ما يقال أو يكتب عن “نوايا” غزو منابع النفط العربية، ينتمي في العادة الى فئة التحليلات والتوقعات التي يجريها المحللون والخبراء السياسيون ورجال الإعلام، وقد يكون في بعض الأحيان شائعات أو بالونات اختبار، ولكن الأوساط السياسية والدبلوماسية الرسمية تلوذ بالصمت في هذه المسألة، فلا تخرج التوقعات والتحليلات عن هذا الإطار.الوثائق البريطانية التي بين أيدينا، والتي أفرج عنها بعد مرور 30 عاما عليها، كما هي العادة في بريطانيا، لا تدع مجالا للشك بأن الولايات المتحدة و”إسرائيل” لديهما خطط لغزو حقول النفط العربية، منذ أكثر من ثلاثين عاما. وكما ورد في هذه الوثائق، فإن ما يدهش وزارة الخارجية البريطانية، هو ألا يكون لدى هاتين الدولتين مثل هذه الخطط، فوجودها هو الأصل، وغيابها هو المثير للدهشة والاستغراب.وكما تردد في هذه الوثائق، رغم عدم ترجيح الأوساط السياسية البريطانية لصحته، هو أن “إسرائيل” قد تلجأ الى تنفيذ هذه الخطط، إذا حاولت الولايات المتحدة (في عهد جيمي كارتر) ان تضغط عليها في سبيل حملها على تقديم تنازلات لا تقبل بها. كما تستطيع “إسرائيل” من خلال غزو منابع النفط وتدميرها ان تقول للولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، ان العرب ليسوا الوحيدين الذين يستطيعون قطع إمدادات النفط عن الغرب، بل انها هي ايضا تملك هذه الورقة.ولا يستطيع المرء في ضوء ما ورد في هذه الوثائق، استثناء العراق من وجود خطط امريكية قديمة لغزوه واحتلال منابع نفطه. ويبدو أن هذا الحلم ظل كامنا، الى أن حانت اللحظة الملائمة بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد الحصان الأمريكي بحلبة النظام العالمي الجديد. وقد حققت الولايات المتحدة هذا الحلم، ضمن ضباب كثيف من الذرائع والأكاذيب التي ثبت بطلانها واحدة تلو الأخرى.الوثائق البريطانية تؤكد وجود الخطط “الإسرائيلية” والأمريكية، وإن كانت لا ترجح إقدام “اسرائيل” على تنفيذها، إلا أنها لا تنفي ولا تستبعد قيام الولايات المتحدة بذلك.
رسالة برقية رقم 83 من بيروتإلى وزارة الخارجية والكمنولثوتل أبيب، وجدة، ودمشق، وواشنطن
مرجع الملف إن آي إل بتاريخ 7 يوليو/ تموز ،1977 إلى دبليو آر تومكيز/ دائرة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، ووزارة الخارجية والكمنولثمن السّير بيتر ويكفيلد، بيروت
خطط الطوارئ “الإسرائيلية”
1- وردت إلينا أخيرا معلومات عن ثلاثة اتجاهات توحي بأن “الإسرائيليين” إذا وجدوا أنفسهم يتعرضون لضغط لا يطيقونه من جانب الولايات المتحدة لكي يقبلوا شروطا غير مقبولة لديهم فقد يشنون هجوماً عسكرياً مضللاً لاحتلال حقول النفط العربية، أولاً، ذُكر لنا ذلك من قبل دوري شمعون. وهو بطبيعة الحال ليس أوثق مصدر لجميع المعلومات، ولكن في ضوء الروابط الشمعونية مع “إسرائيل”، فإنه لا ينبغي إهمال ملاحظاته بصورة تامة، كما ذَكَر أن الحريقين اللذين وقعا أخيرا في منشآت النفط السعودية في بقيق كان بتحرض من “اسرائيل”. وبطبيعة الحال، يمكن أن يكون قد مضى في ذلك الى حد “القصص الخيالي السياسي”.ثانياً، علمنا عبر قناة أخرى ان السوريين ايضا يحسبون حساب احتمال قيام “اسرائيل” باحتلال حقول النفط في العربية السعودية وفي جنوب الخليج.
2- قام جفري هانكوك عندئذ بمحاولة التحقق من ذلك، والتداول بشأنه مع الملحق الدفاعي الامريكي، الكولونيل بادولاتو، الذي أثبت أنه ضابط صلب وحساس وواسع الاطلاع، والذي كان قد عمل في السابق مع قوات الدفاع “الاسرائيلية”. وقد قال بادولاتو انه كان على علم بوجود خطط طوارئ “اسرائيلية” لاحتلال حقول نفط العربية السعودية وجنوب الخليج.وحيث ان الولايات المتحدة كانت قد وضعت خططاً مشابهة، فإنها كانت قد أجرت بعض المداولات مع “الاسرائيليين” حول هذا الموضوع.
3- لا ريب في أن “الاسرائيليين” سيكونون قادرين على ضرب حقول النفط العربية، على الرغم من أن من المشكوك فيه ان يعود ذلك عليهم بالنفع.
وهو بالتأكيد يمنحهم المقدرة على إخافة الامريكيين، وآخرين معهم. ومن بعض نتائجه المحتملة انهم يستطيعون ان يوضحوا ان العرب ليسوا وحدهم القادرين على قطع النفط. وإذا حدث ما لا تحمد عقباه، ونفذوا تهديدهم، فقد يجبر ذلك الامريكيين على القيام باحتلال مضاد، لجعل النفط يتدفق من جديد. وقد يأملون في جني بعض المكاسب من البلبلة الشديدة التي ستعقب ذلك.
4- أتساءل عما إذا كان آخرون قد خطرت لهم هذه الهواجس، وما تقديركم في لندن للأمر، وسأكون ممتناً لو بذلت عناية خاصة لضمان احترام سر بادولاتو.
5- سوف أرسل نسخاً من هذه الرسالة البرقية الى رئيس دائرة وكلاء الوزارات الدائمين، وإلى تل أبيب وجدة ودمشق وواشنطن.
6- أرجو من دائرة الشرق الأدنى وشمال افريقيا، ان ترسل نسخاً من هذه الرسالة البرقية الى رئيس دائرة وكلاء الوزارات الدائمين وواشنطن.
بتوقيع السير بيتر ويكفيلد
رسالة بالتيليكس
سري
رقم مرجع الملف 14/9
بتاريخ 15 يوليو 1977
متابعة دبليو آر. تونكيز المحترم، نيناد إف.سي.أو من إيه.جي.إم كريغ - دمشق
1- رسالة بيتر ويكفيلد بشأن خطة طوارئ “إسرائيلية” لم نسمع بشيء هنا عن مثل هذه الاحتمالات.
2- ومنذ الانتخابات “الإسرائيلية” كان هناك حديث، سواء في الصحافة أو على ألسنة شخصيات ليس لها صفة رسمية عامة عن احتمال توجيه “إسرائيل” ضربة، إما بعد أن يبدأ كارتر (كما يأمل العرب) بالضغط على “إسرائيل” لتقديم تنازلات، أو حتى قبل ذلك (استباقاً لمثل هذا الضغط ومنعه)، لم يثر أي وزير أو مسؤول هذه القضية.
وكنت سألت بالفعل اللواء حكمت الشهابي (رئيس الأركان) قبل اسبوعين أو ثلاثة عما إذا كان الجنرال يتوقع أي تحرك عسكري “إسرائيلي”، فأجاب بلطف ان حرب أكتوبر/ تشرين الأول غيرت الأوضاع العسكرية بالكلية وبشكل لا رجعة فيه، وأنه ليس لدى السوريين بعد الآن خوف من هجوم “إسرائيلي”. إلا أنه يعني بهذا وبوضوح أنهم يعتقدون أن بمقدورهم التعامل مع هجوم “إسرائيلي”، لا أنه لم يكن ثمة سبب لتوقع هجوم.
3- رفعت نسخة من هذه الرسالة الى رئيس دائرة وكلاء الوزارات الدائمين والى مكاتب المحفوظات في تل أبيب وجدة وبيروت وواشنطن.
يرجى إرسال نسخة الى واشنطن
ر. تومكيز سري
رسالة بالتلكس
إلى بيروت استلمت في السجل (بتاريخ 2 أغسطس/ آب 1977) رقم الفاكس 162/2.
سري
مرجع الملف: إن إف إكس 162/2.
2 أغسطس/ آب 1977
بالمتابعة إلى: السير بيتر ويكفيلد كي بي إي سي إم جي بيروت.
من سي.دي بويل، إدارة الشرق الأدنى وشمال افريقيا خطط الطوارئ “الإسرائيلية”
1- نشكركم على رسالتكم بالفاكس بتاريخ 7 يوليو/ تموز الى روجر تومكيز. لم يتوفر لدينا أي دليل آخر جديد عن قلق عربي تجاه هذه المسألة، ونحن نتشكك (كما تصنعون) بدوري شمعون باعتباره مصدراً. فلهذا الشخص مصلحة مباشرة في زيادة التوتر العربي.
2- ربما كان صحيحاً أن لدى الأمريكان خطط طوارئ تتعلق بحقول النفط السعودية وتلك الواقعة جنوبي الخليج. ولطالما اعتاد د. كيسنجر التلميح الى ان لديهم مثل هذه الخطط:
وسيكون من المذهل في الحقيقة لو لم تكن لديهم مثل هذه الخطط.
3- لربما كان لدى “الاسرائيليين” كذلك مثل خطط الطوارئ هذه (ولحشد من الأمور الأخرى ايضاً). إلا أنه في حالتهم ثمة اختلاف بالتأكيد بين القدرة على تسديد الضربة لحقول النفط وتدميرها والقدرة على احتلالها. فبالنسبة للأمر الآخر، وهو احتلال الحقول ستكون خطوط اتصالاتهم في حالة مريعة. وسيكون الهدف الوحيد لضربة مدمرة هو ذاك الذي اقترحتموه في فقرتكم الثالثة، إلا أنه في المقابل سيتعين على “الاسرائيليين” الموازنة بين التأثير في الرأي العام الأمريكي والأوروبي: فحفنة من الأعمال والتصرفات سيكون لها المزيد من التأثير باعتبارها معاول تقويض للوبي (جماعة الضغط) اليهودي.
4- لذا فإننا حين نوازن بين هذه الأمور نرى ان مثل هذا العمل من قبل “الاسرائيليين” غير مرجح، وليس لدينا ما يدل على نيتهم القيام به. لكن الإيحاء (في فقرتكم الثانية) بأنهم ناقشوا القضية في الماضي مع الأمريكان مسألة جديدة بالنسبة لنا، وشيء يثير اهتمامنا في الحقيقة.
5- ونحن نعتقد ان الحريقين النفطيين في المنطقة الشرقية في السعودية كانا قضاء وقدراً وانهما حدثا عرضاً.
6- ابعث بنسخة من هذه الرسالة بالتلكس الى رئيس دائرة وكلاء الوزارات الدائمين: في تل أبيب وجدة ودمشق وواشنطن.
سي.دي بويل
خطط الطوارئ “الإسرائيلية”
رسالة السير بيتر ويكفيلد البرقية بتاريخ 7 يوليو/ تموز الى السيد تومكيز.
1- في سياق محادثة طويلة في 19 يوليو/ تموز مع السكرتير الخاص لولي العهد سألته عما إذا كانت العربية السعودية تشعر بالارتياح إزاء الوضع العربي - “الإسرائيلي” في الوقت الراهن، واطلعته على موقفنا من الوضع في أعقاب تشكيل الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة. وقال ملحس، الذي كان يطيب له في بعض الأحيان أن يجعل فرائصي ترتعد بالتحذيرات المفزعة من نشاط متطرف سواء من الجانب العربي أو الجانب “الإسرائيلي”، ان السعوديين لا يشعرون بالارتياح وإنهم متوجسون من الأعمال التي قد يقدم عليها بيجن. ولكنه لم يقل ذلك بكثير من الاقتناع ولم يسترسل للحديث عن أي خطر مزعوم من النوع الوارد ذكره في رسالة السير بيتر ويكفيلد البرقية.
20 يوليو/ تموز 1977
آر.أو مايلز
من مكتب مجلس الوزراء
70 وايتهول لندن
19 يوليو/ تموز 1977
الى غراهام اتش بويس
دائرة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا
عزيزي غراهام
خطط الطوارئ “الإسرائيلية”
1- في فترة ما انقضت توجه روجر تومكيز بالسؤال الى بري رودس مستفسراً عن وجهات نظرنا بشأن رسالة بيتر ويكفيلد بتاريخ 7 يوليو حول هذا الموضوع. وبري الآن في إجازة.
2- لم يدهشنا على الإطلاق أن يكون لدى الأمريكان و”الإسرائيليين” خطط طوارئ لاحتلال حقول النفط السعودية والتي تقع جنوب الخليج. بل سيكون من المذهل حقاً ألا يكون لديهم مثل هذه الخطط. وبالنسبة لنا فإن النقطة الرئيسية التي تهمنا في الفقرة الثانية من رسالة السير بيتر ويكفيلد هي أن تفكير الأمريكان بشأن هذا الموضوع كان متقدماً جداً، وبشكل كاف في مرحلة ما. ويفترض أن يكون ذاك عندما كان كل من د. كيسنجر وشليسنجر يصدران تحذيرات شديدة اللهجة ضد حظر النفط في عام 1974. بأنه كان ينبغي على الأمريكان أن يكونوا متواصلين مع “الإسرائيليين”.
3- وكان كل من الرئيس الأسد وعرفات وآخرين قد تكلموا علناً عشية انتصار حزب الليكود في الانتخابات، وتحدثوا عن خطر قيام “إسرائيل” بمغامرة عسكرية (ونحن بدورنا نشعر أيضاً ان الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة ربما تجاوز ما كان من أمر سالفتها وتقدم على تصرفات لا تتسم بما عهد عن الحكومة “الإسرائيلية” السابقة من انضباط). وأما التقارير التي استشهد بها السير بيتر ويكفيلد في فقرته الأولى فإنها تنبئ عن النوع ذاته من توتر العرب. ودوري شمعون، بالطبع ليس في موقع أفضل من السوريين ليحيط علماً بأي خطط “إسرائيلية” مثل هذه. ويعتور الشك أدلته بوجه خاص في مسألة أن له مصلحة مباشرة في تأجيج التوتر العربي وزيادة حدته. ونحن نعتقد في غمرة ما يجري من أحداث أن الحريقين النفطيين اللذين اندلعا في المنطقة الشرقية في السعودية انما كانا قدراً وحدثاً عرضاً، رغم أنه سيظل هناك بعض السعوديين ممن يفتشون عن تفسير تآمري للحدث.
4- وباختصار، فإن لدى “الإسرائيليين” من دون شك، خطط طوارئ للقيام بشتى أصناف الأمور غير المتوقعة أو المحتملة. ولم نر أي دليل أياً كان نوعه، يشير الى نيتهم احتلال حقول النفط.
بي.إس.تي إيستوود
http://www.alkhaleej.co.ae/articles/show_article.cfm?val=463474