بِسْمِ اللـَّهِ الرَّحـْمـَنِ الرَّحِـيمِ
السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُه
قال الله عز و جل " وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) " . الأعراف .
و قال سبحانه و تعالى " وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) " . الأنعام .
قال رسول الله صلي الله عليه و سلم " لا يغني حذر من قدر ، [ و الدعاء ينفع مما نزل ، و مما لم ينزل ، و إن البلاء لينزل ، فيتلقاه الدعاء ، فيعتلجان إلى يوم القيامة ] " . حسنه الأباني في صحيح الجامع 992 .
. الله أكبر ، الله سبحانه و تعالي ، و هو الغني عنا ، و هو العزيز ، لا تنفعه طاعتنا و لا تضره معصيتنا ، و لكنه سبحانه يريد أن يتوب علينا ، يريد أن نرجع إليه و نتضرع و نذل بين يديه ، يريدنا أن نمد أكف الضراعة و نلبس ثوب الحاجة و الإفتقار له سبحانه ، يريدنا أن نقوم مقام العبودية ، و ندعوه سبحانه و نرجوه و نلح عليه أن يرفع عنا البلاء و أن يخفف عنا و أن يرحمنا ، فمن لنا سواه ، سبحانه الرحيم الرحمن .
يقول عزَّ من قائل " وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) " . النساء .
وللإمام عز الدين محمد بن عبد السلام رحمه الله لفتات طيبة في هذا الموضوع ، ننقلها بطولها لأهميتها ، قال :
" و للمصائب و المحن فوائد تختلف باختلاف رتب الناس :
أحدها: معرفة عز الربوبية و قهرها.
الثاني :معرفة ذل العبودية وكسرها ، وإليه الإشارة يقول تعالى: { الَذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ } ، اعترفوا بأنهم ملكه وعبيده ، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره ، لا مفر لهم منه ولا محيد لهم عنه.
الثالثة : الإخلاص لله تعالى ، إذ لا مرجع في رفع الشدائد إلا إليه : { وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ }.
الرابعة : التضرع والدعاء : { وإذَا مَسَّ الإنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا } .
الخامسة :تمحيصها للذنوب والخطايا : « ولا يصيب المؤمن وصب ولا نصب حتى الهم يهمه والشوكة يشاكها إلا كفر به عن سيئاته » رواه مسلم.
" ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة يكرهها ؛ إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة وطهورا مالم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله ، أو يدعو غير الله في كشفه . " . حسنه الألباني في صحيح الترغيب 3401 .
" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط . " . حسنه الألباني في صحيح الترغيب 3407 .
" ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة . " . صححه الألباني في صحيح الترغيب 3414 .
" يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض . " . حسنه الأباني في صحيح الترمذي 2402 .
السادسة : ما في طيها من الفوائد الخفية : { فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } ، ولما أخذ الجبار سارة من إبراهيم عليه السلام كان في طــي تلك البلية أن أخدمها هاجر ، فولدت إسماعيل لإبراهيم عليهما السلام ، فكـان من ذرية إسماعيل خاتم النبيين ، فأعظم بذلك من خير كان في طى تلك البلية.
السابعة : إن المصائب والشدائد تمنع من الأشر والبطر والفخر والخيلاء والتكبر والتجبر.
ولهذه الفوائد الجليلة كان أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمـثـل ، كالذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، وتغربوا عن أوطانهم ، وتكاثر أعداؤهم ، ولم يشبع سيد الأولين من خبز مرتين ، وأوذي بأنواع الأذية ، وابتلي في آخر الأمر بمسيلمة وطليحة والعنسي ، قال عليه الصلاة والسلام : « مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح تصرعها مرة وتعدلها مرة حتى تهيج ».
الثامنة :الرضا الموجب لرضوان الله تعالـى ، فإن المصائب تنزل بالبر والفاجر، فمن سخطها فله السخط ومن رضيها فله الرضا . " انتهي - بتصرف -
. و مع ذلك يأمرنا الرسول - صلي الله عليه و سلم - ، بالتعوذ من البلاء و سؤال الله العافية ، و ينصحنا بالتالي :
" تعوذوا بالله من جهد البلاء ، و درك الشقاء ، و سوء القضاء ، و شماتة الأعداء " . صحيح الجامع 2968 .
" لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قالوا : وكيف يذل نفسه ؟ قال : يتعرض من البلاء لما لا يطيق " . صححه الأباني في صحيح الترمذي 2254 .
" سل الله العفو و العافية في الدنيا و الآخرة ، سل الله العفو و العافية في الدنيا و الآخرة فإذا أعطيت العافية في الدنيا و الآخرة فقد أفلحت " . صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد 495 .
" سلوا الله العفو والعافية ، فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية . " . صححه الأباني في صحيح الترغيب 3387 .
من رأى صاحب بلاء فقال : ( الحمد لله الذي عافني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ) ؛ لم يصبه ذلك البلاء . " . صححه الألباني في صحيح الترغيب 3392 .
اللهم إنا لا نتطلبها ، ونقول سـنـصـبـر عليهـا أو نحن مستعدون لها ، فلا يجوز لمسلم أن يعرض نفسه للفتنة و قد لا يصبر عليها ، أو يـضـع نفـسه موضع الذل والهوان ، أو موضع المتسلط عليه من الكفار ، فنصبح فتنة للذين كفروا ، و لـكـن إذا تـعـرض الـمـسلم للمصائب و المحن بقدر من الله و لحكمة يريدها الله ، فلابد أن يصبر و يتقي الله ، و بعدهـا يؤتي الله نصره من يشاء ، و عندما يتعرض المسلمون للمحن و الرزايا فلاشك أن في ذلك فوائـد كثـيـرة يريدهــا الله ، كتمحيص الصفوف و معرفة الصابرين المجاهدين ، و الدخلاء الذين هم غثاء كغثاء السيل.
. جزاكِ اللهُ خيرا ً أختي الفاضلة علي الموضع الهام ، باركَ اللهُ فيكِ و غفر لكِ و اعذريني علي المداخلة .
. و أود من إخواني الأفاضل سماع هذا الدرس الماتع .
. ليس دوما ً يبتلي ليُعذب ، بل قد يبتلي ليصطفي و يُهذب .
... وَ السَّـلاَمُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّـهِ وَ بَرَكَاتُهْ ...