الحمد لله الذي لا عزّ إلا في التذلل لعظمته
ولا غنى إلا في الإفتقار لرحمته ولا هدى إلا في الإستهدا بنور
ولا حياة إلا في رضاه ولا نعيم إلا في قربه ولا صلاح ولا فلاح إلا في الإخلاص له وتوحيد حبه
والصلاة والسلام على خير الورى وسيد البشر وأشرف الخلق
وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وصدق
وبعد ,,,
أحبتي في الله محبة النبي صلى الله عليه وسلم ...
أصل من أصول الإيمان انطمست معالمه عند كثير من المسلمين وقصّرنا فيه أيما تقصير إلا من رحم الله
لذلك كانت هذه الكلمات التى تلقي لنا الضوء على مفهوم المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حكما ومعنى
ثم نتبعها بشواهد ودلائل محبة النبي صلى الله عليه وسلم
وأخيرا مشاهد ومواقف من حياة السلف رضوان الله عليهم توضح لنا عمليا كيف تكون المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ........... والله الموفق والمستعان
محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل إيماني وواجب شرعي وبغضه ناقض إيماني وفساد اعتقادي
كمال حبه من كمال الإيمان ونقصه من نقص الإيمان . قال صلى الله عليه وسلم كما في مسلم :
{ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين } رواه مسلم 62
والله ما محبته كلمات تقال ولا قصص تُثار . إنها عمل من أجلِّ أعمال القلوب
وعاطفة يجدها المحب في قلبه تدفع لإتباعه وإن تفاوتت لقوة الإيمان وضعفه .
إنها رابطة من أوثق الروابط التي تربط المسلم برسول الله صلى الله عليه وسلم
وتجعل إرادته متوجهة إلى تحصيل ما يحبه الله ورسوله .
وهي مع ذا محبة تابعة لمحبة الله كما قال شيخ الإسلام رحمه الله .
فليس في الوجود من يستحق أن يُحب لذاته من كل وجه إلا الله وكل محبوب سواه فمحبته تبع له
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يُحب لإجل الله ويُطاع لإجل الله .
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31
روى البخاري من حديث بن هشام قال :
{ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال له عمر يا رسول الله
لأنت أحب إلىّ من كل شيئ إلا من نفسي . فقال صلى الله عليه وسلم لا والذي تفس بيده
حتى أكون أحب إليك من نفسك يا عمر . فقال عمر فإنه الآن والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الآن يا عمر" }
أي عرفت الآن فنطقت بما يجب يا عمر كما يقول بن حجر
نعم معشر الإخوة حتى يكون أحب إليك من نفسك وذلك مرتقى عال لا يصل إليه القلب إلا بمجاهدة طويلة
وترويض دائم ويقظة مستمرة ورغبة تستنزل عون الله فما تعسر مطلبا أنت طالبه بالله .
نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل لتلك المحبة
أولا : لحب الله واصطفائه له فهو خليله { اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }الأنعام124
ثانيا : لأنه رحمة للعالمين فعموم العالمينحصل لهم النفع برسالته
أما أتباعه فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة وأما من قتلهم من المحاربين له فذلك لهم رحمة
لأن طول أعمارهم في الكفر تغليظ للعذاب عليهم في الآخرة وأما المعاهدون له تحت ظله وعهده
وذمته خير معيشة . وأما المنافقون فقد حصل لهم بإظهار الإيمان حقن دمائهم وأموالهم
وجريان أحكام المسلمين عليهم . فهو رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم .
ثالثا : لكمال رحمته ورأفته بأمته خاصة { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128
يا رب فاجمعنــا غـــدا بنبينـــا .... في جنّة تثني عيـون الحسّد
في جنّة الفردوس فاكتبها لنا .... يا ذا الجلالة والعلى والسؤدد
معشر الإخوة : ولما كثر المدعون للمحبة طولبوا بالبينة على صحة ما ادعوا
فإن كنت في دعوى المحبة صادقا ....... ففي شرعنا برهان دعوى المحبة
وفي شرعنا أن المحبـــة طــــاعـــة ....... وسير على منــــهاج خير البــرية
فيا عبد الله قلب ناظريك في هذه الشواهد والبراهين فإن توفرت فيك فاحمد الله وسل الثبات على ذلك
وإن فقدت بعضها أو كلها فحاسب نفسك قبل أن تحاسب .
الشاهد الأول
الحرص على رؤيته وصحبته صلى الله عليه وسلم حيّا وميتا . من أحب حقا رغب في صحبته ورفقته
في الدنيا والآخرة لو خُيّر بين نعيم الدنيا وبين رؤيته ما اختار شيئا على رؤيته
الشاهد الثاني
بذل النفس والمال دونه صلى الله عليه وسلم . فكل محب صادق يترقب فرصة يتمكن فيها من بذل روحه
وما ملكت يمينه لمن أحب وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم ذاك الرجل
ومَن بعدهم يجدون الحسرة في قلوبهم لفوات تلك الأمنية فيبذلونها لنصرة شريعته وسنّته جعلنا الله وإياكم منهم
الشاهد الثالث
امتثال أوامره واجتناب نواهيه صلى الله عليه وسلم { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا }الحشر7
من أحب محمدا صلى الله عليه وسلم كان هواه تبعا لما جاء به وكان صورة متحركة للإسلام
يتجلى الإسلام في جميع تصرفاته . ومواقف صحبه رضي الله عنهم تنطق بذلك وتوؤكده
إن عُد أهل التقى كانوا أئمتهم ...... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
الشاهد الرابع
محبة من أحبهم صلى الله عليه وسلم من صحابته الأبرار وأهل بيته الأطهار فهو برهان محبته
الشاهد الخامس
الذبّ عنه صلى الله عليه وسلم والتصدي اللمغرضين والمنافقين والمستشرقين والمستغربين
الذين يبثون سمومهم محاربة لله ودينه ورسوله ولإوليائه الصالحين ولنا فيه صلى الله عليه وسلم أسوة
ها هو ذا ينتدب من أصحابه من يذب عنه ويكفيه المشركين فيقول :
{ من يردهم عنّا وله الجنّة } رواه مسلم 3344
الشاهد السادس
توقيره صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة عليه والتأدب عند ذكره والأدب في مسجده
مع شوق له حتى بعد موته
تالله ما حملت بمثل محمد .... أنثى ولا نال الورى كفوا له
=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=ّّّّّّّّّّّّّّّّّّ
ولقد نال المحبون الصادقون النصيب الأوفى من توقيره فحل منهم محل الروح والنفس وشغل القلب والعين
فوقروه توقيرا لم ترى العين له مثلا ولا خطرت أوصافه على أذنين .
فهلموا معي أخوتي في الله إلى وقفة نقفها معا على مشاهد من حياة هذه الصفوة المختارة ممن صدقوا في محبتهم
لتحكي لنا حياة جيل لا كالأجيال ورجال لا كالرجال وأبطال لا كالأبطال
فما أحوجنا إلى أن نتتبع خطاهم ونتلمس العزة في طريقهم ونسير على هديهم { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }الأنعام90
المشهد الأول
حرام بن ملحان رضي الله عنه
إمام سوى أن الشجاعة تاجه .... هزبر سوى أن البلاغة غابه
طُعن من الخلف وهو يبلّغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنفذه الرمح وبقيت لديه فرصة
للتعبير عما يدور بنفسه من غبطة بتبليغ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فقام ينضح الدم على وجهه
ويقول "الله أكبر فزتُ ورب الكعبة "
فهزّ الموقف قاتله فكان سببا في إسلامه فرضي الله عنه وأرضاه
=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=
المشهد الثاني
زيد بن الدُثنة
لمّا وقع أسيرا في أيدي مشركي مكة فأمسكوا به وأرادوا أن يصلبوه حتى الموت
فقال له أبو سفيان ـ قبل إسلامه ـ ننشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا مكانك تُضرب عنقه وأنك آمن في أهلك ؟
فقال في شجاعة فذة ومحبة صادقة وحزم نافذ :
والله ما يسرني أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكحة تؤذيه وأني آمن في أهلي
=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=
المشهد الثالث
أحمد بن حنبل
يختفي شيخ أهل السنّة وإمام هذه الأمّة أحمد بن حنبل عليه رحمة الله عند بن هانئ ثلاثة أيام في وقت المحنة
ثم قال لابن هانئ اطلب لي موضعا أتحول إليه . فقال بن هانئ لا آمن عليك يا أبا عبد الله
قال : افعل لو فعلت أفدتك
قال بن هانئ فطلبت له موضعا آخرا فلما خرج قلت الفائدة يا إمام
قال : لقد اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ثم تحول
وليس ينبغي أن يُتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرخاء ويترك في الشدة
=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**=**
معشر الأحبة :
بتلك المحبة سارت الأمة على اسم الله في نهار ضاحك وضّاح
فصارت مثلا في المبادئ ساميا وذكرا في الأفواه ذائعا وثناءً على الشفاه شائعا
وكانوا أزكى وأبقى على الأرض من أثر الغمام المنهل .
بمثل هذه المحبة ترتفع راية الله في أرض الله ويومها يفرح المؤمنون بنصر الله
اللهم إنّا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترزقنا محبة صادقة لنبيك صلى الله عليه وسلم
ننال بها رضاك وتوردنا بها حوضه وتجمعنا بها معه في جنتك بمّنك وكرمك ورحمتك
منقول بتصرف
.