جرائم لا تزال حية: أخيرا وبعد مضي عدة عقود على الجرائم الفرنسية في الجزائر، أعلنت الحكومة الفرنسية تقديم تعويضات لضحايا تجاربها النووية في الجزائر، دون التطرق لجرائمها الأخرى في البلاد والتي سنعرض المزيد منها تباعا.
لقد جاءت تصريحات وزير الدفاع الفرنسي ايرفيه موران، يوم 27 ربيع الأول 1430 هجرية الموافق لـ 24 مارس 2009 م متأخرة، ليس ذلك فحسب بل
ومتعالية ومستخفة بالضحايا، فالعشرة ملايين يورو التي خصصتها حكومة الوزير الفرنسي للضحايا،
جاءت بقرار من جانب واحد، ودون مفاوضات لا مع دولة الجزائر ولا حتى مع الضحايا، كما لو أن الجزائر لا تزال محتلة، والضحايا لا يزالون من (رعاياها) وبالتالي فإن عديد الضحايا خضع للتحجيم، مما يؤكد بأن ضمير فرنسا لا يزال في إجازة مفتوحة، ويبدو أنه لن يستفيق في القريب العاجل.
فالعدد الذي ذكره الوزير الفرنسي لعديد الضحايا وهو (150 ألفا) كما أوردته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، لا يعبر عن الحقيقة،
حيث يبلغ ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر الملايين ولا ليس بضعة عشرات من الآلاف، وقد وصلت تلك الأضرار إلى الدول المجاورة مثل تونس التي غمرتها بعيد تلك التجارب فياضانات قتلت وشردت العشرات وتسببت في خسائر مادية وصلت المليارات.
وأكد العلماء من بينهم عالم الفيزياء النووية " التريكي "
وجود علاقة بين تلك الفياضانات وأمراض السرطان وغيرها التي أصابت المنطقة المغاربية بتلك التجارب.
وكانت فرنسا قد أجرت تجارب نووية في
صحراء الجزائر سنوات 1960 وحتى 1966 م وقد بلغ مجمل التجارب النووية المعلنة التي أجرتها فرنسا
210 تجارب.
الوزير لم يذكر الحقيقة: ما لم تذكر فرنسا الحقيقة كاملة، فإنه لا يمكنها إقناع العالم، ولا سيما الضحايا وذويهم بأنها تريد فعلا أن تريح ضميرها.
والحقيقة هي أن فرنسا استخدمت 42 ألف جزائري " مفئران تجارب " وهو ما أكده الباحث الفرنسي، برينو باريلو "سلطات الاستعمار الفرنسية استخدمت 42 ألف جزائري، فئران تجارب،
أثناء تفجيرها قنابلها النووية الأولى في صحراء الجزائر في 13 أكتوبر 1960 م وفي 27 ديسمبر من نفس العام " وقال باريلو في دراسة نشرتها المصادر الفرنسية والجزائرية قبل فترة أن " فرنسا أجرت التجربتين المذكورتين في بلدة الحمودية وجبل عين عفلى في منطقة راغان، أقصى الجنوب الجزائري ".
وتابع في ندوة عرض فيها دراسته بالجزائر ونقلت وقائعها عدة صحف جزائريه من بينها صحيفة الخبر، بل وصل صداها لمصادر أخرى حيث تحدثت عنها صحيفة أيضا صحيفة " الخليج " الاماراتية.
وقد دعم الباحث الفرنسي دراسته، بصور توضح بشاعة الجريمة ومن ذلك،
جزائريين مصلوبين، صورا تختزل حجم الدمار الذي أحدثته تلك التجارب على مستوى الانسان والبيئة. وأكد الباحث على أن " فرنسا عملت على تنويع الاهداف بما في ذلك الملابس التي زود بها الضحايا لمعرفة حجم التأثير الكارثي على كل ذلك " لتكون فرنسا ثالث قوة نووية بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
فئران تجارب: بل أن فرنسا أغرقت سفينة "السلام الأخضر"عندما حاولت منع التجارب النووية في سنة 1996 م. فإذا كان هذا فعلهم بالغربيين رغم سطوة الاعلام الحر ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان، والمحاكم الاوروبية، وغيرها من المنظمات، فكيف كانت أفعالهم بمن يعتقدون أنهم أقل منهم منزلة، بل يرفعون من شأن الحيوانات بينما لا يعيرون اهتماما لدماء الآخرين وفي مقدمة ذلك
دماء المسلمين.
نقلت موسوعة " ويكيبديا "عن المجاهد محمد بن جبار، وهو أحد ضحايا الاشعاعات النووية، أن "المنشآت التي تسلمتها الجزائر من الجيش الفرنسي لم تقتصر على المخابئ التي ردمت فيها بقايا التجهيزات والمركبات البرية والجوية التي استعملت في التجارب، وإنما أيضا محطة توليد الكهرباء التي كانت تعمل بالطاقة النووية، فضلا عن منشآت هيدروجينية، وآلاف الأطنان من المواد الحديدية والنحاسية التي لم يتم ردما وغيرها من المواد "وتابع " التفجيرات
أفرزت حالة الاحتراق والقحط التي شهدته الصحراء الجزائرية وقتل نباتها وحيواناتها، حتى أن الخراف و الابل صارت تلد وحوشا، وظهرت أمراض غريبة وسط سكان المنطقة ".
وكان عسكريون وأطباء فرنسيون قد كشفوا أن جيش بلادهم استخدم سكان المناطق الصحرواية في حقل التجارب الاشعاعية حيث وضعوا عمدا في مكان التفجيرات
دون أي وقاية، ولم يخضعوا ضحاياهم لأي علاج من تلك الاشعاعات.
وفي سنة 1985 م رفضت محكمة تولوز الفرنسية دعوى رفعها المجاهد عبدالجبار، والذي أسس بعدها جمعية ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية.
شهادات الخبراء: وفي حوار مع موقع الاذاعة الجزائرية قال الدكتور العراقي المختص في البيوتكنولوجيا وأستاذ الفيزياء النووية بجامعة وهران،كاظم العبودي "التجارب النووية الفرنسية في الجزائر مطلع الستينيات من القرن الماضي هي تفجيرات عسكرية مع
سبق الإصرار.وأن ما تجريه الدول الكبرى في الوقت الراهن من تجارب خفية مع ما تتغنى به من قوانين تحمي البشرية نابعة عندها بهوسها المطلق بالقوة، وغريزة التسلط وحكم للعالم جعلها أولى من يدوس عليها.وقال " التفجيرات النووية الفرنسية العسكرية في الصحراء الجزائرية، التي خلفت سجلا إجراميا ممتدا عبر ست سنوات في المنطقة المسماة بإقليم "توات "وفي منطقة " إيني كرم" في شمال تمنراست،
وفي أقل الأحوال نقول أن هذه التجارب مستمرة في تأثيرها الإشعاعي إلى 24 سنة قادمة، هذه هي طبيعة الإشعاع فيزيائيا، فالتجربة وإن تميزت بانحصارها زمانيا ومكانيا، فإن تأثيرها لا ينحصر، بل يمتد إلى
أحفاد الأحفاد.
أما ما تركته بصمات الجريمة على الأرض فلا يمكن الحديث عنه في حديث إعلامي، لأنه جريمة حرب مع سبق الإصرار، قام بها مشعوذون نوويون أداروا سلسلة من التجارب والتفجيرات دون وضع حسابات للمنطقة ومستقبلها ". وقال إقليم " توات "جربت فيه فقط ما بين 13 فبراير 1960م إلى أبريل 1961 م أربع تفجيرات سطحية، بعضها
فاقت تفجير هيروشيما، وفي الواقع لا نعرف مناطق الصفر التي أجريت فيها القنبلة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، هم يتحدثون عن مدى 40 إلى 50 كلم وهذه أكذوبة، لأن الذي يفجر 60 طنا يبتعد على الأقل 500 كلم أخرى، بمعنى أن إقليم " توات" طولا وعرضا في حدود 100 إلى 500 كلم مساحة،
وهي منطقة خراب نووي، ولا يمكن الحديث عن سياج يتم عن طريقه إبعاد السكان، هذا حديث خرافي لا يمكن قبوله من الناحية العلمية.
أما المنطقة الثانية التي انتقل إليها المجرمون النوويون الفرنسيون ما بين فترة الاستقلال إلى سنة 1966 م هناك حديث عن
ثلاثة عشر تفجيرا نوويا، وهناك أكثر من خمس وأربعين تجربة في منطقة حقل "بولين "استخدمت فيها قذائف البلوتونيوم ". وعن مصير النفايات النووية قال "عندما نقول النفايات النووية فنحن لا نتحدث عن أطنان بل عن مدن كاملة، فـ" رقان "كان بها مطاران عسكريان و27 ألف من القوات الخاصة والتقنيين والعلماء ومخابر البحث، وعندما هاجروا لم يحملوا معهم معداتهم وتركوها هناك، وقيل أنهم دفنوها، لكن أي مستوى للدفن فبعض الصور تكشف أنه لا يمكن دفن طائرات وبقايا بواخر ودبابات على عمق مترين في صحراء، حيث ترفع الرياح الأطنان منها كل يوم، وبالتالي كل شيء كان مكشوفا حتى لحظة استلام القاعدة من الإطارات الجزائرية،وكان كل ما فيها مشعا وأفراد الجيش الوطني الشعبي لم يكونوا يعلمون حينها في أي حقل إشعاعي يشتغلون،وأحد ضحايا تلك التجارب الأخ بن جباررئيس إحدى الجمعيات هو يشكو من أمراض عديدة
الأوضاع المعيشية في ظل الاحتلال: لقد كانت الأوضاع المعيشية في الجزائر كارثية في ظل الاحتلال الفرنسي. بما يرقى إلى جريمة حرب إضافية.
فقد ساءت أحوال الشعب الجزائري كثيرا إبان فترة الاحتلال من جراء النهب المنظم وإرهاقه بالضرائب الكثيرة والغرامات المالية المختلفة، وسلب أراضيه الصالحة للزراعة، وطرده إلى المناطق القاحلة فصارت الجزائر تعيش
مجاعة دائمة بعدما كانت تعد من أكبر الدول إنتاجا للحبوب في حوض البحر الأبيض المتوسط، ومن أخطر وأكبر هذه المجاعات تلك التي عاشها الشعب الجزائري في الفترة ما بين 1866م-1869م. وحتى يزيد الاستعمار الفرنسي في تقييد واضطهاد الجزائريين وتفكيك وحدتهم الاجتماعية والاقتصادية سن سلسلة من القوانين التي تحقق له ذلك نذكر منها (المرسوم المشيخي- السيناتوس كونسولت) لسنة 1863م الذي يهدف إلى الإعتراف بالملكية الفردية للأراضي بالنسبة للجزائريين وكذلك القانون الخاص بمنح الجنسية الفرنسية للجزائريين الصادر في يوليو 1865م
والذي ينص على إعتبار كل الجزائريين رعايا فرنسيين مع إحتفاظهم بأحوالهم الشخصية الإسلامية وعلى كل من يرغب في الحصول على المواطنة الفرنسية أن يتخلى عن أحواله الشخصية الإسلامية ويصبح خاضعا للقانون المدني الفرنسي. وكذلك هناك قانون الأهالي الصادر مباشرة بعد إخماد ثورة المقراني سنة 1871م. وكذلك قانون
التجنيد الإجباري الصادر سنة 1912م الهادف
إلى إقحام الجزائريين في حروب وسياسة فرنسا الإستعمارية مما دفع هذا بالعديد من الجزائريين إلى مغادرة وطنهم و الهجرة إلى الخارج.وكما حدث في الصين حيث خاضت بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة حروبا،
عرفت في التاريخ بحروب الأفيون، فقد خاضت فرنسا حربا أكثر فتكا من التجارب النووية ومن الجوع، وهي نشر ظاهرة انتاج وشرب الخمور في الجزائر ومنطقة المغرب الاسلامي عموما. فقد طور الأوروبيون زراعة الكروم و إنتاج الخمور، فأصبحت الجزائر وتونس والمغرب من البلدان المصدرة والمستهلكة للخمور، ويسجل المؤرخون ظهور تفسخ أخلاقي ناتج عن استهلاك الخمور من قبل الأجيال التي نشأت في ظل الاحتلال ووكلائه حتى اليوم.
http://almoslim.net/node/114106