السلام عليكم
الاسلام في ليتوانيا
رغم ان الاسلام دخل الى هذا البلاد مبكرا قبل غيره من البلدان الاخرى في اوروبا
الا انه لم ينتشر كما انتشر بين بقية البلدان
نتيجة للمستوى المتدني بين المسلمين
الليتوانين
الإسلام في ليثوانيا:
التغييرات في الحياة الدينية والاجتماعية للمسلمين الليثوانيين
بقلم: إغدوناس راكيوس
لقد كان المسلمون ولا يزالون جزءاً من المجتمع الليثواني المتعدد الثقافات على الأقل منذ القرن الخامس عشر.[1] وبالرغم من ذلك فإن الإسلام والمسلمين لم يتغلغلوا في الثقافة الليثوانية كما فعل الأتراك والعرب في جنوب وجنوب شرقي أوروبا؛ وبالتالي فإن وجود المسلمين (التتار) في ليثوانيا لم يكن واضحاً بشكل جيد بالرغم من أن مساجدهم ومقابرهم قد أصبحت جزءاً من معالم أرض ليثوانيا. ومع تزايد نشر الإسلام في ليثوانيا في السنوات الأخيرة أصبح من الضروري دراسة الجالية التتارية المسلمة فيها مع المقارنة بين مسلمين آخرين فيها وبقية العالم الإسلامي.
إن تاريخ التتار في ليثوانيا، وبالذات من الناحية العرقية، قد درسه قليل من المتخصصين في بولندا وليثوانيا. وليس هناك دراسة تتناول القضايا الاجتماعية والدينية المعاصرة للجالية المسلمة أو أنها تتضمن وجهة نظر مقارنة بالنسبة للممارسات الدينية للمسلمين التتار الليثوانيين.
هذا المقال عبارة عن محاولة متواضعة لاستعراض الحياة الاجتماعية والدينية للتتار الليثوانيين على ضوء تراثهم ونشاطاتهم الإسلامية.
هناك أيضاً هدف مهم من كتابة هذا المقال ألا وهو تحليل الحالة القضائية والاجتماعية للمسلمين التتار الليثوانيين ومقارنتهم بغيرهم من الجاليات المسلمة كاللاجئين، والمهاجرين، والمقيمين بشكل مؤقت، ومن الذين أسلموا حديثاً، ودراسةُ طريقة اندماجهم في المجتمع.
كيف تعامل الدولة الليثوانية جميع هذه الجاليات، وكل على حدة؟ كيف يتعاملون ويتفقون فيما بينهم؟ هل يرحب التتار المسلمون بإخوانهم المسلمين؟ وهل يسعى القادمون الجدد لإنشاء علاقات مع التتار؟
إن مسألة اندماج المسلمين الجدد في المجتع الليثواني لم تطرح في أي دراسة جادة. ويبدو في الوقت الحاضر أنه ليس هناك حاجة ملحة لطرح مسألة الوجود الإسلامي في ليثوانيا حيث أن المسلمين يشكلون أقلية صغيرة جداً لا يتجاوز عددهم 6000 نسمة من 3.7 ملايين في البلد. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك بعض التطورات التي تشير إلى أن هذه الحاجة ستكون ملحة.
إن المهتمين بالقضايا الأوروبية المعاصرة مألوف لديهم معالجة المشاكل التي على البلدان الأوروبية التعامل معها بسبب الوجود الإسلامي في أوروبا، وهذه المشاكل تتعلق بمسألة الاندماج في المجمتع أو العزلة عنه. وليثوانيا بلد أوروبي آخر سيواجه قريباً التحديات المتصاعدة من وجود المسلمين على أرضها. ومع ذلك، فإن مشاكلها ستأخذ شكلاً آخر، وخاصة بسبب وضعها التاريخي، ولأن مسلميها يعيشون فيها منذ قرون.
الوضع التاريخي
إن التتار الليثوانيين، بكونهم مهاجرين من الخاناتيات والقبائل القرمية، كان لديهم الاختيار إما أن يهاجروا عائدين إلى أوطانهم أو يحاولوا أن يستقروا وينشروا الإسلام على أرض ليثوانيا، ولكنهم لم يختاروا أياً منهما![2] وقد كان هناك دوماً احتمال آخر، إن لم يكن اختياراً، وهو الاندماج والتبنّي الثقافي. وكما أشار (ماريك دْزيكان) الباحث في جامعة وارسو بحق أن التتار البولنديين (وكذلك التتار الليثونيون كامتداد لهم[3]) تحملوا الاندماج الثقافي مع أنهم قاوموا الذوبان بنجاح،[4] وبقوا، اسمياً، مسلمين زهاء ستمائة سنة خلال إقامتهم في ليثوانيا وبولندا، وحيث كان التحول إلى النصرانية في التتار الليثوانيين نادراً. ومع ذلك، كما سنرى فيما بعد، فإنهم تخلوا عن العديد من الممارسات الإسلامية، وقد ظهرت منهم وبشكل واضح ممارسات غير إسلامية بل ممارسات مخالفة للإسلام.
لقد بدأ التتار الاستيطان في ليثوانيا في الوقت الذي تحولت فيه إسبانيا إلى النصرانية، وفي الوقت الذي لم يتصل سكان البلقان بالتقدم العثماني بعد. بدأت عملية هجرة المسلمين من أصل تركي (نعني هنا وبشكل عام التتار) إلى ما كان يعرف في ذلك الوقت بدوقية ليثوانيا الكبرى في أوائل القرن الرابع عشر واستمرت حتى نهاية القرن الخامس عشر تقريباً.[5] وبعد ذلك بزمن ومن حين إلى آخر كان المسلمون الليثوانيون يتنقلون بين دوقية ليثوانيا الكبرى وبين الدولة العثمانية. لقد كان هناك ثلاثة أقسام للمهاجرين المسلمين إلى ليثوانيا:
الأول: المهاجرون السياسيون من الخانيات والقبائل التترية، وكان هؤلاء من أوائل المسلمين الذين ظهروا في ليثوانيا؛ وإن كان بعضهم قد عاد إلى أوطانهم فيما بعد، إلا أن أغلبهم بقوا واستقروا.
الثاني: الجنود المسلمون الذين اتخذهم »فيتاوتاس« الدوق الأكبر لليثوانيا لحمايته الشخصية في نهاية القرن الرابع عشر وبداية القرن الخامس عشر.
الثالث: أسرى الحرب الذين أسروا خلال الحروب بين دوقات ليثوانيا وبين أعدائهم المسلمين في أقصى الحدود الشرقية لدوقية ليثوانيا الكبرى. والجدير بالملاحظة أن التتار استقروا فقط في المناطق الشرقية من ليثواينا، وأغلبهم كان في العاصمة فيلنيوس وما حولها، حيث أن بعض هذه المستوطنات ما تزال تحمل أسماء ذات أصول تركية.
وصول الإسلام إلى ليثوانيا
إن وضع المسلمين منذ بداية هجرتهم إلى ليثوانيا يتسم بطبيعة غريبة وظاهرة نادرة بالنسبة لتاريخ العلاقات الإسلامية-النصرانية ووجود الإسلام في أوروبا.
أولاً: إن قدوم الإسلام إلى ليثوانيا (وبعض المناطق في بولندا وروسيا البيضاء التي حكمها في ذلك الوقت دوق ليثوانيا) يختلف بشكل واضح مع وصول المسلمين إلى جنوب وجنوب شرقي أوروبا، حيث أن وصول المسلمين إلى جنوب وجنوب شرقي أوروبا جاء مع القتال وفرض حكمهم، بينما رُحِّب بالمسلمين لدى وصولهم إلى ليثوانيا وأهّل بهم حيث استقروا بسلام في أراض يحكمها غير المسلمين.
إن ممتلكات الأندلس والدولة العثمانية في أوروبا تعتبَر، ولو اسمياً في بعض الأحيان، دارَ الإسلام، ولكن ليثوانيا على العكس من ذلك بقيت دائماً دار حرب. وبالرغم من أن المسلمين كانوا يشكلون في الحقيقة جالية قليلة العدد[6] في ليثوانيا، إلا أنهم تمتعوا في كثير من الأحيان بالحقوق والحريات التي تمتع بها المواطن النصراني. وعند وصول كبار التتار إلى ليثوانيا كانوا يُمْنَحون درجة النبلاء وأراضٍ لتصبح ملكهم الشخصي. وقد كانت علاقتهم كل التتار الليثوانيين مباشرة مع الأسرة المالكة.
ثانياً: إن المسلمين في ليثوانيا لم يجبروا أبداً لا على ترك دينهم عن طريق تغييره، ولا عن طريق وضع العوائق في طريق ممارساتهم لدينهم (مثل حظر، أو تحريم، أو قرارات عزل.. إلخ). وقد كان يسمح للمسلمين في الدولة الليثوانية أن يطبقوا كل واجبتهم الدينية علناً. وقد أنشأ المسلمون التتار عدداً من المساجد لأداء الشعائر الدينية. ويعتقد أن أول مسجد أقيم هناك كان قد بني في نهاية القرن الرابع عشر أو في بداية القرن الخامس عشر.[7] وبما أن هذه المساجد كانت مصنوعة من الخشب فإنه لم يفلت واحد منها من الاحتراق. في زمن دوقية ليثوانيا الكبرى (وذلك في الفترة ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر) ربما كان هناك 24 مسجداً[8] ولكن في بداية القرن العشرين بقي حوالي ستة مساجد فقط على أرض جمهورية ليثوانيا الحالية. وقد أغلقت هذه المساجد كلها خلال فترة الحكم السوفييتي، وقد بُدئَ بإصلاحها مرة أخرى وفتحت منذ بداية التسعينات من القرن الماضي.
إن معظم هذه المساجد التي بقيت في ليثواينا هذه الأيام كانت قد شيدت في القرن التاسع عشر. وبما أن أغلبية التتار الليثونيين عاشوا في المناطق الريفية فإن المساجد في القرى أكثر منها في المدن.
يوجد حالياً أربعة مساجد مفتوحة في ليثوانيا: إحداها في مدينة كاوناس، والثاني في قرية نيميسِز (القريبة من العاصمة فيلنيوس)، والثالث في كِتورْياسْدِسيمْتيز توتورْيو، والرابع في رايْطياي. وأما في فيلْنيوس فليس فيها أي مسجد وتقام التجمعات في مركز جالية التتار الليثوانيين.
الممارسات الثقافية
لقد حافظ المسلمون منذ استقرارهم في ليثوانيا على أن تكون لهم مقبرة خاصة بهم. وقد كان الموتى يدفنون على الطريقة الإسلامية مع وضع حجر فقط كعلامة على القبر. ولكن بسبب تأثير جيرانهم النصارى، بدأ التتار الليثوايين ببناء الأضرحة والكتابة عليها إما بالحرف العربي أو البولندي أو الروسي. إن هذه الممارسة غير الإسلامية ليست هي الوحيدة من نوعها، بل بدأوا بإشعال الشموع، والدعاء، وتناول الطعام جماعياً في المقابر؛[9] وهذه الأعمال غير مشروعة في الإسلام.
وأما بالنسبة للصيام خلال شهر رمضان فقد اشتهر أن المسلمين الليثوانيين يصومون بعض أيام رمضان وليس ثلاثين يوماً، كما هو مفروض في الإسلام.[10] والمسلمون السنة أيضاً يحتفلون بعيد عاشوراء،[11] وهو عيد يحتفل به الشيعة كذلك، وهو ذكرى مأساة كربلاء عام 680 م، عندما استشهد الإمام الشيعي الثالث الحسين بن علي على يد الخليفة السّنّي.[12]
ثانياً: وهناك خرافة عند مسلمي ليثوانيا مرتبطة بهذه المناسبة [كربلاء] تحرّف الحوادث التاريخية، وهي أن فاطمة بنت النبي [صلى الله عليه وسلم] يعتقد أنها كانت تنتظر ابنيها [الحسن والحسين] عندما علمت بموتهما فسقطت في الحزن. وتاريخياً فإن فاطمة [رضوان الله عليها] ماتت قبل موت ابنيها. وهذا مثال واحد يشير إلى أن المسلمين الليثوانيين غير ضليعين في التاريخ والدين الإسلامي.
اللغة
كان التتار الليثوانيون في الأصل يتكلمون لغتهم الأم، وهي إحدى لهجات الترك. ولكن في بداية القرن السابع عشر كان معظمهم يتكلمون فيما بينهم باللغة البولندية والبلوروسية [لغة روسيا البيضاء].[13] وأما معرفة اللغة العربية واللغات "الإسلامية" فقد كانت قليلة بينهم. وبينما معظمهم يميزون الأحرف العربية، فإنهم يقرءون القرآن دون معرفة معاني ما يقرءونه أو يرتلونه. وقد ظهرت ترجمات القرآن الكريم باللغة الروسية والبولندية فقط في القرن التاسع عشر. ولا يبدو أن المسلمين الليثوانيين يهتمون بالأمور الدينية، حيث أن ثقافتهم الدينية حصرت نفسها في تعلم قراءة القرآن وحفظ بعض الأذكار وأجزاء من القرآن. وأما الشروح والأذكار عادة ما تكون مكتوبة بالعربية البسيطة أو باللغة البولندية أو البلوروسية ولكن بأحرف عربية محورة.
وأما العلماء »الملا« فإنهم يختارون من أعضاء الجالية. ولم يكن هناك مؤسسات ثقافية دينية (مدارس) ولم يكن هناك معلومات عن العلماء المسلمين الليثوانيين الذين قد تخرجوا من معاهد إسلامية عليا حتى العشرينات من القرن الماضي (1920). وبسبب انعدام العلماء بين المسلمين الليثوانيين فإن عادة الدراسة الدينية لم تتطور عندهم.
البنية السلطوية
عرف عن المسلمين الليثوانيين أنهم يقاومون أي سلطة دينية خارجية، وقد اكتفوا دينياً حتى القرن التاسع عشر حيث أجبرتهم الحكومة الروسية التي حكمت ليثوانيا خلال القرن 19 بقبول سلطة مفتي القرم، ولكنهم من الناحية العملية لم يتبعوا قيادته أبداً.[14]
وفي فترة ما بين الحربين في بولندا، كانت أغلبية المسلمين الليثوانيين يعيشون في الجمهورية البولندية (حيث امتدت رقعة الحكم إلى منطقة العاصمة الليثوانية فيلنيوس) وكان لديهم (مراكز الإفتاء) الخاصة بهم. وقد استطاع المسلمون الليثوانيون أن يبقوا خلال الحقبة السوفيتية غير المرغوب فيها. ومنذ استقلال ليثوانيا في التسعينات بدأوا بالظهور مرة أخرى كجالية دينية، وقد أعادوا تأسيس مراكز الإفتاء عام 1998.
تحديات معاصرة
كانت التسعينات [من القرن الماضي] نقطة تحول بالنسبة لوجود الإسلام في ليثوانيا. لقد وفد إلى ليثوانيا مسلمون، وما يزالون يفدون، من آسيا والشرق الأوسط، حيث أن بعضهم استقر هناك وانضموا إلى التجمعات [الإسلامية]. وفي الحقيقة أن الإمام في فيلنيوس تركي،[15] وأن الإمام الفعلي في بعض الأحيان لمسجد كاوناس كان لبنانياً. ومن ناحية، فإن التتار الليثوانيين مغتبطون للدعم الخارجي من إخوانهم المسلمين، ولكن من ناحية أخرى فإنهم يهمّشون بسبب جهلهم بالممارسات الإسلامية. ومع ذلك، فإن القادمين الجدد يهمّشون من الناحية القضائية بسبب عدم وجود تمثيل لهم في الشؤون الاجتماعية والدينية على مستوى الدولة.
انعدام الاتجاه الديني