السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الكريم نشكر لك هذا الحرص الزائد لكننا نقول لك وهل كف الأعداء يوما عن سفك الدماء وتجويع هذا الشعب البائس الفقير، وهل يجوز لك أن تهادن من غصب أرضك ودنس عرضك وأهان مقدساتك صيانة لدمك ، ولماذا فرض الله الجهاد إذن ؟؟
إن المجاهد المسلم حينما يدخل المعركة يضع في رأسه أنه بين فوزين، وبين حسنيين، فإما النصر، وإما الشهادة، فالمسلمون لا يخسرون المعركة أبدا، فهم بخير، وإلى خير، وهذا ما يدفعهم إلى الخروج والمجاهدة؛ فهم يحرصون على الموت كما يحرص أعداؤهم على الحياة، أنشودتهم الدائمة ما تعلموه من شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول: (ماذا يفعل أعدائي بي ؟ أنا جنّتي و بستاني في صدري ، أينما رحت فهي معي لا تفارقني .. أنا سجني خلوة ، و قتلي شهادة ، و نفيي عن بلدي سياحة) أما غير المسلمين فلا فائدة لهم إلا في النصر، فبالهم مشغول بالنصر، فإما النصر في الدنيا، وإما خسارة الدنيا، وعذاب الآخرة. وفي شأنهم يقول ربنا تبارك وتعالى: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون )
وعندما أراد أبو سفيان الانصراف بعد الانتهاء من غزوة أحد وقف مزهوا بنصره، وقال بأعلى صوته للفرقة المؤمنة ، إن الأيام دول، وإن الحرب سجال، يوم بيوم بدر.
وهو يريد بذلك أن يكسر من عزيمة المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- ألا تجيبونه؟
قالوا: يا رسول الله ما نقول؟
قال: قولوا: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم فيالنار.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان بذلك يريد أن يشحذمن عزيمة المسلمين ويقوي إرادتهم.. ثم قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم.
فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): ألا تجيبونه؟
قالوا: يا رسول الله ما نقول؟
قال (صلى الله عليه وسلم): قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم.
فقال أبو سفيان: اعل هبل.
فقال رسولالله (صلى الله عليه وسلم): ألا تجيبونه؟ قولوا: الله أعلى وأجل.
يقول الشيخ سيد قطب صاحب ظلال القرآن:-
يقول الله عز وجل: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم . . إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون . وترجون من الله ما لا يرجون. . )
إنها لمسة قوية عميقة التأثير ؛ في التشجيع على الجهاد في سبيل الله ؛ في وجه الآلام والمتاعب التي تصيب المجاهدين . وذلك في تصوير ناصع لحال المؤمنين المجاهدين ، وحال أعدائهم المحاربين ؛ على مفرق الطريق:
وبهذا التصوير يفترق طريقان ؛ ويبرز منهجان ؛ ويصغر كل ألم ، وتهون كل مشقة . ولا يبقى مجال للشعور بالضنى وبالكلال. . فالآخرون كذلك يألمون . ولكنهم يرجون من الله ما لا يرجون!
إنه التشجيع على المضي في الجهاد ؛ مع الألم والضنى والكلال . ويلمس القلوب المؤمنة لمسة عميقة موحية ، تمس أعماق هذه القلوب ، وتلقي الضوء القوي على المصائر والغايات والاتجاهات:
(ولا تهنوا في ابتغاء القوم . إن تكونوا تألمون فإنهم يألمونكما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون . وكان الله عليما حكيمًا)
إنهن كلمات معدودات . يضعن الخطوط الحاسمة ، ويكشفن عن الشقةالبعيدة ، بين جبهتي الصراع. .
إن المؤمنين يحتملون الألم والقرح في المعركة . ولكنهم ليسوا وحدهم الذين يحتملونه . . إن أعداءهم كذلك يتألمون وينالهم القرح واللأواء . . ولكن شتان بين هؤلاء وهؤلاء . . إن المؤمنين يتوجهون إلى الله بجهادهم ،ويرتقبون عنده جزاءهم . فأما الكفار فهم ضائعون مضيعون ، لا يتجهون لله ، ولا يرتقبون عنده شيئا في الحياة ولا بعد الحياة.
فإذا أصر الكفار على المعركة ، فما أجدر المؤمنين أن يكونوا هم أشد إصرارا ، وإذا احتمل الكفار آلامها ، فما أجدر المؤمنين بالصبر على ما ينالهم من آلام . وما أجدرهم كذلك أن لا يكفوا عن ابتغاء القوم ومتابعتهم بالقتال ، وتعقب آثارهم ، حتى لا تبقى لهم قوة ، وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.
وإن هذا لهو فضل العقيدة في الله في كل كفاح . فهناك اللحظات التي تعلو فيها المشقة على الطاقة ، ويربو الألم على الاحتمال . ويحتاج القلب البشري إلى مدد فائض وإلى زاد. هنالك يأتي المدد من هذا المعين ، ويأتي الزاد من ذلك الكنف الرحيم.
ولقد كان هذا التوجيه يوم نزل في معركة مكشوفة متكافئة. معركة يألم فيها المتقاتلون من الفريقين . لأن كلا الفريقين يحمل سلاحه ويقاتل.
ولربما أتت على العصبة المؤمنة فترة لا تكون فيها في معركة مكشوفة متكافئة . . ولكن القاعدة لا تتغير . فالباطل لا يكون بعافية أبدا ، حتى ولو كان غالبا ! إنه يلاقي الآلام من داخله . من تناقضه الداخلي ؛ ومن صراع بعضه مع بعض . ومن صراعه هو مع فطرة الأشياء وطبائع الأشياء.
وسبيل العصبة المؤمنة حينئذ أن تحتمل ولا تنهار . وأن تعلم أنها إن كانت تألم ، فإن عدوها كذلك يألم. والألم أنواع . والقرح ألوان . . وترجون من الله ما لا يرجون . . وهذا هو العزاء العميق . وهذا هو مفرق الطريق. .
إن المؤمن لا يتمنى البلاء بل يسأل الله العافية . ولكنه إذا ندب للجهاد خرج - غير متثاقل - خرج يسأل الله إحدى الحسنيين:النصر أو الشهادة. . وكلاهما فضل من الله ؛ وكلهما فوز عظيم . فيقسم له الله الشهادة ، فإذا هو راض بما قسم الله ؛ أو فرح بمقام الشهادة عند الله . ويقسم له الله الغنيمة والإياب ، فيشكر الله على فضله ، ويفرح بنصر الله . لا لمجرد النجاة!
ويقول في تفسير قوله تعالى : ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة. ومن يقاتل في سبيل الله ، فيقتل أو يغلب ، فسوف نؤتيه أجرا عظيمًا ) ففي هذه الآية حث على القتال وترغيب فيه ثم يمضي السياق يحاول أن يرفع ويطلق هؤلاء المبطئين المثقلين بالطين ! وأن يوقظ في حسهم التطلع إلى ما هو خير وأبقى . . الآخرة . . وأن يدفعهم إلى بيع الدنيا وشراء الآخرة . ويعدهم على ذلك فضل الله في الحالتين ، وإحدى الحسنيين:النصر أو الشهادة.
فليقاتل - في سبيل الله - فالإسلام لا يعرف قتالا إلا في هذا السبيل . لا يعرف القتال للغنيمة ولا يعرف القتال للسيطرة . ولا يعرف القتال للمجد الشخصي أو القومي!
إنه لا يقاتل للاستيلاء على الأرض ؛ ولا للاستيلاء على السكان. . لا يقاتل ليجد الخامات للصناعات ، والأسواق للمنتجات ؛ أو لرؤوس الأموال يستثمرها في المستعمرات وشبه المستعمرات!
إنه لا يقاتل لمجد شخص . ولا لمجد بيت . ولا لمجد طبقة . ولا لمجد دولة ، ولا لمجد أمة . ولا لمجد جنس . إنما يقاتل في سبيل الله . لإعلاء كلمة الله في الأرض . ولتمكين منهجه من تصريف الحياة . ولتمتيع البشرية بخيرات هذا المنهج ، وعدله المطلق "بين الناس" مع ترك كل فرد حرا في اختيار العقيدة التي يقتنع بها . . في ظل هذا المنهج الرباني الإنساني العالمي العام. .
وحين يخرج المسلم ليقاتل في سبيل الله ، بقصد إعلاء كلمة الله ، وتمكين منهجه في الحياة . ثم يقتل . . يكون شهيدا . وينال مقام الشهداء عند الله . . وحين يخرج لأي هدف آخر - غير هذا الهدف - لا يسمى "شهيدًا ولا ينتظر أجره عند الله ، بل عند صاحب الهدف الأخر الذي خرج له. . والذين يصفونه حينئذ بأنه "شهيد" يفترون على الله الكذب ؛ ويزكون أنفسهم أو غيرهم بغير ما يزكي به الله الناس . افتراء على الله!
فليقاتل في سبيل الله - بهذا التحديد . . من يريدون أن يبيعوا الدنيا ليشتروا بها الآخرة. ولهم - حينئذ - فضل من الله عظيم ؛ في كلتا الحالتين:سواء من يقتل في سبيل الله ؛ ومن يغلب في سبيل الله أيضا،ومن يقاتل - في سبيل الله - فيقتل أو يغلب ، فسوف نؤتيه أجرا عظيمًا.
وليتك تفهم جيدا ما تعنيه هذه الأيات الكريمة
(ولا تهنو في ابتغاء القوم, إن تكونو تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما )
( وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم واخرين لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقو من شي في سبيل الله يوّف إليكم وانتم لا تظلمون)
شاكر لك استنتاجاتك التي ابهرت من حولك 
في امان الله وحفظه ... ؛؛