((
ياسمين الشام ))

{ .. جدد حياتك .. } - القسم الأول
يحتاج الإنسان بين الفينة والأخرى أن يراجع خطوات حياته وأعماله التي قام بها كما يراجع التاجر حساباته أول العام أو كما تعيد ترتيب أوراقك فترمي الأشياء التي لم تعد تحتاج إليها وتبقي ما رأيت أنه مفيد لك وساعدك في عملك..
وفي غمرة الفوضى التي قد تجتاح حياتنا أحياناً نحتاج أن نعيد ترتيب أوراقنا وأفكارنا ..ما فعلناه و ما نحن مقدمين على فعله..عندها قد ندرك أننا بحاجة أن نغير حياتنا ونقوم بعملية تجديد لها...
قد نؤجل وننتظر حدثاً ما نقرن به بدء التغيير ..وقد نيأس ونرمي كل هذه الفوضى على الظروف والحياة ..ونترك الحياة تسير كما هي دون أن نحاول مجرد محاولة أن نغير شيئاً من الأشياء التي قد تكون سيئة وتحد من تطورنا في الحياة..
وإذا كنا نملك الثقة بالنفس والرضا بقضاء الله وقدره وإدراك أن هناك كثيراً من الأشياء الثابتة التي لا يمكن أن تتغير في حياتنا وعندما نملك الشجاعة الكافية ونحارب الخوف الكامن في أنفسنا فإننا سنكون مستعدين نوعاً ما لبدء حياة جديدة..وعلينا أن نتذكر أن تغير مجتمعنا والحياة الأفضل التي نسعى إليها جميعاً تبدأ من أنفسنا ولأن تجدد الحياة ينبع من داخل النفس فقط بغض النظر عن أحوال المجتمع حولنا و أحب أن أذكر قول هنا الله تعالى:" إِنَّ اللهَ لا يُغِيِّرُ مَاْ بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَاْ بِأَنْفُسِهِمْ." وهذا يعني أن الحياة الأفضل التي نطمح إليها تعتمد علينا نحن فقط..
هناك عدة بنود أحب أن أذكرها تساعدنا في تجديد حياتنا وتغييرها نحو الأفضل ...
1- كن جاداً ..خذ فكرة التغيير على محمل الجدية ولا تتهاون بالفكرة مرة تريد ومرة لا تريد فبقدر ما نكون مستعدين للتغيير وقادرين عليه وجادين بخصوصه بقدر ما نحصد نتائج جيدة وتحيل حياتنا إلى أفضل من ذاك الذي كنا نطمح إليه ..
2- لا تقرن التغيير بموعد مناسبة ما أو عيد أو أمر تعقد عليه أهمية ما لأن أي وقت تكون فيه جاداً وصادقاً مع نفسك وتقرر أن تبدأ فيه حياة جديدة هو وقت مناسب لك لتبدأ به ..
3- اعرف أخطاءك ..عليك قبل كل شيء أن تعرف ما هي الأشياء التي تجعلك تفشل أو تجعلك غير سعيد بحياتك وعليك أن تعرف كيف تعالج هذه الأخطاء وتتفادها وهذا حتماً يحتاج جهداً مضاعفاً منك وقوة نفسية تساعدك على تخطي هذه الأخطاء..
4- أن تفشل في منتصف الطريق لا يعني أن تتراجع..
الطريق نحو حياة أفضل مليء بالمفترقات والطرق الفرعية التي توصل إلى النتيجة ذاتها وعليك أن تعرف أي الطرق يناسبك وتختار الأسرع نحو الحياة الأفضل التي تطمح لها فإذا فشلت وجدت أن أحد الطرق لا يناسبك ولا يستطيع أن يوصلك إلى ما تبغي الوصول إليه عليك أن تجرب طريقاً آخر وتفادى الأخطاء التي ارتكبتها سابقاً فهذا يوفر عليك الكثير من الوقت والجهد..
5- سر على شرع الله وأكثر من العبادة..
لا يمكن الحصول على حياة سعيدة طالما نرتكب الأخطاء والمعاصي ..فالخطوة الأولى والمهمة على طريق التغيير هي التوبة والبعد عن المعاصي وعما يغضب الله عز و جل وكل شخص فينا يعلم أخطاءه وما يرتكبه من أشياء تغضب الله جل وعلا ..قال تعالى:" بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة ،َولَوْ أَلقَىْ مَعَاذِيْرَهُ." سورة القيامة..
وأكثر من العبادة والدعاء ..فهذا يعطيك دفعاً معنوياً ويساعدك على الاستمرار إذا شعرت باليأس وبدأت بالتخاذل وادع الله بشكل دائم أن يكون معك ويعينك ويبعدك عما يغضبه لتكون حياتك أفضل وأجمل ..
6- حاول أن تجد صديقاً صالحاً يقف بجانبك ويعينك عند الشدائد فهذا أيضاً يشعرك بأهمية ما تفعل ويقويك عند لحظات الضعف واليأس..ولا تنتظر شكراً من أحد فما تفعله تفعله لنفسك وأولاً وأخيراً ويكفيك شعورك بالسعادة والطمأنينة..
7- لا تنشغل بالأمور التافهة..فالإنسان غالباً ما يبتعد عن الأمور الكبيرة ويخشى الاقتراب منها ولكن قطرات المياه التي تتجمع معاً تشكل بركة كبيرة تغرق الإنسان ومن حوله..وإرهاباً للمؤمنين من اقتراف الصغائر وخوفاً على كيانهم النفسي والاجتماعي من تجمعها أهاب النبي صلى الله عليه وسلم بأمته أن يحذرها فقال:" إِنَّّ الشَّيْطَانَ يَئِسَ أَْنْ تُعْبَدَ الأَصْنَامُ فِيْ أَرْضِِ العَرْبِ وَلَكِنَّهُ سَيَرضَى مِنْكُمْ بُِدونِ ذَلِكَ بِالمُحَقِّرَاتِ وَهِيَ المُوِبقَاتُ يَوْمَ الِقيَامَة." الطبراني..
8- حاسب نفسك كل مدة وسجل ما أنجزت من أعمال وما بقي عليك من أمور لتنجزها..
9- لا تحاول أن تكون نسخة مقلدة عن شخص تعتبره قدوة لك أو ترى فيه مثالاً للنجاح ..فالصحابة رضوان الله عليهم كان كل واحد منهم له شخصيته التي تميزه وحين سألهم الرسول عليه الصلاة والسلام عن رأيهم فيما يفعله بالأسرى عقب غزوة بدر كان رأي الحليم الصديق رضي الله عنه بقبول الفدية يخالف رأي الفاروق الحازم الذي رأى قتلهم لإثبات قوة المسلمين..
لا تبك على فائت واعلم أن الخير فيما اختاره الله وانظر دائماً نحو الأمام..متسلق الجبال الذي ينظر إلى موقع قدمه وسفح الجبل يسقط..بينما ذاك الذي يبقي نظره على القمة يصل إلى القمة ويستمتع بنجاحه
وهناك دائماً الكثير من الأشياء التي تساعدنا على تخطي الأزمات وجعل حياتنا أفضل ..وتحويل المحنة إلى منحة تساعدنا وتكون عوناً لنا

{ .. مفاتيح السعادة .. }
عندما طلب مني الأستاذ غالي الساهر أن أشارك في هذا الموضوع أول سؤال خطر لي هو ما هي الحياة الأفضل التي يطمح المرء لها ؟..وخطر في ذهني الكثير من الإجابات التي اعتقدت أن بعضكم سيجيب بها لو طرحت عليه مثل هذا السؤال..ربما يجد البعض أن توافر المال هو أفضل شيء وقد يرى آخرون أن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا وهم من يمنحون الحياة روعتها ويجعلونها أفضل وربما يظن البعض الآخر أن الحياة المثلى هي حياة يحصل فيها على مركز اجتماعي مرموق ومنصب عالٍ في عمله ....لكن لا بد من شخص يختصر كل ما ذكرت وأمور أخرى لم أذكرها بكلمتين اثنتين..(حياة سعيدة..).
و السعادة كلمة مطاطة كما يمكن أن يقال لكنها ومهما تعددت مسمياتها هي في النهاية مطمح الجميع فيراها البعض في المال أو الأولاد أو العلم الواسع أو الزوج\الزوجة الرائع\ـة
والسعادة كنز كبير ككنوز علي بابا موجودة في كهف عميق واسع له باب لا يفتحه إلا كلمة السر الخاصة به..ومن نعم الله علينا أننا جميعاً نعرف كلمة السر هذه..لأن للباب آلافاً من المفاتيح وآلافاً من الكلمات ونجن جميعاً نملك أغلب هذه المفاتيح دون أن نعلم بذلك...
والذكي من يستفيد من مفتاح ولو فقد عشرة غيره فيملك كنز السعادة كله ..فمن لا يملك المال الوفير يقنع بقضاء الله ورزقه ويحمد الله على نعم أخرى عوضه الله بها عن المال..هذا مجرد مثال لكل واحد منا أن يسقطه على نفسه ويرى ما أنعم الله عليه من أشياء عوضه بها عن أخرى حرمه الله إياها لحكمة ما ...وهذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي شريف:" مَنْ بَاتَ آمِنَاً فِيْ سِرْبِهِ،مُعَافَى فِيْ بَدْنِهِ ،عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَقَدْ حُيِّزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيْرِهَا." الدنيا بحذافيرها!!..ونحن نملك أكثر من هذا بعشرات المرات ..فكيف علينا أن نحزن أو نفقد السعادة في حياتنا؟؟
ورأيت أن هناك مفاتيح ثلاثة لا نشعر بها عند وجودها لكننا نفقد السعادة عند فقدنا لهذه الأشياء دون أن نعرف السبب..وهذه الأشياء هي.

- العمل -
منذ مدة سألت مديرة تحرير مجلة الأطفال التي أكتب لها أحياناً – وكنت ممن لا شغل لديهم آنذاك بعد انتهاء الامتحانات- أن توكل إلي عملاً ما يملأ وقتي ويبعد عني ملل الفراغ وآفاته ..حينها طلبت إلي أن أساعد في أمر ما مع بعض الفتيات..ولم تكن المدة التي عملت بها معهن طويلة لكنها منحتني سعادة لم أشعر بمثيل لها..وبعد انتهاء العمل - ولا أدري كيف مضت تلك المدة !..- شعرت أنني عشت تجربة لم أحظ بمثيلها من قبل وتعلمت أشياء لم أكن لأتعلمها في عملي وحيدة في منزلي بعيداً عن الآخرين
---
العمل سر سعادة لا يمكن أن يشعر بأهميته إلا من فقده والفراغ يأتي بشتى أنواع الأمراض النفسية التي تقضي على سعادة الإنسان وتجعله يشعر بعدم أهميته في هذا العالم وأنه عديم الجدوى ..عدا أن الفراغ يجعل المرء يقضي وقته في أشياء لا فائدة منها ويضيع وقته في أمور لا تنفع بشيء..وقد يودي به إلى المعاصي والأفعال التي لا ترضي الله عز و جل
---
والعامل له أجر عظيم عند الله عندما يكون عمله خالصاً لوجهه تعالى ويقوم بعمله على أكمل وجه كما يحب الله وكما ينبغي له أن يعمل..وفي هذا قال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام :" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه .."رواه البيه قي عن عائشة رضي الله عنها

- السير على منهج الله سبحانة وتعالى -
عندما نقوم بعمل ما على أكمل وجه نشعر برضا بالغ عن أنفسنا وبسعادة عارمة ..وعندما تصل إلى مبتغاك بطرق لا يرضى الله عنها بعد أن تكذب على هذا وتسرق من ذاك فرصته وتفعل كل شيء على مبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة فإنك لن تعرف طعم الراحة أو السعادة – إذا كان ضميرك ما زال حياً ومازلت تستمع إلى النفس اللوامة التي تؤنبك عندما تقوم بعمل لا يرضى الله عنه – ..والمعاصي تولد الحزن في نفس الإنسان دون أن يعرف سبباً لما يشعر به لكنه يسترد طعم الراحة والسعادة عندما يعود إلى منهج الله وشرعه ويتوب إلى الله توبةً نصوحاً ..قال تعالى:" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب" فكيف تطمح إلى سعادة لا تزينها طاعة الله والعمل وفق المنهاج الذي وضعه لنا لنسير عليه ؟؟.

- الهدف -
كلما أقدمت على أمر ما وعمل ما سألت نفسي سؤالاً هاماً جداً ...ماذا أستفيد من هذا العمل؟..وهل يوصلني إلى هدفي الذي أسعى إليه ؟؟.
---
الحياة ممر نعبرها إلى دار البقاء ..فحري بنا أن تكون حياتنا فيها لها خط سير محدد لا نحيد عنه ومخطط تنفيذ لمشروع حياتنا ننفذه بحذافيره ..فكيف نفعل هذا إذا لم يكن لدينا هدف نعيش لنحققه وقمة نسعى للوصول إليها..وماذا تعني حياتنا إذا تحركنا بها دون أن نشعر أننا نسير نحو نهاية محددة نرسمها في خيالنا ونعمل بكل ما أوتينا من قوة لجعلها حقيقة..حتى إذا لم نجعلها لكننا نكون قد كسبنا متعة وشرف المحاولة
---
عندما قلت أن السعادة كنز كبير فإن هناك كنز أكبر منه يدعى ( السعادة الأبدية ) وهذا لن نحصل عليه بما منحنا الله من نعم بل بالكثير من الجهد لأنها بحد ذاته هدفاً يستحق أن يقضي الإنسان حياته لأجله
---
هذه السعادة الأبدية هي جنة الله عز و جل ونعيم مقيم في الآخرة ..فكيف يكون الحصول عليها هيناً ؟؟..فالجنة عروس مهرها النفوس..وتستحق أن نبذل لأجلها الغالي والرخيص في الدنيا لأنها فانية ولا نأخذ معنا منها إلا عمل صالح قمنا به فلا مال ولا جاه يفيدنا بعد الموت...وفي هذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية و علم ينتفع به و ولد صالح يدعو له."
عسى الله أن يكرمنا بسعادة الدارين ..في الدنيا والآخرة

الصفحة التالية
V
V