المظهر الأول :
تنافسهم في حفظه وقراءته في الصلاة وفي غير الصلاة ،حتى لقد طاب لهم أن يهجروا لذيذ منامهم من أجل تهجدهم به في الأسحار ، ومناجاتهمالعزيز الغفار . وما كان هذا حالاً نادرا فيهم ،
بلورد أن المار على بيوت الصحابة بالليل كان يسمع لها دويا كدوي النحل بالقرآن . وكانالتفاضل بينهم بمقدار ما يحفظ أحدهم من القرآن . وكانت المرأة ترضى بل تغتبط أنيكون مهرها سورة يعلمها إياها زوجها من القرآن .
المظهر الثاني :
عملهم به وتنفيذهم لتعاليمه ، في كل شأن منشؤونهم تاركين كل ما كانوا عليه مما يخالف تعاليمه ويجافي هداياته ، طيبة بذلكنفوسهم ، طيعة أجسامهم ، سخية أيديهم وأرواحهم ، حتى صهرهم القرآن في بوتقتهوأخرجهم للعالم خلقا آخر مستقيم العقيدة قويم العباة طاهر العادة كريم الخلق نبيلالمطمح .
المظهر الثالث :
استبسالهم في نشر القرآن والدفاع عنه وعن هدايتهفأخلصوا له وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه وهو مدافع عنه ، ومنهممن انتظر حتى أتاه الله اليقين وهو مجاهد في سبيله مُضحٍ بنفسه ونفيسه . ولقد بلغالأمر إلى حد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرد من يتطوع بالجندية من الشبابلحداثة أسنانهم وكان كثيرا من ذوي الأعذار يؤلمهم التخلف عن الغزو .
المظهر الرابع :
ذلك النجاح الباهر الذي أحرزه القرآن الكريم فيهداية العالم في زمن قصير جدا .
أولا : تضرع إلى الله سبحانه وتعالى وأكثر من الدعاء بأن يعينك على حفظ القرآن
فإن القرآن كما قال محمد بنواسع : ((... بستان العارفين ، فأينما حلُّوا منه حلُّوا في نزهة )) . واعلم أنالإلحاح في الدعاء من أعظم آداب الدعاء ، قال رسول اللهصلى الله عليهوسلم : ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم ما لميستعجل )) قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : (( يقول : قد دعوت وقد دعوت فلمأرَ يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويَدَع الدعاء )) أخرجه مسلم من حديثأبي هريرة رضي الله عنه . وكما قيل : من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتحله .
ثانيا : اجعل لك وِرْداً يوميا تتلو فيه القرآن
وحبذا أن لا يقل عن جزء في اليوم ،ولا تبدأ عملك اليومي في مدارسة العلم إلا بعد الانتهاء من ورد القرآن . ولا يشغلنكالحفظ عن التلاوة ، فإن التلاوة وقود الحفظ.
ثالثا : داوم على أذكار الصباح والمساء والنوم
،وأيضا المداومة على الأحراز التي تحفظك بإذن الله من الشيطان، فإن الذكر عدوالشيطان قال تعالى : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمروالميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } المائدة آية 91 . فإِنْ حَفِظَك اللهُ من الشيطان استطعت المداومة على تلاوة كتابهوحفظه ، لأن الشيطان نعوذ بالله منه إذا عجز عن إيقاع المسلم في الشرك والبدعوالكبائر والصغائر، وسوس له ودعاه إلى الاشتغال بالمباحات التي لا ثواب فيها ولاعقاب أو يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ، كمن يشتغل بالصلاة النافلة والإمامقائم يصلي الفريضة ، وكمن يشتغل بحفظ الشعر الذي هو كلام البشر ولا يحفظ من القرآنإلا القليل .
رابعا : لا تتخلفن عن مجالس العلماء
، خاصة مجالس القرآن إلا لعذر ، ومقياس هذا العذرأنك لو وعدت في هذا المجلس بعشرة آلاف ريال هل كنت ستتخلف عنها؟؟!!.. البعض لو دعيإلى عقيقة أو وليمة لبى مسرعا ، وإذا مر بمجلس علم ولى مدبرا!! ويقول البعض في هذهالأيام أستطيع سماع هذا المجلس من الأشرطة المسجلة !! ولكن هذا المسكين قد حرم نفسهمن أجر عظيم وهو لا يعلم ، روى مسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله عز وجل ، ويتدارسونه بينهم إلانزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده )) .
خامسا : عليك بالصاحب الذي يساعدك على ذكر الله
، فإن بعض الأصحاب إذا دعوته لتلاوةالقرآن أخبرك بأنه يريد الانصراف لأمر ما ، ولو أنكاسترسلت معه فيحديث غيره ما أخبرك بالانصراف ، فاظفر بالصديق الذي يعينك على تلاوة القرآن فإنهكنز نفيس .
سادسا : إذا صليت وراء إمام ، وكنت تحفظ الآيات التي يتلوها في الصلاة ، فقف مستمعا لا مصحح
ا، فإذا التبست عليه بعض الآيات لتكن نيتك عند التصحيحإجلال كلام الله تعالى وحفظه ، وإلا كما جاء في سنن ابن ماجه بسند صحيح عن أبيهريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من تعلم العلمليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، أدخلهالله جهنم )) .
سابعا : اعلم أن بداية العلم هو حفظ القرآن، وكل آية تحفظها باب مفتوح إلى الله تعالى
،وكل آية لا تحفظها أو أنسيتها باب مغلق ، حال بينك وبين ربك ، واعلمأن المسلم لو عرض عليه ملء الأرض ذهبا لا يساوي نسيانه أقصر سورة في القرآن ، بل لايساوي حرفا واحدا من كتاب الله تعالى ، فينبغي أن يكون حرصك على ما لا تحفظه منالقرآن أكثر من حرصك على أقصر سورة في القرآن.
تنبيه :كره بعض العلماء أن يقال أصغر سورة ، حيث لا صغير فيالقرآن ، وإنما يقال أقصر سورة .
ثامنا : حافظ على الوضوء عند قراءة القرآن مع إحسانه
، ومعنى إحسانه هنا اتباع هدي النبيصلى الله عليه وسلم في الوضوء .
تاسعا : المحافظة على الاستغفار والإكثار منه
، فإننسيان القرآن من الذنوب . قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : إني لأحتسب أن الرجلينسى العلم قد عَلِمَه بالذنب يعمله [ جامع بيان العلم وفضله ]. وجاء في طبقات الحنفية لعلي القارى [2/487] ( وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى ورضيعنه : إذا أشكلت عليه مسألة قال لأصحابه : ما هذا إلا لذنب أحدثته ! وكان يستغفر،وربما قام وصلى ، فتنكشف له المسألة . ويقول: رجوت أني تيب عليّ . فبلغ ذلك الفضيلبن عياض ، فبكى بكاء شديدا ثم قال : ذلك لقلة ذنبه ، فأما غيره فلا ينتبه لهذا ) . وجاء في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر في ترجمة وكيع بن الجراحالكوفي[11/129] : (وهو أحد الأئمة الأعلام الحفاظ ، وقدكان الناس يحفظون تكلفا ، ويحفظ هو طبعا ، قال علي بن خثرم : رأيت وكيعا وما رأيتبيده كتابا قط، إنما هو يحفظ ، فسألته عن دواء الحفظ؟ فقال : ترك المعاصي ، ما جربتمثله للحفظ ) . وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد : ( الذنوب جراحات ، وربجرح وقع في مقتل !! وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله ، وأبعدالقلوب من الله القلب القاسي! وإذا قسا القلب قحطت العين، وقسوة القلب من أربعةأشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل والنوم ، والكلام والمخالطة). ومن آثار المعاصيكما ذكر ابن القيم في الجواب الكافي : ( حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله فيالقلب ، والمعصية تطفىء ذلك النور ) ، ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأعليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال : إني أرى اللهقد ألقى على قلبك نورا ، فلا تطفئه بظلمة المعصية ،
وقال الشافعي :
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنالعلم نور
ونور الله لا يُهدى لعاصي
وذكر ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى في سورةالشورى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } عن الضحاك قال : مانعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ { وما أصابكم من مصيبة ..} الآيةثم قال الضحاك : وأي مصيبة أكبر من نسيان القرآن .
عاشرا : احذر من الغرور بما تحفظه من كتاب الله وتعلم القرآن
، وليكن تعلمك للقرآنابتغاء ما عند الله واكتساب الخشية والسكينة والوقار لا الاستكبار . قال العلامةالمناوي في فيض القدير : ( فإن العلم لا ينال إلا بالتواضع ، وإلقاء السمع ، وتواضعالطالب لشيخ رفعة، وذلُّه له عز ، وخضوعه له فخر . وقال السليمي : ما كان إنسانيجترىء على ابن المسيب ليسأله حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير . وقال الشافعي : كنتأتصفح الورق بين يدي مالك برفق لئلا يسمع وقعها . وقال الربيع -تلميذ الإمامالشافعي (والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر) انتهى.
فانظر رحمني الله وإياك فيأحوال السلف وكيف كان تواضعهم في العلم وشتى أمورهم ، واحذر ثم احذر أن تنظر إلىالناس بعين الاحتقار والتقليل من شأن بعضهم لأنك تحفظ القرآن وهم لا يحفظون فإنهامصيبة أيما مصيبة !!.
حادي عشر : اعلم أخي أن حفظ القرآن نعمة عظيمة على الحافظ لكتاب الله تستحق الشكرحيث يكونالقلب عامرا فاحمد الله أيها الحافظ واشكره على هذه النعمة ، قال تعالى : { وإذتأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}[إبراهيم 7 ] .
هناك بعضالأسباب التي تمنع الحفظ وتعين على نسيان القرآن والعياذ بالله ، ولا بد لمن أرادأن يحفظ القرآن الكريم أن ينتبه لها وأن يتجنبها .. و فيما يلي أهمها :
1- كثرة الذنوب والمعاصيفإنها تنسي العبد القرآن وتنسيه نفسه وتعمي قلبه عنذكر الله وتلاوة وحفظ القرآن .
2- عدم المتابعة والمراجعة الدائمةوالتسميع لما حفظه من القرآن الكريم .
3- الاهتمام الزائد بأمور الدنيايجعل القلب معلقا بها وبالتالي يقسو القلب ولا يستطيعأن يحفظ بسهولة .
4- حفظ آيات كثيرة في وقت قصيروالانتقال إلى
غيرهاقبيل إتقانها .
5- الحماس الزائد للحفظ في البدايةمما يجعله يحفظ كثيرا دون إتقان ثم إذا وجد نفسه غيرمتقن فتر عن الحفظ وتركه .


أسأل الله أن يحببك للقرآن و يحبب القرآن إليك
و أن يجعله فيالسويداء من قلبك حافظاً له عاملاً به مؤنساً
1-اللجوء إلى الله سبحانهو تعالى بالدعاء و التضرع إليه أن يلزم قلبك حفظ كتابه و العمل به على الوجه الذييرضيه عنك
2- اخلص النية إلى الله تعالى و تعبد ربك بتلاوته
3- اعزم على العمل به بفعل أوامره و أجتناب نواهيه
4-تعهد القرآن بالتلاوة وحسن صوتك به
5- اجعل لك حزباً تقرأه كل يوم بمقدار حفظك , فمثلا إذا كنتحافظ للقرآن كاملا فأقل ما تقرأه في اليوم جزءاً
6-اعمل بأمر هذه الآية وهي نفسك للثمره ..قال تعالى : (( و اتقوا الله و يعلمكم الله و الله بكل شيءعليم))
7-و أخيرا ..احذر احذر احذر
أ- العجب و الرياء
ب- أكلالحرام و المتشابه
ج- الإستهزاء بالآخرين ممن لا يحفظ أو لا يعرف يقرأ
د- االمعاصي و الذنوب كبيرها و صغيرها
هـ- ترك المداومة و التعهد بقراءته و لوبأصعب الظروف و لو حصل مثل ذلك فبادر بالقضاء
أسأل الله أن يحببك للقرآن ويحبب القرآن إليك و أن يجعله في السويداء من قلبك حافظاً له عاملاً بهمؤنساً.
يتبع الرجاء عدم الرد
,,