان العثمان مع القضية، إذ قال عندما اتصلت به الحياة مستفسرة عن الأدلة التي اعتمدتها الهيئة في (اتهام) الشابين، وتفتيش جوالاتهما، واقتيادهما إلى المركز بالقوة، وإرغامهما على توقيع تعهد ما نصه كما جاء في الحياة بالحرف :
( أن رجال الهيئة لديهم من (الفراسة) ما يمكنهم من التعرف على مستعملي الجوال لأغراض بريئة من أولئك الذي يعاكسون بنات المسلمين) ! . تصوروا!!هذا – والله - المنطق الذي لا يمكن أن يقبله عاقل . والتبرير الذي خرج من (المعقول) إلى (اللا معقول)، مثل (الفراسة)، و(الحدس)، و(التخمين) .. وربما يطورون (تقنياتهم) مستقبلاً، ويتذرعون بقراءة الكف، وضرب الودع، ويجدون لممارساتهم (الخرافية هذه) مخرج (شرعي) بالقول : أن الضرورة لها أحكام، وأن أكل (الجيفة) حرام إلا للمضطر، وقياساً على ذلك يجوز للمحتسب التعامل مع هذه الممارسات المحرمة، لأن هدفها حفظ أخلاق المجتمع، ومنع (الغزل)، والوصاية على خلق الله، وإدخالهم إلى (الجنة) مكبلين بالسلاسل!
من الواضح تماماً أن رجال الهيئة قد حَـكـّـموا (الشك)، وأنهم أخطأوا أو تعجلوا، غير أن المصيبة، ليس أن يخطأ رجال الهيئة، فأخطاؤهم في الآونة الأخيرة أصبحت على كل لسان، إنما (الطامة) أن يجدوا من رؤسائهم من يحاول أن يتلمس لهم عذراً، ويصر على تبرئة مرؤوسيه، وتنزيههم عن الخطأ، وحمايتهم من العقاب، حتى وإن كان هذا (العذر) كقول هذا المسؤول بأن رجاله قد حباهم الله من (خوارق العادات) ما يمنحهم الحق لأن يعتقلوا الناس، ويقتادونهم إلى التحقيق، ويفتشون خصوصياتهم، ويعطلونهم عن مشاغلهم، وواجباتهم، ويفرضون عليهم توقيع التعهدات، انطلاقا من أنهم (أصحاب فراسة) يعرفون بها المسيء من غير المسيء، والمذنب من غير المذنب! .
أسألكم بالله : هل رجل يقول بهذا القول، ويتذرع بمثل هذه الذريعة، ويدفع بمثل هذه الحجة، أهلٌ لأن توكل إليه مثل هذه الأمانة : (نائب رئيس للهيئة)؟
في أي قرن نعيش؟، ومع أي عقول نتعايش بالله عليكم ؟!! . القضية – أيها السادة – مع الهيئة، ومع منسوبيها، لم تعد قضية حفاظ على أخلاق، وإنما هوس بالسلطة، والقمع، وامتطاء الدين لتفريغ شحنات أحقاد من فئة (مفلسة) على فئة أخرى ترى الحياة مشرقة، وهم يرون الحياة مجرد استعداد للموت ليس إلا .
قال تنمية قال ! ... أية تنمية، وأية تحضر، وأية أمة تلك التي تستخدم (الخرافة) في الضبط الأخلاقي! .
ولا نقول لـ (نائب الرئيس المتخلف): الله يخلف علينا وعلى المسلمين .. عبارة ترددها (جدتي)، وأراها هنا عين العقل و بيت الحكمة . جدتي مقارنة بهؤلاء قمة في التحضر و العقلانية !































