أميمة بنت أحمد الجلاهمة
بحكم تخصّصي في (مقارنة الأديان) يتوجب عليّ تجاه وطني المملكة العربية السعودية الذي أدين له بالفضل – بعد المولى سبحانه - فيما أنا عليه الآن، تسخير جلّ ما تعلمت لخدمة ديني وخدمته، وسأعمد اليوم لبيان بعض الحقائق المسلّم بها في الديانتين اليهودية والمسيحية بشأن (عطلة السبت)، لعلي أساهم بإظهار بعض الجوانب الخافية على غير المتخصّصين، داعية المولى أن تجد هذه السطور بعض الاهتمام.
بالنسبة لليهود يُعدُّ (حفظ السبت) أي ترك العمل فيه، من أهم الشعائر التي تميِّز اليهود عن غيرهم؛ فهو أساس اليهودية، ومَن لم يقرّ بالسبت فلا يُعدُّ يهودياً، ومن هنا جاءت تسميتهم (أصحاب السبت).
أما المسيحيون الكاثوليك والأرثوذكس، ومعظم البروتستنت فيحفظون يوم الأحد؛ فهو بالنسبة لهم عطلة يصلون فيه ويكثفون فيه العبادة، لكن هناك طائفة من البروتستنت رفضت هذا التوجه، واعتبرت يوم (السبت) لا الأحد يوم عطلة؛ أي أن العطلة لا بد أن تبدأ من مساء يوم الجمعة حتى مساء يوم السبت وخلال هذه الفترة يكثفون العبادة، ولذا أُطلق عليهم (الأدفنتست السبتيّون).
وهؤلاء يرون أنه لم يرد في العهد الجديد كتابهم المقدس ما يفيد تغيير شريعة السبت اليهودي، كما يقولون إن هذا التغيير جرى على يد قوة ملحدة طاغية سلبت حق الله؛ فاتخاذ يوم الأحد بدل السبت عطلة وموعداً للتجمع وللصلاة في الكنائس إنما هو من وحي الشيطان، وهم يعتقدون أن الطوائف المسيحية كسرت أهم وصية في الكتاب المقدس وهي (حفظ السبت)، وإن كل من يكسر هذه الوصية هو من أجناد الشيطان، هذا الخلاف حول إقرار عطلة السبت أدّى إلى خلاف خطير بين النصارى؛ إذ كفّر كل فريق غيره ولعنه.
والواقع يؤكد أن العالم على اختلاف ملله له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بهذا الخلاف الديني المسيحي؛ فما تشهده المذاهب المسيحية من تحوّلات في الفكر يصاحبه تغييرات في كثير من المواقف والتطلعات السياسية للدول، هذا ما يؤكده الدكتور عبد الرحمن عبد الله الشيخ؛ إذ يشير إلى إن البروتستنت (الأدفنتست السبتيون) في الولايات المتحدة الأمريكية عمدوا إلى تطبيق مضامين(العولمة) ولو بالقوة؛ فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي شنّوا حملة ضد الكاثوليك، وضد بابا روما، متطلعين في ذلك لضم أوروبا الكاثوليكية وإجبارها على التبعية للولايات المتحدة ولتعاليم البروتستنت (الأدفنتست السبتيون).
وجدير بالإشارة هنا إلى أن رئيس الولايات المتحدة السابق (جورج بوش الابن) كشف عن انتمائه الديني للبروتستنت (الأدفنتست السبتيون)، وفي عهده بالذات ارتفع الصوت الذي ينادي باعتماد (السبت) كإجازة قومية للولايات المتحدة الأمريكية، ولاعتمادها ضمن الإجازات القومية لكافة دول العالم المسيحي وغير المسيحي! بدعوى كاذبة مفادها أن توحيد الإجازة عالمياً يدعم التجارة، وهذا الرأي مردود عليه؛ إذ إن فارق التوقيت بين شرق الأرض وغربه والمترتب على دوران الأرض حول نفسها أمر جليّ لا حاجة للدلالة عليه؛ فصباحنا مساؤهم، ومساؤنا صباحهم، وقد يصل الفارق بيننا وبين طوكيو وأمريكا -على سبيل المثال- إلى أكثر من اثنتي عشرة ساعة، وبالتالي تكون مؤسساتنا التجارية على رأس العمل عندما تكون مؤسساتهم الاقتصادية مقفلة، وهذا الوضع بطبيعة الحال لا ينطبق على يوم السبت دون غيره، بل يلحق بأيام الأسبوع كافة، وعليه يستلزم ليتوافق دوامنا مع دوام غرب العالم وشرقه تغيير الدوام الرسمي لمؤسساتنا جملة وتفصيلاً، علينا لنحقق غايتهم التوجه لإقفال مؤسساتنا نهاراً وفتحها ليلاً!!
ولإظهار خطورة هذه القضية أذكر أن البروتستنت (الأدفنتست السبتيون)، يؤكدون في تفسيرهم لنص (سفر الرؤيا) -وهو أحد نصوصهم المقدسة- إلى حتمية سيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم! وفرض تفسيرها الخاص للدين المسيحي على كافة الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية وغيرهما، وكذلك فرض هذا التفسير على غير المسيحيين!
وللدلالة على ذلك سأنقل لك أيها القارئ الفاضل ما ورد في كُتيّب(هوذا يأتي)، والذي أصدرته طائفة (الأدفنتست السبتيون) في مصر؛ فهذا الكتيّب يهاجم الأمريكيين الداعين إلى اتخاذ (الأحد) عطلة رسمية بدل حفظ (السبت)؛ فقد جاء فيه: (سينخدع الناس، ويصدقون من قال إن الله قد بدّل الراحة من السبت إلى الأحد، وسيطالبون الكونجرس الأمريكي بتغيير دستور الولايات المتحدة الأمريكية، وستفرض قوانين الأحد هذه العقوبات. ستكون في البداية غرامة ثم الحبس وأخيراً الموت..
وسيطبق كل بلد على وجه الكرة الأرضية هذه القوانين.. وسينقسم العالم أجمع إلى فئتين لا ثالث لهما: حفظة السبت وحفظة الأحد)! فئتين لا ثالث لهما..! فمن أي الفريقين أنت أيها القارئ الفاضل!
وغني عن البيان أن رسولنا الكريم محمد -عليه الصلاة والسلام- حذّرنا من اتباع اليهود والنصارى والتشبّه بهم وبشرائعهم، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَتتّبِعُنّ سَنَن من كَان قَبلكم شبراً شبراً وذراعاً بِذراعٍ، حتى لَو سلَكوا جحر ضبّ لَسلَكتموه". قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فَمن؟". كما أننا مأمورون بمخالفتهم في شرائعهم.
والنهي عن تعظيم السبت أو تخصيصه بعبادة جاء في السنة النبوية بلفظ صريح؛ إذ نهينا عن تخصيص السبت بعبادة أو راحة منعاً للتشبّه باليهود الذين أُمروا باتخاذ السبت يوماً للراحة وللعبادة، كما منعوا تماماً من العمل فيه، وهو ما يدعو إليه البروتستنت (الأدفنتست السبتيون)، فعن عبد الله بن يسر -رضي الله عنهما- عن أخته، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَصوموا يوم السبت إِلاّ فيما افتُرض عليكم، وإِنْ لَم يجدْ أحدكم إِلاّ عود عنَب أو لِحاءَ شجرة فَليمضغه".