قناع ملوّن على وجه الحقيقة المشوّه !
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الفكرة الجميلة و هي تتجلى في الذهن و تعبق الفكر برائحتها العطرة لأجمل و أكمل و أبهى و أنقى مما ترمز له في الواقع. سواء كانت هذه الفكرة شخصا ما كالزوجة أو معنى معينا كــالطب أو العبقرية.. و لو اقتربت من ذلك الشخص لوجدته مملا، تافها. و لو لامست ذلك المعنى حقيقةً لألفيته قاسيا، خشنا !
فمثلا، لا وجود للزوجة المثالية و لا لتلك الحياة الفردوسية التي يتخيلها الشاب في أحلامه الهنيئة، الباردة، المليئة بالفيلات الفخمة المطلة على البحر و بالزوجات الفاتنات، الخاضعات اللاتي لا يتذمرن و كلهن حب و رقة و جمال.
لا وجود لكلية طب يدرس بها طلاب يرتدون بذلات سوداء أنيقة، و أنت بينهم يلمع شعرك الأسود، الأملس و تنفرج شفتاك دوما على ابتسامة فاتنة و أنت ممسك بكتب جديدة تحت إبطك و الكل يرجوك أن تتصدق عليه بمعلومة من معلوماتك النادرة و الفتيات يغازلنك و يمتدحن عبقريتك !
لا وجود لذلك العبقري السعيد الذي حيزت له الدنيا كلها كما حيز له الذكاء و النبوغ، و الذي مجده الناس من طفولته حتى شيخوخته. بل إن كلهم قد عرفوا أقسى ما عند الحياة و منهم من لم يدري الناس بوجوده حتى ابتلعته الأرض، تعيسا. و لكن العبقرية تبقى تلك الزهرة العالية جدا و التي نكتفي بالنظر إليها بانبهار !
إن النقص و الضعف و الأنانية و العدوان مرادفات مناسبة للواقع، و ما الأشعار الرومانسية و اللوحات البديعة و القصص الخيالية و المسرحيات الكوميدية إلا محاولات يائسة للفرار و للتغيير اندرجت تحت ما يسمى بالفن و الأدب. و سيظل الذهن يصوّر الكمال و يخترع الجمال و ينخدع بالصور و ما ظهر من الأحوال.. في حين أن كل شيء يسير في الواقع بنظام الترقيع و الاستعاضة، و غدا التظاهر موهبة تكتسب و علما يعلّم و منهجا يُنتهج.. فتجد التظاهر بالأدب و التظاهر بالعفة و التظاهر بالشرف و التظاهر بالإيمان و التظاهر بالنبل و التظاهر بالقرف و التظاهر بالعلم و التظاهر بالحكمة و المعرفة و الملل.. كل شيء مفبرك و مفتعل، و لو سمحوا للحقيقة بالظهور لصدمتك لتباينها و تعارضها مع ما كانت تتدثر به من جمال و رونق و بهاء.
فالخطيب يتحول- فجأة - إلى فارس أحلام و بطل مغوار و شجاع لا يشق له غبار و هو يتحدث ممسكا يد خطيبته التي تكاد تبكي من فرط الانبهار و.. السذاجة.
و الأستاذ الذي كان و هو طالب يُضرب به المثل في الغش و الاعتماد على الغير تراه يتبختر و يتحدث بفخامة و علوّ ما كان ليتحدث بهما إينشتين في محاضراته.
و الفتاة تراها تتفل و تتذمر و تلعن الرجال و تدعو عليهم بالهلاك و الدمار الشامل و بسريرها ليلا تجدها تذرف الدموع و تندب حظها العثر مع الشباب و تدعو الله في تضرع و خشوع أن يهبها ذكرا.. كيفما كان !
و كم مرة فوجئت برؤية الوجه القبيح المشوه للحقيقة، عندما ينزلق القناع فوق وجه أحدهم لأرى جزئا من.. البشاعة.
رفعت خالد