أولاً: شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ..
سُئِلَ : - عَنْ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي " كَيْفِيَّةِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " هَلْ هُمَا " جِسْمَانِ كُرِّيَّانِ " ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا كُرِّيَّانِ ; وَأَنْكَرَ الآخَرُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقَالَ : لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ وَرَدَّهَا فَمَا الصَّوَابُ ؟
فَأَجَابَ :
(( السَّمَاوَاتُ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ .
مِثْلُ : أَبِي الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي أَحَدِ الأَعْيَانِ الْكِبَارِ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَد وَلَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ .
وَحَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَرَوَى الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ بِالأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَذَكَرُوا ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِالدَّلائِلِ السَّمْعِيَّةِ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا دَلائِلُ حِسَابِيَّةٌ .
و َلا أَعْلَمُ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفِينَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ; إلا فِرْقَةٌ يَسِيرَةٌ مَنْ أَهْلِ الْجَدَلِ لَمَّا نَاظَرُوا الْمُنَجِّمِينَ فَأَفْسَدُوا عَلَيْهِمْ فَاسِدَ مَذْهَبِهِمْ فِي الأَحْوَالِ وَالتَّأْثِيرِ خَلَطُوا الْكَلامَ مَعَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي الْحِسَابِ وَقَالُوا عَلَى سَبِيلِ التَّجْوِيزِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُرَبَّعَةً أَوْ مُسَدَّسَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ; وَلَمْ يَنْفُوا أَنْ تَكُونَ مُسْتَدِيرَةً لَكِنْ جَوَّزُوا ضِدَّ ذَلِكَ .
وَمَا عَلِمْت مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدِيرَةٍ - وَجَزَمَ بِذَلِكَ - إلا مَنْ لا يُؤْبَهُ لَهُ مِنْ الْجُهَّالِ .
وَمِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) .
وَقَالَ تَعَالَى : (( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ : فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِالاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ : أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ ; لاسْتِدَارَتِهَا .
فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ " الْفَلَكَ " هُوَ الْمُسْتَدِيرُ وَالْمَعْرِفَةُ لِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ : مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مِنْ السَّلَفِ وَمِنْ اللُّغَةِ : الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ .
وَقَالَ تَعَالَى : (( يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ )) .
قَالُوا : وَ " التَّكْوِيرُ " التَّدْوِيرُ يُقَالُ : كَوَّرْت الْعِمَامَةَ وَكَوَّرْتهَا : إذَا دَوَّرْتهَا وَيُقَالُ : لِلْمُسْتَدِيرِ كَارَةٌ وَأَصْلُهُ " كورة " تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا .
وَيُقَالُ أَيْضًا : " كُرَةٌ " وَأَصْلُهُ كُورَةٌ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ عَيْنُ الْكَلِمَةِ كَمَا قِيلَ فِي ثُبَةٍ وَقُلَةٍ .
وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَسَائِرُ أَحْوَالِ الزَّمَانِ تَابِعَةٌ لِلْحَرَكَةِ ; فَإِنَّ الزَّمَانَ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ ; وَالْحَرَكَةُ قَائِمَةٌ بِالْجِسْمِ الْمُتَحَرِّكِ فَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ التَّابِعُ لِلْحَرَكَةِ التَّابِعَةِ لِلْجِسْمِ مَوْصُوفًا بِالاسْتِدَارَةِ كَانَ الْجِسْمُ أَوْلَى بِالِاسْتِدَارَةِ .
وَقَالَ تَعَالَى : (( مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ )) .
وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ إلا أَجْسَامُ مَا هُوَ مُتَشَابِهٌ .
َأَمَّا التَّثْلِيثُ وَالتَّرْبِيعُ وَالتَّخْمِيسُ وَ التَّسْدِيسُ وَغَيْرُ ذَلِكَ : فَفِيهَا تَفَاوُتٌ وَاخْتِلافٌ بِالزَّوَايَا وَالأَضْلاعِ لا خِلافَ فِيهِ وَ لا تَفَاوُتَ ; إذْ الاسْتِدَارَةُ الَّتِي هِيَ الْجَوَانِبُ .
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي سُنَنِ أَبِي داود وَغَيْرِهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جهدت الأَنْفُسُ وَهَلَكَ الْمَالُ ; وَجَاعَ الْعِيَالُ فَاسْتَسْقِ لَنَا ; فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك وَنَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ : فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ : (( وَيْحَك إنَّ اللَّهَ لا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ إنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ هَكَذَا وَ قَالَ بِيَدِهِ مِثْلُ الْقُبَّةِ وَ أَنَّهُ يَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ الْجَدِيدِ بِرَاكِبِهِ )) .
فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعَرْشَ عَلَى السَّمَوَاتِ مِثْلُ الْقُبَّةِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْعُلُوِّ وَالإِدَارَةِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَسَقْفُهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ )) .
وَ الأَوْسَطُ لا يَكُونُ أَوْسَطَ إلا فِي الْمُسْتَدِيرِ .
وَ قَدْ قَالَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ : السَّمَاءُ عَلَى الأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ .
وَ الآثَارِ فِي ذَلِكَ لا تَحْتَمِلُهَا الْفَتْوَى ; وَإِنَّمَا كَتَبْت هَذَا عَلَى عَجَلٍ .
وَالْحِسُّ مَعَ الْعَقْلِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَعَ تَأَمُّلِ دَوَرَانِ الْكَوَاكِبِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْقُطْبِ فِي مَدَارٍ ضَيِّقٍ حَوْلَ الْقُطْبِ الشَّمَالِيِّ ثُمَّ دَوَرَانِ الْكَوَاكِبِ الْمُتَوَسِّطَةِ فِي السَّمَاءِ فِي مَدَارٍ وَاسِعٍ وَكَيْفَ يَكُونُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَفِي آخِرِهِ ؟ يُعْلَمُ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ مَنْ رَأَى حَالَ الشَّمْسِ وَقْتَ طُلُوعِهَا وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا فِي الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ عَلَى بُعْدٍ وَاحِدٍ وَشَكْلٍ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ عَلِمَ أَنَّهَا تَجْرِي فِي فَلَكٍ مُسْتَدِيرٍ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَبَّعًا لَكَانَتْ وَقْتَ الاسْتِوَاءِ أَقْرَبَ إلَى مَنْ تُحَاذِيهِ مِنْهَا وَقْتَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَدَلائِلُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ .
وَأَمَّا مَنْ ادَّعَى مَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَهُوَ مُبْطِلٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ مَعَهُ دَلِيلا حِسَابِيًّا ; وَهَذَا كَثِيرٌ فِيمَنْ يَنْظُرُ فِي الْفَلَكِ وَأَحْوَالِهِ كَدَعْوَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّهُ يَغْلِبُ وَقْتَ طُلُوعِ الْهِلالِ لِمَعْرِفَةِ وَقْتِ ظُهُورِهِ بَعْدَ اسْتِسْرَارِهِ بِمَعْرِفَةِ بَعْدَهُ عَنْ الشَّمْسِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ وَضَبْطِهِمْ " قَوْسَ الرُّؤْيَةِ " وَهُوَ الْخَطُّ الْمَعْرُوضُ مُسْتَدِيرًا - قِطْعَةٌ مِنْ دَائِرَةٍ - وَقْتَ الِاسْتِهْلالِ .
فَإِنَّ هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ الأَعْلامُ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَمَلِ بِذَلِكَ فِي الْهِلالِ ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْحِسَابِ الْعُقَلاءُ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ ظُهُورِ الْهِلالِ لا يُضْبَطُ بِالْحِسَابِ ضَبْطًا تَامًّا قَطُّ .
وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ حُذَّاقُ الْحِسَابِ ; بَلْ أَنْكَرُوهُ .
و َإِنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ تَقْرِيبًا وَذَلِكَ ضَلالٌ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَتَغْيِيرٌ لَهُ شَبِيهٌ بِضَلالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْهِلالِ إلَى غَايَةِ الشَّمْسِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الْقُرْصَيْنِ الَّذِي هُوَ الاسْتِسْرَارُ ; وَلَيْسَ بِالشُّهُورِ الْهِلالِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَ النَّسِيءُ الَّذِي كَانَ فِي الْعَرَبِ : الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ - الَّذِي يَضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا - مَا ذَكَرَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : (( إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَ لا نَحْسِبُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ )) .
فَمَنْ أَخَذَ عِلْمَ الْهِلالِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ بِالْكِتَابِ وَالْحِسَابِ فَهُوَ فَاسِدُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ .
وَالْحِسَابُ إذَا صَحَّ حِسَابُهُ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُهُ ضَبَطَ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَقْتَ الْغُرُوبِ مَثَلا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بُعْدَ الْقَمَرِ عَنْ الشَّمْسِ لَكِنَّ كَوْنَهُ يُرَى لا مَحَالَةَ أَوْ لا يُرَى بِحَالِ لا يُعْلَمُ بِذَلِكَ .
فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ تَخْتَلِفُ بِعُلُوِّ الْأَرْضِ وَانْخِفَاضِهَا وَصَفَاءِ الْجَوِّ وَكَدَرِهِ وَكَذَلِكَ الْبَصَرُ وَحِدَّتُهُ وَدَوَامُ التَّحْدِيقِ وَقِصَرُهُ وَتَصْوِيبُ التَّحْدِيقِ وَخَطَؤُهُ وَكَثْرَةُ الْمُتَرَائِينَ وَقِلَّتُهُمْ وَغِلَظُ الْهِلالِ وَقَدْ لا يُرَى وَقْتَ الْغُرُوبِ .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَزْدَادُ بُعْدُهُ عَنْ الشَّمْسِ فَيَزْدَادُ نُورًا وَيَخْلُصُ مِنْ الشُّعَاعِ الْمَانِعِ مِنْ رُؤْيَتِهِ ; فَيَرَى حِينَئِذٍ .
وَكَذَلِكَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى قَوْسٍ وَاحِدٍ لِرُؤْيَتِهِ بَلْ اضْطَرَبُوا فِيهِ كَثِيرًا وَ لا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا مَرْجِعُهُ إلَى الْعَادَةِ وَلَيْسَ لَهَا ضَابِطٌ حِسَابِيٌّ .
فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْقِصُهُ عَنْ عَشْرِ دَرَجَاتٍ .
وَمِنْهُمْ : مَنْ يَزِيدُ .
وَفِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ أَقْوَالٌ مُتَقَابِلَةٌ مَنْ جِنْسِ أَقْوَالِ مَنْ رَامَ ضَبْطَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ الْمُوجِبِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمُخْبَرِ وَلَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ عَدَدِيٌّ إذْ لِلْعِلْمِ أَسْبَابٌ وَرَاءَ الْعَدَدِ كَمَا لِلرُّؤْيَةِ .
وَهَذَا كُلُّهُ إذَا فُسِّرَ الْهِلالُ بِمَا طَلَعَ فِي السَّمَاءِ وَجُعِلَ وَقْتُ الْغَيْمِ الْمُطْبِقِ شَكًّا .
أَمَّا إذَا فُسِّرَ الْهِلالُ بِمَا اسْتَهَلَّهُ النَّاسُ وَأَدْرَكُوهُ وَظَهَرَ لَهُمْ وَأَظْهَرُوا الصَّوْتَ بِهِ انْدَفَعَ هَذَا بِكُلِّ تَقْدِيرٍ .
وَالْخِلافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَد وَ غَيْرِهِ وَ الثَّانِي قَوْل الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ )) .
المصدر ( مجموع الفتاوى ، 6 / 587)