مصر: الزيادات الجديدة في أسعار الوقود ستوفر 608 ملايين دولار
ردود فعل متباينة على القرار وسط تحذيرات من انتعاش التهريب
القاهرة: عادل البهنساوي وهبة القدسي
قالت مصادر رسمية أمس لـ«الشرق الأوسط» إن الزيادات الجديدة التي تم إقرارها منذ يومين على أسعار البنزين والسولار وبعض المنتجات الأخرى ستحقق وفرا يصل إلى 3.5 مليار جنيه (608 ملايين دولار) واعتبرت المصادر أن هذا الوفر لا يمثل سوى قطرة في بحر حيث يصل الدعم على المنتجات إلى 42 مليار جنيه وتخوفت المصادر من عدم تمكن قطاع البترول من الحصول على كامل قيمة الزيادة بالنظر إلى التغيير الذي سيطرأ على تشكيلة المنتجات خلال الفترة المقبلة من حيث طريقة استخدامها بعد الزيادة، فبينما رأت الدولة عدم تحريك أسعار البنزين 80 الذي تستهلكه شريحة كبيرة من محدودي الدخل في مصر خاصة في منطقة الوجه القبلي أبدت المصادر تخوفها من تحول شريحة من المستهلكين للبنزين 90 إلى البنزين 80 وزيادة الضغط على ميزانية الدولة خلال الفترة المقبلة.
وقالت المصادر «لو حدث هذا التحول ستكون كارثة لقطاع البترول بالتأكيد»، وأعلنت المصادر عدم رضاها عن تقاعس قطاع الكهرباء في تسديد فاتورة الوقود للمازوت والغاز حيث وصلت مديونياته إلى 7 مليارات جنيه ولم يسدد خلال الفترة الأخيرة سوى 12% من قيمة استهلاكه للوقود.
وقال مسؤول بقطاع الكهرباء أمس لـ«الشرق الأوسط»: أسعار الغاز ستكون ضربة كبيرة لنا لأنها تعني ارتفاعا شديدا في مدخلات إنتاج الكهرباء في ضوء اعتماد المحطات الحرارية على 90% من وقودها على الغاز وبالنظر إلى تقاعس جهات عديدة بالدولة عن تسديد ما عليها من مديونيات للكهرباء وصلت إلى 8 مليارات جنيه وقال المصدر إن قطاع الكهرباء عجز عن التعامل مع الزيادة قبل الأخيرة في أسعار الغاز بنسبة 40% منذ عامين حيث اتفقت الحكومة على تأسيس صندوق لدعم فروق الزيادات في الغاز ولكن لم ينفذ ذلك حتى الآن وقالت مصادر قطاع البترول إن أرقام الزيادة الجديدة ستكون متغيرة لان قطاع الكهرباء الذي يستهلك مليوني طن مازوت سنويا يمكن أن يتحول إلى الغاز اكثر والذي ارتفع 25% فقط بينما زاد المازوت 40% وسيخلق ذلك مشاكل جديدة وبينما اعتبر البعض أن قرار الزيادة سيرشد الاستهلاك إلى حدود معقولة، فإن المسؤولين رأوا أن الزيادة ستثبت الاستهلاك عند مستوياته الأخيرة وقد توسع شريحة المستهلكين للبنزين 92 عالي الجودة والذي يصل سعره الى 140 قرشا بفارق 10 قروش عن سعر البنزين 90 ويقوم خبراء هيئة البترول حاليا بدراسة دقيقة لمستحقات الهيئة لدى الغير ضمن إطار جديد سيجعل كل مؤسسة في مصر حريصة على تسوية حساباتها بشكل دوري مع العملاء الحكوميين بصرف النظر عن ظروف كل منهم. وكانت آخر زيادة في أسعار البنزين أقرتها الحكومة في شهر يونيو (حزيران) من عام 1992 عندما توقف البرنامج الذي وضعه البنك الدولي وصندوق النقد آنذاك لاعادة هيكلة أسعار الطاقة بسبب ضغوط مكثفة على الحكومة المصرية. ويشير مركز المعلومات بمجلس الوزراء إلى أن 24% ممن يملكون سيارة ينفقون من 100 إلى 150 جنيها شهريا على البنزين وان 42% ممن يستخدمون المواصلات العامة ينفقون اقل من 50 جنيها شهريا على المواصلات وتدعم الحكومة المنتجات البترولية بأكثرمن 70% من تكلفتها وتشير الإحصائيات إلى أن 90% من الفئات التي تستخدم الوقود تركز على أنواع 80 و90، بينما يستخدم 10% فقط الأنواع الأعلى. وخلال عام مضى طلبت جهات رسمية وبرلمانية من الحكومة تحريك الأسعار كما أبدى الملحق التجاري الأميركي جيمس جوى استغرابه أثناء لقاءات مع العديد من المسؤولين المصريين أخيرا من ثبات سعر الطاقة وكون البنزين في مصر ارخص من كل بلاد العالم ما عدا إيران. وعلى صعيد انعكاسات القرار على المنتجين والمستهلكين والصناع قال كثيرون لـ«الشرق الأوسط» إن أسوأ ما في القرار انه جاء بعد موجة طويلة من التغني بزيادة موارد مصر من النقد الأجنبي الآتي من صادرات الغاز والبترول. كما أن الحكومة لم تكشف أبدا بصورة عملية تكلفة إنتاج البنزين والكيروسين والغاز (من سطح الحقل)، وأشاروا إلى انه كان واضحا منذ عرض وزير البترول المصري خطة وزارته في أواخر 2004 بشأن الاستهلاك.
ويبدو أن الحكومة عازمة على زيادة الأسعار بما يناقض ما يقال أن السبب هو الأسعار العالمية.
والمعروف أن مذيعة برنامج البيت بيتك في التلفزيون المصري كانت قد أبعدت لأنها أذاعت على الهواء منذ شهرين أن أسعار البنزين ارتفعت ولم يكن القرار قد صدر. وقد عابت اغلب الصحف على رئيس الحكومة فجائية القرار لكن الرجل كان قد أكد في وقت سابق أن القرار سيصدر دون إعلان عندما يأتي الوقت حتى لا يتلاعب الموزعون بالسوق. وذهب سياسيون إلى حد القول إن القرار قد يطيح بمن أصدروه غير أن المؤكد هو أن ردود الفعل لم تكن بالحدة المتوقعة في بلد هاجت فيه الدنيا عام 1977 بسبب زيادات في أسعار الخبز والبوتاجاز.
وقال الدكتور سيد الخراشى مستشار لجنة الصناعة بمجلس الشورى والخبير البترولي إن القرار كان حتميا وانه تأخر ولا بد من زيادات أخرى لكن يجب ان تكون تدريجية. وأوضح هشام مكاوى رئيس «بي بي» أن اكثر الشركات التي ستستفيد هي شركات التوزيع مثل شل وكلتكس واسو وموبيل والتي طالما طالبت الحكومة برفع الأسعار.
وأكد أن تغيير الأسعار ستكون له انعكاسات إيجابية على الاستثمارات في هذا المجال في مصر موضحا انه لا توجد تأثيرات مباشرة على الشركات البترولية التي تعمل في مجال التنقيب والبحث والإنتاج وانما تأثير غير مباشر حيث ستؤدي الزيادة في الأسعار إلى تحسن في مصادر دخل الحكومة بما يؤثر إيجابيا على مناخ الاستثمار والشركات العاملة في مصر.
وأشار حمدي أبو النجا الخبير البترولي إلى حالة الارتباك التي أصابت الشارع المصري بعد تلك الزيادات التي ستؤدي إلى ارتفاع مواز في أسعار النقل والخدمات وأسعار السلع الإنتاجية سواء التي لها علاقة مباشرة بالنقل أو التي ليس لها علاقة، موضحا أن تلك الزيادة قد تؤدي الى خفض الاستهلاك إلى حد ما. وحذر الخبير البترولي من عمليات تهريب البنزين المصري إلى خارج مصر للاستفادة من فروق الأسعار حيث يتم تهريب البنزين عبر الحدود المصرية إلى شمال السودان التي يباع فيها لتر البنزين بسته جنيهات.
من جانب آخر كانت ردود الفعل حول زيادات أسعار الغاز الطبيعي للمنشآت الصناعية ضعيفة نسبيا حيث وضح جلال الزوبة رئيس تحاد الصناعات المصرية أن مجتمع الصناعيين كان يتوقع ارتفاع الأسعار رغم عدم وجود آية مفاوضات بين الحكومة المصرية ومجتمع رجال الأعمال حول رفع تكلفة أسعار الغاز والطاقة، الا أن الارتفاعات العالمية لأسعار البترول والغاز جعلت الاستعداد لهذه الارتفاعات متوقعا، ويشير إلى أن اكثر الصناعات تضررا بتلك الزيادة هي التي تعتمد على الغاز الطبيعي بنسبة عالية في التصنيع مثل صناعة الحديد والصلب وصناعة الأسمنت والألومنيوم وصناعة الأسمدة.
وأشار الزوربة إلى أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي سيؤدي إلى رفع تكلفة الانتج لكنه لن يؤدي إلى انخفاض في المشروعات الصناعية القادمة لمصر لان أسعار الطاقة والغاز رغم هذه الزيادة لا تزال الأرخص في المنطقة العربية.