قالت الفتاة المذعورة بنبرة جنونية:
- صرختُ و أنا أحاول التملّص من قبضة حديدية تجتث شعري اجتثاثا.. و رأيت الوادي أمامي يبتعد، لأتذكر فجأة الحادث و اليد التي تفتح الباب !..
لقد أخرجني هذا الـ ؟؟.. من الماء و هو يجرني الآن إلى حيث لا يعلم إلا الله !..
انحبس الكلام بحلقها و تحركت شفتاها دون أن يصدر صوتا..
- ثـم ؟..
- كان ذلك فظيعا !.. فظيعا !..
و دفنت وجهها بين كفيها و بكت بحرقة !..
- لا بأس عليك.. الحمد لله على نجاتك.. لكن أكملي أرجوك !..
قالها سمير و ناولها منديلا ورقيا من صندوق صغير..
مسحت دموعها، و تداركت أنفاسها بصعوبة قبل أن تواصل:
- جرني إلى مكان ليس ببعيد عن الوادي.. و وضعني و أنا لا أكف عن البكاء الهستيري و الارتعاش.. لم أر ملامحه مطلقا و كل ما أذكر هو صوته الأجش لما بدأ يضحك بانتصار..
انحنى عليّ.. شممت رائحته النتنة.. و بدأ يتحدث في أذني و هو يلهث كالكلب:
_ لا تعرفين من أنا أليس كذلك ؟.. و لا تعرفين ماذا جنيت على نفسك بسبب كلمة عابرة ؟..
ضحك فاهتز جسمي اهتزازا لصوته المخيف، و أكمل يقول بصوت أعلى:
- أنا ابن عمك يا (سارة) !.. ابن عمك الذي مات و هو يحبك.. مات و لم تصله منك ذرة حب أو إعجاب..
صرختُ و أنا أمسك رأسي و أنظر للسماء برعب.. صرختُ لما تذكرت ابن عمي، الفلاح الضخم الذي طلب يدي و طردته بقسوة.. و قد مات منذ أسبوع بسكتة قلبية و دفن بمقبرة قرب الوادي ! ! !..
واصل الشيء و هو يضغط على كلماته:
- تعرفين الخطأ الذي وقعت به ؟.. تعرفين ؟.. هه !.. لا تعرفين طبعا لأنك غبية و طالما كنت غبية و لا تملكين ذكاء بقدر جمالك..
ماذا قلتِ لما تلقّيت نبأ وفاتي ؟... ماذا قلـتِ ؟.. هيا أسمعيني ؟.. أصابك الصمم و البكم أليس كذلك ؟.. لا بأس، سأكفيك عناء التذكر..
و قال بصوت رقيق، يشبه صوتي لدرجة مرعبة:
" فليذهب للجحيم.. عليه لعنة دائمة ! "
ثم عاد الصوت الأجش يصرخ بأذني:
- هذا ما قلته أيتها الحقيرة !.. الـ(...)
ثم و بحركة مباغتة انقضّ عليّ فصحتُ حتى طارت العصافير من كل مكان لما مزّق شيء ما ذراعي..
ربما عضّني !..
قالت هذا و فكت قطعة قماش كانت تربطها على ذراعها.. فرأى سمير جرحا غائرا، مخيفا جعله يشهق بذعر و يفقد السيطرة على المقود !..
* * *
اللقاء الأبدي !..
* * *
تدارك سمير الموقف في اللحظة الأخيرة و عاد بالسيارة إلى الطريق بعد أن خرج نصفها..
- أووف !.. أفزعتني..
قالها و هو يمسح عرق وهمي على جبينه..
أردفت و هي تعيد ربط قطعة القماش الدامية و تتألم:
- آسفة !..
و دخلا في صمت قصير قبل أن يقول سمير بنبرة استغراب:
- تعنين أن ابن عمك الميّت قد عضّك ؟؟..
- قلت لك أني لا أصدق هذا الجحيم المجنون الذي عشته هذه الليلة.. و لا أتوقع أن يصدقني أحد على أي حال !..
- حسن.. و ماذا حدث بعدها ؟..
سألها سمير و إمارات اللهفة تفيض من عينيه..
قالت و هي تنظر لأضواء مدينة الرباط التي دخلا إليها دون أن يشعرا..
- ماذا أقول ؟.. لا أعرف كيف أقول ذلك.. لكنه... اغتصبني !..
تسمّر وجه سمير على الطريق و دار ببطء نحوها و هو يعيد ما قالت:
- اغتصبك ؟؟
- نعـم !.. و لم أملك فعل شيء فقد كنت مشلولة عن الحركة تماما..
لم يجب سمير و ظلّ يرمق المدينة الشاحبة، شبه الخالية..
أتمت الفتاة بصوت واهن:
- بعد ذلك.. قال عبارة غريبة، أحسبها تعويذة.. و انصرف.. ثم فقدتُ الوعي من جديد !..
- ماذا قال ؟
- لقد قال و هو يرفع يديه عاليا في وضعية غريبة:
سألعنك أنا أيضا.. لعنة دائمة.. لكن بطريقتي الخاصة..
و تمتم بكلمات مبهمة بلغة لم أسمعها من قبل فشعرت بأشياء تتحرك و تدور حولي بسرعة..
لن أصف لك ذعري و أنا عارية أنزف و قد فقدت القدرة حتى على الارتعاش..
و فجأة صرخ بعبارة، لا أدري لماذا علقت بذهني إلى هذا الحد..
" سينكِ مع أول سين بالسبيل و سيناكما لبعضهما، أبدا، بديل ! "
* * *
حلّ صمت ثقيل بعد جملتها الأخيرة.. و بدا كأن سمير يفكر مليا قبل أن يقول بنبرة قوية و ابتسامة باهتة على ثغره:
- على كل.. حمدا لله !.. سواء كان هذا الذي قلته حقيقة أم لا.. انسيه الآن و عودي إلى حياتك العادية.. و أنا مستعد لمساعدتك إن احتجتني في أي شيء.
أجابت و هي تتنهد و تبتسم بشحوب:
- مِرسي.. أنت لطيف جدا
ابتسم أكثر و التفت إليها و هو يقول:
- قلتِ اسمك (سارة) أليس كذلك ؟..
- نعم و أنت (سمير).. أونشونتي (تشرفنا)..
- تشرفت أنا أيضا بمعرفتك... أ.. لو سمحت سؤال بسيط !..
- نعم، تفضل..
أشار سمير إلى فمها و قال بحذر:
- ما هذا الشيء الأسود بأسنانك ؟..
* * *
اللقاء الأبدي !..
* * *
مسحت سارة أسنانها بسرعة و نظرت إلى أصابعها فابتسمت..
- كنت ألتهم (الشوكولا) أثناء رحلتي.. أنا متيمة به !
ثم ضحكت ضحكة خفيفة، عصبية..
ضحك هو الآخر و لاحت عليه علامات الارتياح و هو ينحرف متجاوزا ملتقى طرق..
و بعد دقائق من القيادة الصامتة أوقف السيارة أمام مستشفى ضخم.. و التفت إلى سارة فاتحا فمه، هاما بقول شيء ما.. لكنه لاذ بالصمت بعد أن رآها ترتعش و عيناها شاخصتان تنظران لفوق..
- ما الأمر سارة ؟..
ربما لم تسمعه !..
أعاد سؤاله و هو يهزها من كتفها بقوة !..
نفضت رأسها أخيرا و التفتت إليه و جبينها ينضح عرقا رغم برودة الجو.. و قالت بضعف ضاغطة على صدغيها:
- أشعر بشيء غريب !.. شيء ما يدفعني للذهاب إلى مكان لا أعرفه.. لكني أعرفه... يا إلهي ماذا حدث لي ؟.. أشعر أن نهايتي اقتربت !.. لا.. لا.. لماذا أفكر بهذا ؟..
بدا على سمير التأثر بمعاناة الفتاة المسكينة.. فربّت على كتفها برفق و قال بشفقة:
- إنه التأثير النفسي للحادث.. ربما عليك مراجعة طبيب نفساني.. لا تخافي عزيزتي، سأساندك حتى تجتازين محنتك هاته..
و مباشرة بعد انتهاء سمير من حديثه ارتمت بحضنه باكية.. فظل سمير ينظر من فوق كتفها باستغراب و ربما.. بنشوة !..
* * *
ودّعها أمام درج المستشفى بعد أن أعطاها رقم هاتفه و ضربا موعدا في اليوم التالي..
لكنها قالت و هي تنظر له نظرة غامضة:
- سامحني !..
- لا عليك.. لم أقم بشيء يُذكر.
- لا أقصد هذا.. لكن سامحني..
* * *
سينكِ مع أول سين بالسبيل و سيناكما لبعضهما، أبدا، بديل !
* * *
رأى أمه بالمستشفى و أخته جالسة بجانبها..
و كان عناقا حارا ذلك العناق.. و بكاء شجيا ذلك البكاء..
وجد حالتها قد استقرت قليلا.. و أخبرته أخته أن قرحتها المعدية اشتدت لدرجة مرعبة قبل ساعة، فتذكر جملة الفتاة..
" أسرع يا سمير.. قد اشتد المرض على أمك ! "..
أكدت له الممرضة أن حالتها قارّة و قابلة للسيطرة و أن بإمكانه الذهاب للراحة.. لكنه لم يقتنع حتى أخبرته أخته أنها ستظل بقربها و ستتصل به في حال طارئ.. هكذا ناولته مفاتيح المنزل و نزل الدرجات الرخامية و هو مطمئن إلى حد ما !..
* * *
دخلت سيارته إحدى الأحياء الشعبية الخالية إلا من أعمدة الإنارة.. إنها الثانية بعد منتصف الليل..
توقفت السيارة و ترجل منها مبتعدا قبل أن يضغط زرا على حامل المفاتيح دون أن يلتفت لتصدر السيارة صوتا بدا مرتفعا أكثر من المعتاد لسكون المكان !..
توجه بخطى مرهقة، متراخية إلى منزل عتيق... منزل أمه.
أولج المفتاح بقفل الباب الضخم و هو يسعل..
ثم عبقت في أنفه تلك الرائحة المميزة ما إن دار الباب الخشبي العجوز حول نفسه مصدرا أنّة طويلة، متقطعة..
أضاء الرواق..
تعالى صوتُ حذائه الأسود الرفيع على أرضية المنزل و رنّت المفاتيح بيده..
أضاء الغرف واحدة بواحدة !..
" كل شيء كما كان "..
المرحاض الضيق المعزول... الصالون الذي يمثل ثلثي المنزل.. وقف ببابه لحظة و تذكر لما كان يلعب فيه الكرة مع إخوته، فابتسم طويلا قبل أن يطفأ النور و يغادر..
أضاء الآن المطبخ..
" يا لها من فوضى ! "..
لابد أن أخته لم تجد الوقت لأيّ شيء بعد سقوط أمه..
وضع المفاتيح فوق جهاز التلفاز بالرواق، و اتجه مترنحا إلى غرفة النوم..
أضاء الغرفة.. و سرعان ما رأى البيت الفسيح الذي طالما أحبه لما كان صغيرا و اعتبره أجمل بيت بالمنزل !..
نعم، إنه بيته المحبوب..كل شيء مكانه.. لم يتغير شيء إطلاقا..
سوى، شيء بسيط..
إنه ذلك الجسد المدثّر على السرير الكبير !..
* * *
اللقاء الأبدي !..
* * *
بقيت يده معلقة على مفتاح الكهرباء ينظر بجمود إلى الجسم الآدمي المغطى على السرير !..
حاول تفسير ذلك بأي شيء، لكنه يعلم يقينا أن أمه و أخته تعيشان لوحدهما و..
بدأ الجسم يتحرك ببطء.. إنه يزيح الغطاء عنه و...
و شهق سمير بحدة !!..
* * *
- أشعر بشيء غريب !.. شيء ما يدفعني للذهاب إلى مكان لا أعرفه.. لكني أعرفه... يا إلهي ماذا حدث لي ؟.. أشعر أن نهايتي اقتربت !.. لا.. لا.. لماذا أفكر بهذا ؟..
* * *
أخذه مزيج من الانفعالات و الأحاسيس القوية التي تجعل شعر رأسه كالإبر..
رعب.. دهشة.. صدمة.. رعشة سريعة تصعد إلى رأسه حتى لتكاد تطير به !..
- مـ.. ماذا.. ماذا تفعلين هنا ؟..
كانت سارة بملابسها الداخلية.. تنهض بدلال و تتثاءب كأنها تستيقظ في منزلها من نوم عميق، لذيذ..
اقتربت منه و هي تتمايل في مشيتها دون أن تتكلم..
بهت صوته و هو يقول:
- و لكن.. كيف دخلت هنا.. أنا لم...
و بتر عبارته لما عانقته و بدأت إغراءها الشيطاني..
كان الإغراء قويا بحق، أقوى منه و...
(...)
* * *
- ماذا أقول ؟.. لا أعرف كيف أقول ذلك.. لكنه... اغتصبني !..
* * *
- سامحني !..
* * *
أحسّ بسخونة على خده ترتفع.. ثم لبث قليلا قبل أن يفتح عينين ضيقتين، متألمتين على نافذة تشع بنور قوي..
إنه الصباح !..
لكن، أين سارة ؟..
قام من سريره بطريقة رقيقة لم يعتدها.. وضع رجليه بخفين على الأرض... لماذا يبدوان ضيقان قليلا ؟.. على أيّ فهما لأخته أغلب الظن !..
مشى قليلا ثم تجمّد تماما و هو ينظر لشيء أمامه باستغراب عنيف !..
* * *
سينكِ مع أول سين بالسبيل و سيناكما لبعضهما، أبدا، بديل !
* * *
كان ينظر للمرآة الضخمة أمامه..
" يا إلهي !.. ماذا يفعل هذان النهدان هنا ؟... و.. و الشعر الطويل ؟ "..
تأمل غير مصدق الجسم النسائي بصفحة المرآة و هو يلمس وجهه و صدره !..
حرك رأسه رافضا التصديق و بدأ يصرخ و يبكي ليخرج صوته رقيقا، حادا، ضعيفا، غير معتاد:
" لااا.. أنا أحلم !.. أنا سمير.. سميييييييير.. ماذا حدث لي ؟؟.. لاااااااا.. "
انقطعت صرخته أو صرختها فجأة و هي تحدّق بالبيت الغريب الذي لم تنتبه له قبل هذا !..
" أين أنا ؟.. "
بيت متوسط الحجم، ثريّ إلى حد ما، مرتّب جدا.. و تفوح منه رائحة أنثوية مميزة !..
مشت بخطى مشتتة إلى الهاتف الذي بدأ يرن و يشع ضوءا على منضدة قرب السرير..
حملته و فمها مفتوح.. ضغطت الزر و أدنت الجهاز من أذنها لتسمع صوتا أنثويا، ضاحكا:
- أين أنتِ يا غبية ؟.. لا تقولي أنك استيقظت لتوك !... هيا يا عزيزتي نحن في انتظارك.... سارة ؟!..
* * *
- قلتِ اسمك (سارة) أليس كذلك ؟..
- نعم و أنت (سمير)...
* * *
سينكِ مع أول سين بالسبيل و سيناكما لبعضهما، أبدا، بديل !
* * *
مرّ يومها غريبا و كأنه حلم مبهم، ضبابي.. كل شيء جديد، منفر، تراه لأول مرة !.. و جميع الأشخاص الذين التقتهم يدّعون معرفتها و يخبرونها بأطنان من التفاصيل التي لا تفقه منها حرفا !..
سمعت تعليقات كثيرة من (صديقاتها).. عن " تغيّرها الغريب و الغير مفهوم " و عن علامات " الذعر و الشرود " البادية عليها !..
قالت إحداهن أنها في الغالب فقدت ذاكرتها أو أصابها خلل ما بدماغها و قالت أخرى أنها مزحة ثقيلة منها.. و لم تقل هي شيئا !..
ثم إن إحداهن فاجأتها بينما هي بالمرحاض تتمتم بشيء ما..
- من هذا الـ(سمير) الذي تحبينه لدرجة تجعلك تذكرينه هكذا و تتخيلين نفسك هو.. لقد سمعتك تقولين ( أنا سمير.. ) ؟!..
* * *
في المساء عادت إلى المنزل منهارة تماما.. و مرت قرب الهاتف فانتبهت إلى وجود رسالة هاتفية..
" يجب أن تحضري حالا إلى الدار البيضاء.. فوالدنا قد وصل لتوه من إيطاليا... محمد. "
من هذا الـ(محمد) من جديد ؟.. ربما هو أخوها فقد قال (والدنا) !..
على أيّ فهي عزمت على زيارة طبيب نفسي بعد اقتناعها بفكرة صديقتها عن إمكانية فقدانها الذاكرة.. و لابد أن تكفّ عن الاعتقاد بأنها (سمير) !.. أي جنون هذا ؟..
بحثت كثيرا في غرف المنزل عن شيء ما.. و بدا عليها الارتياح و هي تقرأ عنوان (منزل والدها) على رسالة من ذلك الـ(محمد) وجدتها بدرج مكتب مليء برسائل من صديقاتها و أصدقائها و أخرى غرامية جدا من.. (ابن عمها) !..
* * *
ارتدت ثيابا قصيرة وجدتها بالدولاب و سرّحت شعرها أمام المرآة، و هي تحاول إقناع نفسها بكونها (سارة) كما نادتها صديقاتها !..
ثم استقلّت (البورش) خاصّتها و انطلقت على عجلة من أمرها..
وجدت بالسيارة علبة من الشوكولا فالتهمت قطعا منها بنهم..
كانت الشمس قد توارت عن الأنظار..
نظرت لوجهها بالمرآة فلاحظت، لأول مرة، أنها جميلة، مليحة.. أسعدها هذا
فزادت من السرعة و التهمت المزيد من الشوكولا..
( الشوكولا ؟!.. هل يذكرها هذا في شيء ؟ )
بدأ الظلام يسبغ الأشياء بالسواد فاختفت جوانب الطريق و اختفت الأشجار و لم يبقى منها سوى جذوع غليظة نجحت أضواء السيارة في كشفها..
موسيقى مرحة بالراديو..
و المزيد من الشوكولا..
لاحت أمامها علامة جسر، فخفّضت قليلا من السرعة و نظرت إلى الساعة الفسفورية، المضاءة.. " إنها الثامنة إلا عشر دقائق "..
داعبت شعرها بيدها و زفرت بملل ثم...
رجل ضخم بملابس ممزقة يظهر فجأة وسط الطريق.. حركات مذعورة على المقود.. ثم تخرج السيارة من الطريق و تطير في الهواء قبل أن تغوص في الوادي تماما !..
* * *
قاومتُ بما تبقى لي من طاقة لكني استسلمتُ أخيرا...
* * *
أفاقت فجأة و بدأت تسعل بحدة..
إنها مبتلة تماما !.. رأت الوادي المظلم أمامها فتذكرت الحادث و انتفضت بذعر !..
قامت بصعوبة و مشت مترنحة..
( هل شاهدت فلما يشبه ما تعيشه الآن بالضبط ؟ )
النباتات السوداء في كل مكان و صوت الضفادع و الحشرات..
تسلّقت المنحدر نحو الطريق السيّار ثم مشت بمحاذاة هذا الأخير و هي تجزم أن ما تمرّ به سبق أن عرفته بطريقة ما !..
( لعلّها ظاهرة "ديجا فو" !؟.. ) " شوهد من قبل "
مشت حتى خذلتها رجلاها فسقطت و بدأت تبكي و تتلفت حولها بذعر و كأن هناك من يتعقبها !.. ثم نهضت من جديد و لم تكد ترمي خطوات ضعيفة حتى رأت أضواء سيارة تقترب !..
ركضت بما تملك من قوة وسط الطريق و هي تشير بيديها و تصرخ.. ناسية أنها تركض وسط الطريق السيّار.. ليلا !..
* * *
دوّى صرير حاد بالمكان، تلاه صمتٌ أكثر عمقا من سابقه !..
توقفت الميرسيديس الجديدة قسرا و بأعجوبة على مسافة سنتمترات معدودة من ساقيها.. الداميين !..
صُدمت و احتبست صرخة بفمها !..
انفتح الباب الأمامي بعنف ليخرج منه شاب مذعور.. تقدم ببطء و هو يرمق رجليها ثم رفع بصره بنفس البطء الشديد إلى وجهها و حدّق به طويلا قبل أن يقول بارتباك:
- هل.. هل أنتِ.. بخير ؟...
ثم لبث قليلا و بلع ريقه قبل أن يتساءل مرة أخرى:
- من أنتِ ؟..
- ...
- أنا.. أنا اسمي سمير و أنتِ ؟..
تمت بحمد الله
بقلم رفعت خالد
في
09 / 2007