بيان الحسرة عند لقاء ملك الموت بحكايات يعرب لسان الحال عنها
قال أشعث بن أسلم : سأل ابراهيم عليه السلام ملك الموت , واسمه عزرائيل , وله عينان , عين في وجهه , وعين في قفاه , فقال يا ملك الموت , ما تصنع إذا كان نفس بالمشرق ونفس بالمغرب , ووقع الوباء بأرض , والتقى الزحفان , كيف تصنع ؟ قال أدعو الأرواح بإذن الله فتكون بين أصبعي هاتين . وقال قد دحيت له الأرض فتركت مثل الطشت بين يديه , يتناول منها ما يشاء . قال وهو يبشره بأنه خليل الله عز وجل .
وقال سليمان بن داود عليهما السلام لملك الموت عليه السلام مالي لا أراك تعدل بين الناس , تأخذ هذا وتدع هذا ؟ قال ما أنا بذلك بأعلم منك إنما هي صحف أو كتب تلقى إليّ فيها أسماء .
وقال وهب ابن منبه كان ملك من الملوك أراد أن يركب إلى أرض , فدعا بثياب ليلبسها , فلم تعجبه , فطلب غيرها حتى لبس ما أعجبه بعد مرات . وكذلك طلب دابة فأتي بها فلم تعجبه , حتى أتى بدواب , فركب أحسنها . فجاء أبليس فنفخ قي منخره نفخة , فملأه كبرا ثم سار وسارت معه الخيول , وهو لا ينظر إلى الناس كبرا . فجاءه رجل رث الهيئة , فسلم فلم يرد عليه السلام . فأخذ بلجام دابته , فقال أرسل اللجام فقد تعاطيت أمرا عظيما . قال إن لى إليك حاجة . قال اصبر حتى أنزل . قال لا الآن . فقهره على لجام دابته . فقال اذكرها . قال هو سر . فأدنى له رأسه , فسّاره وقال : أنا ملك الموت فتغير لون الملك , واضطرب لسانه , ثم قال دعني حتى أرجع إلى أهلى , وأقضي حاجتي , وأودعهم قال لا والله لاترى أهلك و ثقلك أبداً . فقبض روحه , فخرّ كأنه خشبه , ثم مضى فلقي عبداً مؤمناً فى تلك الحال : فسلم عليه فرد عليه السلام , فقال إن لي إليك حاجه اذكرها في اذنك . فقال هات . فسارّه و قال : انا ملك الموت . فقال أهلاً و مرحبا بمن طالت غيبته علي , فوالله ما كان في الأرض غائب أحب إليّ أن ألقاه منك . فقال ملك الموت إقض حاجتك التي خرجت لها . فقال مالي حاجه أكبر عندي ولا أحب من لقاء الله تعالى , قال فاختر على اي حال شئت أن أقبض روحك , فقال تقدر على ذلك ؟ قال نعم إني أمرت بذلك . قال فدعني حتى أتوضأ وأصلي , ثم أقبض روحي وأنا ساجد . فقبض روحه وهو ساجد .
وقال أبو بكر بن عبدالله المزني : جمع رجل من بني اسرائيل مالاً , فلما اشرف على الموت قال لبنيه : أروني أصناف أموالى . فأتي بشئ كثير من الخيل و الإبل والرقيق , وغيره فلما نظر إليه بكى تحسراً عليه . فرآه ملك الموت وهو يبكي . فقال له ما يبكيك ؟ فوالذى خولك ما أنا بخارج من منزلك حتى أفرق بين روحك وبدنك . قال فالمهله حتى أفرقه , قال هيهات انقطعت عنك المهله . فهلا كان ذلك قبل حضور أجلك ! فقبض روحه .
وروي أن رجلا يجمع مالا فأوعى , ولم يدعْ صنفا من المال إلا ا ّتخذه , وابتنى قصرا ً , وجعل عليه بابين وثيقين , وجمع عليه حرسا من غلمانه , ثم جمع أهله وصنع لهم طعاما , وقعد على سرير , ورفع إحدى رجليه على الأخرى وهم يأكلون فلما فرغوا قال : يا نفس انعمي لسنين , فقد جمعت لك ما يكفيك . فلم يفرغ من كلامه حتى أقبل إليه ملك الموت في هيئة رجل عليه خلقان من الثياب , وفي عنقه مخلاة يتشبّه بالمساكين , فقرع الباب بشدة عظيمة قرعا ً أفزعه وهو على فراشه . فوثب إليه الغلمان وقالوا : ما شأ نك ؟ فقال ادعو إليّ مولاكم . فقالوا وإلى مثلك يخرج مولانا؟ قال نعم : فأخبروه بذلك فقال هلا فعلتم به وفعلتم : فقرع الباب قرعة أشد من الأولى , فوثب إليه الحرس . فقال أخبروه أني ملك الموت . فلما سمعوه ألقى عليهم الرعب , ووقع على مولاهم الذل والتخشع , فقال قولوا له قولا لينا , وقولوا هل تأخذ به أحدا ؟ فدخل عليه وقال : اصنع في مالك ما أنت صانع , فأني لست بخارج منها حتى أخرج روحك . فأمر بماله حتى وضع بين يديه , فقال حين رآه لعنك الله من مال أنت شغلتني عن عبادة ربي ومنعتني أن أتخلى لربي فأنطق الله المال فقال : لمَ تسبني وقد كنت تدخل على السلاطين بي , ويردّ المتقي عن بابهم ؟ وكنت تنكح المتنعمات بي , وتجلس مجالس الملوك بي , وتنفقني في سبيل الشر فلا أمتنع منك , ولو أنفقتني في سبيل الخير نفعتك . خلقت وابن آدم من تراب , فمنطلق ببرّ , ومنطلق بإثم ثم قبض ملك الموت روحه فسقط . ( وثيقين : محكمين ) .
وقال وهب بن منبه : قبض ملك الموت روح جبار من الجبابرة , مافي الأرض مثله , ثم عرج إلى السماء , فقالت الملائكة لمن كنت أشد رحمة ممن قبضت روحه ؟ قال أمرت بقبض نفس امرأة في فلاة من الأرض , فأتيتها وقد ولدت مولودا , فرحمتها لغربتها , ورحمت ولدها لصغره وكونه في الفلاة لا متعهد له بها فقالت الملائكة : الجبار الذي قبضت الآن روحه هو ذلك المولود الذي رحمته . فقال ملك الموت , سبحان اللطيف لمن يشاء !! ( الفلاة : الصحراء ) .
قال عطاء بن يسار : إذا كان ليلة النصف من شعبان , دفع إلى ملك الموت صحيفة , فيقال اقبض في هذه السنة من في هذه الصحيفة . قال فإن العبد ليغرس الغراس , وينكح الأزواج , ويبني البنيان , وإن اسمه في تلك الصحيفة وهو لا يدري .
وقال الحسن : ما من يوم إلا وملك الموت يتصفح كل بيت ثلاث مرات فمن وجده منهم قد استوفى رزقه , وانقضى أجله . قبض روحه . فإذا قبض روحه أقبل أهله برنة وبكاء , فيأخذ ملك الموت بعضادتي الباب فيقول : والله ما أكلت له رزقا ً , ولا أفنيت له عمرا ً , ولا انتقصت له أجلا ً , وإن لي فيكم لعودة بعد عودة . حتى لا أبقي منكم أحدا , قال الحسن : فوالله لو يرون مقامه , ويسمعون كلامه , لذهلوا عن ميتهم , ولبكوا على أنفسهم . ( عضادتي الباب : خشبتيه من جانبيه ) .
وقال يزيد الرقاشي : بينما جبار من الجبابرة من بني إسرائيل جالس في منزله قد خلا ببعض أهله , إذ نظر إلى شخص قد دخل من باب بيته , فثار إليه فزعا مغضبا , فقال له من أنت ؟ ومن أدخلك على داري ؟ فقال أما الذي أدخلني الدار فربّها . وأما أنا فالذي لا يمنع مني الحجاب , ولا استأذن على الملوك , ولا أخاف صولة المتسلطين , ولا يمتنع مني كل جبار عنيد , ولا شيطان مريد , قال فسقط في يده الجبار , وارتعد حتى سقط منكبا على وجهه , ثم رفع رأسه إليه مستجديا متذللا له . فقال له : أنت إذا ملك الموت . قال أنا هو . قال فهل أنت ممهلي حتى أحدث عهدا ؟ قال هيهات انقطعت مدتك , وانقضت أنفاسك . ونفدت ساعاتك , فليس إلى تأخيرك سبيل . قال فإلى أين تذهب بي ؟ قال إلى عملك الذي قدمته , وإلى بيتك الذي مهدته , قال فإني لم أقدم عملا صالحا . ولم أمهد بيتا حسنا . قال فإلى لظى . نزاعة للشوى . ثم قبض روحه , فسقط ميتا ً بين أهله . فمن بين صارخ وباك . ( اللظى : اسم من أسماء جهنم ) , ( الشوى : الأطراف ومنها اليدان والرجلان ) .
قال يزيد الرقاشي : لو يعلمون سوء المنقلب كان العويل على ذلك أكثر . ( المنقلب : المصير ) .
وعن الأعمش , عن خيثمة قال : دخل ملك الموت على سليمان ابن داود عليهما السلام , فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه , فلما خرج قال الرجل من هذا ؟ قال هذا ملك الموت . قال لقد رأيته ينظر إليّ كأنه يريدني . قال فماذا تريد ؟ قال أريد أن تخلصني منه فتأمر الريح حتى تحملني إلى أقصى الهند . ففعلت الريح ذلك . ثم قال سليمان لملك الموت بعد أن أتاه ثانيا : رأيتك تديم النظر إلى واحد من جلسائي , قال : نعم كنت أتعجب منه , لأني كنت أمرت أن أقبضه بأقصى الهند في ساعة قريبة , وكان عندك فعجبت من ذلك .
انتهى...