لعلها فكرة بحاجة إلى إعادة النظر، إدعاء الإنسان أنه الكائن الأفضل في هذا الكون.
تمكن الإنسان من الوقوف على قدميه بصعوبة مما سبب له آلام أسفل الظهر، واستطاعت بعض الأنواع البشرية ممارسة السباحة ، وهي مهارات خارقة لا تتوفر لدى سائر البشر، ومنهم أنا ، مما جعلني أعاني من عقدة مزمنة وشعور بالنقص أمام أصدقائي - الذين يتقنون السباحة- والسمك أيضا ، ولكن هذا الكائن المغرور المسمى بالإنسان ، أتقن كل المهارات ولم يتمكن من الطيران إلا بمعونة آلات ضخمة ثقيلة وقبيحة وقابلة للسقوط في أية لحظة وهي الطائرات ، بينما تظل الطيور هي الكائنات الأجمل والأبهى ، فهي تستطيع إضافةً إلى الطيران أن تمشي فوق اليابسة وتعوم فوق الماء ، وتتناول غدائها من الأرض والماء والفضاء .
كثيرا ما كنت أحلم بأنني أطير، أقف على حافة الشرفة وأفرد ذراعيّ في الهواء ، فتتحولان إلى جناحين .. وأطير ، يحتاج الوصول إلى جبل اللويبدة من جبل عمان إلى قفزةٍ واحدة ، فتحملني الريح وأرى المدينة من الأعلى ، كل التفاصيل والعمارات صغيرة من تحتي وأنا أتجول في الفضاء كنسمة عابرة لكل الحدود ، ولما صّرحت للأصدقاء عن هذا الحلم الذي كنت أظنه إمتيازاً خاصاً بي ، قال لي بضعهم أنهم يحلمون مثلي ، أنهم يطيرون ، لم أُصدقهم بالطبع ، لأنني خلال كل جولاتي الفضائية لم أشاهد أحدا منهم يطير بالقرب مني ، أو في أي ركن قريب أو قصيَ من السماء ، دائما أحب أن أطير لوحدي ، والوقت الذي أختاره للطيران هو الأزرق الفضي ، هي لحظة شاعرية أنتظرها كل يوم ، المنطقة الزمنية الفاصلة بين نهايات الليل وبدايات الفجر ، ألأزرق الليلكي الأخّاذ ممتزجا بفضة الفجر القادم من بعيد ، هي الوقت الأنسب للطيران ، وهي فترة قصيرة تشبه ومضةً من الزمن .
ذات حلم أسرفت في الطيران ، كنت منتشيا حد الثمالة ، حتى فاجأتني الشمس ، التي لا تحب مثل هؤلاء الأطفال الحالمين ، فأسقطتني على الأرض بقسوة ، لأصحو من نومي- وحلمي – فزعاً ، ولعل الذكريات تجمعت في هذه اللحظة المضغوطة والمرتبكة من الزمن..
فيما مضى .. هاهي أمي تزجرني لأنهض من فراشي كي أذهب للمدرسة التي لم أحبها يوما، أو أنها زوجتي - الآن - ترجوني أن أصحُو لكي اذهب إلى عملي لملاقاة عدد من الزبائن الثقلاء الذين لا أطيقهم .. منذ فترة طويلة إفتقدت هذا الحلم الجميل ، لم أعد أطير !! صرت أجلس متثاقلا على ذات الشرفة كل يوم ، وأراقب القطط التي تتجول في الحي ، وتعبث بأكياس القمامة ، وأحسدها على هذه الحرية .