هذا تفريغ لأحد أشرطة سلسلة الهدى والنور من الدروس العلمية والفتاوى الشرعية للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، وهذا الشريط الرابع والثلاثين بعد الثلاثمائة على واحد ...

(الشيخ: ... وجد اسم أول ما تقزز به بدننا هذا الاسم (الاشتراكية الإسلامية) ثم كرّت السُّبحة ، فدخل (البنك الإسلامي) ودخلت (الأناشيد الإسلامية) وأشياء كثيرة كثيرة جداً، لماذا ؟
لأن بعضَ الناس انتبهوا أن العالم الإسلامي فعلاً استيقظ من غفلته ومن نومته العميقة الطويلة ، فأخذ يعود إلى الإسلام رويداً رويداً ، فانتبَه أصحاب المصالح بأن هناك أحكاماً تخالف الشريعة فأخذوا يبررونها ويلونونها ، ومن ذلك يسمونها بغير اسمها، فيجب أن نتنبه لهذه الحقيقة من تغيير حقائق بتغيير الأسماء منها : " الأناشيد الإسلامية " .
لا يوجد في الإسلام طيلة أربعة عشر قرناً أناشيد تسمى بالأناشيد الإسلامية .
هذا من مخترعات العصر الحاضر، تسليك لما كان سالكاً في طيلة القرون الماضية، ولكن مع إنكار طائفة من كبار العلماء لذلك الأمر السالك، وهو أغاني الصوفية في مجالسهم التي يسمونها بـ ( مجالس الذكر) .
أيضاً هذا من باب تسمية الشيء بنقيضه فهي (مجالس الرقص) وليس بـ(مجالس الذكر)، و(مجالس الغناء) وليس (مجالس تلاوة القرآن) أو الصلاة على الرسول عليه السلام، فيسمونها بغير اسمها .
الآن .. وحلت هذه الأناشيد محل تلك الأغاني التي كان يتغنى بها الصوفية، وكانوا يجدون محاربة شديدة من أهل العلم، وظهرتْ هذه المحاربة وقويَت في العصر الحاضر، حتى كادَ الصوتُ الصوفي يموت ولا نسمع له ركزا .
فخرَجُوا بهذه الحيلة، تركوا الأناشيد القديمة التي كان يتغنّى بها الصوفية في مجالسهم وفي مراقصهم وجاؤوا بالبديل وهو أغاني عصرية فيها روح إسلامية، لكن أيضاً فيها أشياء يأباها الإسلام .
أول ما شاهدناه عندنا في سوريا لم يكن مع هذه الأناشيد ذكر للدف إطلاقاً كانت ساذجة صافية .
الشاهد : فانا أدركت بعض الناس الذين كانوا يترددون على حلقات الذكر حقيقة وهي حلقات العلم الشرعي القائم على الكتاب والسنة، كانوا متأثرين ببعض الدعايات الأخرى وتأثروا بالدعوة السلفية إلى حد بعيد لكن وجَدوا شيئاً لم يَرُق لهم، وهذه حقيقة ولعل بعضكم يشعر بها وأرجو أن لا يكون متأثراً بها.
ما هي هذه الحقيقة ؟ إن دروس هذه الجماعة (السلفيين) جافة بدها صبر بدها جلد ، والعرق يمشي على الجبين، ما في مكيفات، ما في مرطبات، هذا كله موجود في مجالس الرقص والذكر – زعموا- إلى آخره .
فطلع هؤلاء الذين هم مخضرمين، لا هم سلفيين ولا هم صوفيين، طلعوا بأناشيد هي على نفس أنغام الأغاني الصوفية، لكن ما فيها المبالغات الموجودة في تلك؛ لأنهم عرفوا أن العصر الإسلامي الآن لم يعد يتقبل ذاك الأسلوب في بعض المعاني اللي فيها ما يوحي بوحدة الوجود، بالغلو في الرسول عليه السلام، في مدحه ونحو ذلك .
فجاؤوا بـتعديل لتلك العبارات لكن القوانين الموسيقية هي هي، والنوتات هي هي، فإذن هذا هو البديل ومضى على ذلك زمن وإذا بعد ما هاجرتُ من دمشق إلى هنا دخل الدف إلى هذه الأناشيد فرجعوا واقتربوا من الصوفية شوطاً بعيدا .
لا يوجد في الإسلام أناشيد دينية .
ألا يوجد في الإسلام شعر وشعر مزكى وممدوح ؟
لا شك، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " إن من الشعر لحكمة ".
ولقد كان من شعراء الرسول ـ عليه السلام ـ الفحول الذي كان يدافع عن الرسول ـ عليه السلام ـ بشعره؛ ( حسان بن ثابت ) فكان يَرد على المشركين هجاءهم للرسول الكريم ويقول له ـ عليه الصلاة والسلام ـ : " اهْجُهُم فإنَّ روحَ القدس معك " أي : جبريل معك، ينافح عنك، يدافع عنك .
إذن هذا الشِّعر له أصل، الدفاع عن الإسلام، وحضّ المسلمين مثلاً على الجهاد في سبيل الله، وعلى التمسك بالأخلاق إلى آخره؛ هذا شعر جميل ومقبول، ولكن أن نلحَنَه على القوانين الموسيقية الغربية منها والشرقية؛ هذا ليس من الإسلام في شيء.
وإنما الشاعر كان يلقي قصيدته:
أولاً: هي في مبناها وفي مغزاها وفي معناها توافق الشريعة في كل أجزائها.
وثانياً: يلقيها بالسليقة العربية الإسلامية، لا يُحاكي في إلقائِه لها قانون للموسيقى يوافق الشرق أو الغرب بخلاف هذه الأناشيد التي تسمى بـ (الأناشيد الدينية) أو (الأناشيد الإسلامية) .
أنا لا أسمع نشيداً كنت حفظتُه في صباي بقي في ذهني بعض منه لجمالِه وقوتِه وانظروا هذا المعنى ما أجمله لا نسمع مثله إطلاقاً، لماذا؟ لا يناسب أهواءهم وأذواقهم.
القصيدة هذه تنسب لابن الوردي يقول في مطلعها :
اعتزل ذكر الأغـاني والغزل *** وقل الفصل وجانب من هزل
ودع الذكرى لأيــام الصـبـا *** فلأيـــام الصبــا نــجــم أفـل
بعدين شو بيقول :
ودع الخمرة إن كنت فتى *** كيف يسعى في جنونٍ من عقل
إلى آخره، أشياء كثيرة كنت أحفظها .
مثل هذا الكلام الذي فيه نصائح، فيه مواعظ، فيه الأمر بالتمسك بالأخلاق التي جاء فيها قوله عليه السلام :" إنما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاق ".
هذه الأناشيد هي لم تكن في العهد الأول، لا في مبناها ولا في طريقة إلقائها .
غيره في أحد عنده سؤال ؟
سائل: على نفس الموضوع :
طيب يا شيخ ليش ما يكون بالنسبة للأناشيد الإسلامية تكون النية حسنة مش إنّه مخالفة شرعية ؟ مثلاً تكون بديل إسلامي بدل من الأغاني، بدل ما أنا أكون بدي أعمل حفلة، بدل ما أعملها حفلة جاهلية يعصى فيها الله عز وجل ليش ما نجيب منشدين إسلاميين ينشدوا في هذه الحفلة حتى إنه إن صح التعبير ارتكاب أخف الضررين، ليش ما يكون من هذا القبيل ؟
الشيخ: هذا كلام بارك الله فيك خطأ، ارتكاب أخفف الضررين إنما محله بارك الله فيك حينما يكون المسلم مُلزماً ولا بدّ من أن يقعَ في أحد الضررين .
مفهوم هذا الكلام حتى ما أمضي كثيراً.
أخف الضررين متى ؟ حينما يكونُ المسلم لا بد مضطر شاء أم أبى أن يقعَ في أحد الضررين ، مثاله :
إنسان في الصحراء، تعرض للموت جوعاً ،
وجد لحم ميت ضأني ،
ولحم ميت أسد .
ما هو أخف الضررين ؟
كلاهما ميت ،
لكن الأول لو حياً جاز ذبحه وأكله ،
الآخر لو كان حياً لم يجز ذبحه ولم يجز أكله .
إذن هنا أخف الضررين ماذا ؟ أن يأكلَ من لحم الضان الميت .
طيب، إذا ما أكل شو بيصيبه ؟ راح يموت . إذن هذا أخف الضررين .
أما أنا بدي أعمل حفلة، شو الضرر الذي سيصيبني أنا إذا عملت حفلة ودعوت فيها الشباب المسلم ودعوت إنسان عالم فاضل أو قارئ يُحسن القراءة، ولا يمط فيها ويطلع وينزل على القوانين أيضاً الموسيقية .. إلى آخره.
بحيث أنه يَصدق فيه كما قال عليه السلام حينما سُئل : " من أحسن الناس قراءة يا رسول الله ؟ قال : هو الذي إذا سمعتَه يقرأ رأيته يَخشى الله " .
أكثر القراء اليوم خاصة القراء المصريين اللي بيذيعوها أحياناً وكل آية أو آيتين تسمع كلام الحاضرين : " الله .. اللهم صل على محمد .. صلّ على النبي .. إلخ "
هؤلاء يَلغون في قراءة القرآن، ولا يُصغون، ولا يستمعون .. إلخ .
فشو المانع أن يعمل حفلة ويأتي بقارئ يحسن القراءة أو بواعِظ يَعظ الناس، ويُحسن الوعظ أيضاً بالكتاب وبالسنة الصحيحة، ولا يَذكر أحاديث ضعيفة وموضوعة. أو يأتي برجلٍ عالم مفقه في الدين ؟
فأين الضرورة يا أخي في هذه الحالة؟ ما في ضرورة . ولكن ، شيء ذكرني هذا السؤال ...
هذه الأناشيد الدينية الآن حلت محل قراءة القرآن، لقد بلغني عن أكثر من مصدر واحد أن كثيراً من الشباب في أثناء عملهم في محلهم في دكانهم يقطعون فراغهم بأن يسمعوا هذه الأناشيد الدينية، وأنا أذْكُر نفسي – ولا أذكر هذا حامِداً وإنما مُذكراً – أنا لمّا كنتُ في أولِ الشباب في نحو العشرين أو أقلّ كنتُ ساعاتي مصلح الساعات وأنتم تعرفون أن تصليح الساعات هذي فيها دقة متناهية، وكنت أفتح القرآن، فمن جهة أعمل ومن جهة أقرأ لأحفظ ، والحفظ هذا بدو فراغ خاص مع ذلك فأنا لكوني كنت منشغل بالعلم أيضاً بالإضافة إلى المهنة، فكنت أغتنمها فرصة حينما لا يوجد عندي أحد أضع هذا القرآن بين يدي ويومئذ ما في مسجلات ولا في كل هذه الأشياء التي ذللت وتيسرت اليوم حيث لم يبق بيت إلا وفيه مسجلة أو أكثر، فكنت أُعنَى بحفظ القرآن وأنا في عملي الدقيق هذا .
كيف لو كان عندي أنا الآن في أحياناً لما أكون فارغاً بسجّل القرآن وباسْمع وباتبع أحياناً لبعض الفوائد لا يتيسر لي الإصغاء إليها بسبب انشغالي بالمقالة أو الكتابة أو نحو ذلك .
فالآن قامت الأناشيد العلمية مقام قوله ـ عليه السلام ـ : " من لم يتغن بالقرآن فليس منا " .
فإذن ما الذي يحمل الشباب اليوم على أن يُلهو أنفسهم وأن يقطعوا ويضيعوا أوقاتهم بسماعِهم للأناشيد الدينية بديل أن يشغلوا أنفسهم وأن يقطعوا أوقاتَهم بـ : إما أن يقرؤوا قرآن وهذا خير لهم وأن يتعلموه بأنفسهم ، وإما - إن كانوا لا يحسنون- أن يصغوا إلى تلاوة القرآن .
هذا من مساوئ الأناشيد الدينية .
تكملة ؟ تفضل .
سائل: يا شيخ أنت قلت كمان إنه بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام جعل حسان بن ثابت يهجوهم بالشعر والشعر الحماسي جائز كذلك الأناشيد الإسلامية تعطي الطابع الحماسي عند الناس حتى إنها بتعبيهم جهادياً ، مثلاً نسمع من الأناشيد كثير من الأناشيد تكون جهادية فشو المانع ...
الشيخ: أريد أن أسألك سؤال يا أخي .
السائل: تفضل ..
الشيخ: سمعت أنت أناشيد مصرية ولابد وأناشيد سورية وأناشيد سعودية سمعت ؟
هل الأناشيد ليست موزونة بالموازين الموسيقية ؟
السائل: موزونة .
الشيخ: طيب احنا ايش بنحكي من ساعة .
هل كان هذا في الشعر الحماسي الذي أنت ألمحتَ إليه بصورة عامة وضربته مثلاً وتبعتني في ذلك بشعر حسّان؟ هل كان شعرُه كذلك؟ موزوناً ؟
قل لا واسترح .
غيره ..
سائل (على الحلبي) : شيخنا ورد في سؤال الأخ الكريم وكثيراً ما نسمع كلمة البديل، بدنا البديل الإسلامي عن كذا، البديل الإسلامي عن كذا....
الشيخ مقاطعاً : الله أكبر .
السائل :حبذا يا شيخنا لو تلقي الضوء عليها .
الشيخ : والله هذا الكلام صحيح ؛ سؤال صحيح .
لما نتحدث عن مآسي البنوك، بيسألونا التجار اللي لو تركوا العمل إطلاقاً، لو عاشوا مهما عاشوا بعيشوا أغنياء بقولوا : شو البديل ؟
بيخافوا لو قلنا لهم : اتقوا الله واتركوا التعامل مع البنوك أنهم يموتوا جوعاً، بدّهم البديل .
يا أخي البديل لا يجوز أن يكون بالمعنى الذي يتصوره كلّ صاحب مصلحة، كل صاحب هوى وغرض .
البديل موجود في الشرع .
فإنت اطلب الشرع واعملْ به فستصل إلى البديل من أقرب طريق .
الناس اليوم سبحان الله ! لما نجي نتكلم عن شروط أو عن الطريق الذي ينبغي أن يسلكه المُسلمون ليتمكنوا مِن تحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الحكم الإسلامي ومبايعة الخليفة المسلم، ما هو الطريق للوصول إلى هذا ؟
تختلف طبعاً مناهج الأحزاب الإسلامية (الموجود) عن منهج الطائفة المنصورة وهي التي تتبع الكتاب والسنة في كل شيء .
هذه الطائفة تقول: سيروا على ما سار عليه المسلمون الأوّلون، وحينئذ ستكون الحصيلة قيام الدولة المسلمة شئتم أم أبيتم، أما أنتم أيها الأحزاب الأخرى الذين تريدون إقامة الدولة المسلمة قبل أن تقيموها في أنفسكم، فلن تصلوا إلى إقامتها مطلقاً، لما هو معلوم أن فاقد الشيء لا يعطيه من جهة، ومن الحِكَم المعاصرة اليوم والعجيب أنها صدرت من رئيس من رؤساء حزب من الأحزاب القائمة اليوم، وهم لا يعملون بهذه الحكمة وهي : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تُقم لكم في أرضكم " .
لا يقيمون دولة الإسلام في قلوبهم .
من هذه الإقامة أن تتقي الله عز وجل، ألا تطلب بديلاً عن الأناشيد التي كانت عن الصوفية، أو هذه الأناشيد التي قامت مقام أناشيد الصوفية، لا تطلب البديل لأن القرآن خير بديل .
وقد سمعتم آنفاً قوله ـ عليه السلام ـ : " من لم يتغن بالقرآن فليس منا " .
فالشاهد: البديل بالنسبة لكل الشكاوى التي قد تصدر بمناسبة ما : هو ( ومَن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) .
الإسلام لا يحرم ما أحل الله، ولا يبيح ما حرم الله، والأمر كما قال عليه السلام : " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس .. " إلى آخر الحديث .
فلا يجوز للمسلم كلما قيل له: هذا حرام . يقول : ما هو البديل ؟
البديل: اتقِ الله يا أخي، ربنا يقول في القرآن والمسلمون من انحرافهم اتخذوا لوحة يزينون بها جدر البيوت؛ وهي : ( ومَن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) .
لكن هذه بدل ما تكون على الجدار، يجب أن تكون في القلب، وإذا حَلت في القلب، حينئذ لم يهتم المسلم ، لم يسأل عن البديل؛ لأنه يعلم كما قال ـ عليه السلام - شوفوا الأحاديث كيف هي تتجاوب بعضها مع بعض- : " من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه " .
يا أخي إنت إذا تركت العمل مع البنك الفلاني أو العلاني تقوى لله؛ رزقك الله من حيث لا تظن ولا تحتسب .)
انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى .
لسماع الفتوى انظر المرفقات (تم تجزيئها إلى 4 أجزاء)