أين يختبئ الملا محمد عمر ؟
(الشبكة الإسلامية)
إسلام آباد ـ محمود عبد السلام
عملية مطاردة زعيم حركة طالبان الملا " محمد عمر " باتت تتعقد وتأخذ منحى الضبابية ؛ رغم إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على أنها ستواصل مطاردتها له كهدف أساسي على قائمتها التي رسمتها لأفغانستان ؛ إلى أن يتم القبض عليه لتقديمه للقضاء ، على خلفية الاتهامات التي وجهت ضده ، والمتمثلة بدعمه للإرهاب وإيوائه لعناصر إرهابية من تنظيم القاعدة ، حتى ولو كلفها ذلك القضاء عليه كثمن لملاحقته فيما لو تعذر عليها الإمساك به ، فكلما توسعت رقعة القبضة الأمريكية في أفغانستان ضاقت الآمال ، وتلبدت بالغموض حول المكان الذي يتخذه ملجأ له ؛ رغم أن الصورة يجب أن تكون العكس من ذلك ، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية - بصورة مباشرة أو غير مباشرة - لتقول إنه ليس من السهولة بمكان العثور على شخص واحد في بلد وعورة تضاريسه وتركيبة طبيعته الجبلية والسكانية المعقدة والمتشابكة الاحتمالات والتوقعات هي التي تطفو على سطح واقعه ، لا سيما بعد أن اختفت معالم آثاره كلية في أفغانستان من خلال التصريحات المتضاربة والمتناقضة حول مكانه منذ انسحاب طالبان من مدينة قندهار آخر معاقلهم ، واستسلام معظم أفراد الحركة بل وتسابق بعضهم بإعلان الولاء لحكومة أفغانستان الجديدة التي يتزعمها " حميد قرضاي " على خلفيات مختلفة ودوافع شتى ، رغم الشعارات النارية التي كان أعضاء وقيادات الحركة يرفعونها ، ملوحين بمالا يقل عن 300 ألف (انتحاري) لديهم قد بايعوا على الموت ، سيقاومون أمام الوصول إلى زعيمهم محمد عمر ليحاولوا كسب شعبية مؤيدة من الخارج . وتبقى المعلومات حول المحطة التي يعتقد بأنها صارت مستقر الملا عمر الأخير كملجأ آمن تبقى متضاربة و مضطربة ، ففي الوقت الذي صرح فيه مسؤولون أفغان بأنه رهن الاعتقال في داخل أفغانستان أعلن زعيم الحكومة المؤقتة بأنه لم يعتقل بعد ، ولكنه سيعتقل آخر المطاف ، فيرى آخرون - من بينهم أتباع حاكم مدينة قندهار " جل آغا " - بأنه لا يزال في سلسلة جبال " بغران " بولاية هلمند 170 كم شمالي مدينة قندهار ، ليبدد تسليم ما يقدر عددهم بـ 1500 مسلح من أعضاء طالبان مع قادتهم في جبال بغران أنفسهم للحكومة الجديدة عملية الوصول إليه في ذات المنطقة ، رغم الآمال الكبيرة التي كانت تعول على وجوده مع مجموعة من خواصه الشخصيين في هذه المرتفعات الممتدة التي كانت تمثل آخر تجمع طالباني في المنطقة .
ورغم هذه الصورة السوداوية التي تشكلت حول العثور على الملا محمد عمر إلا أن الحديث عن إمكانية القبض عليه على المدى القريب قد صيرته شخصية شبحية أو ربما سوبرمانية لهذا القرن لتبقى رهينة التكهنات ومحض الصدفة على خلفية المفارقات التي كانت من نصيب من يلاحقه ويطارده في تضاريس أفغانستان الوعرة ـ إن كان لا يزال يعيش فيهاـ والموافقات التي حالفته كمعوقات معضلة ، قد شكلت حجر الزاوية لتحول دون وقوعه في الأسر - خلال هذه المدة التي قدرت لذلك -باعتباره غدا بعيداً عن معالم الحقيقة أو التخرص التي يمكن التعرف عليه من خلالها كغيره من الشخصيات المطلوبة دولياً أو محلياً ، خاصة وصورة شخصية حقيقية أو حتى واضحة له لم تتوفر لدى جهاز أمني محلي أو دولي ، ليتم نشرها كوسيلة أساسية يتم التعرف عليه من خلالها فيما لو تخفى وأجرى تعديلات على شخصيته باستثناء الصورة الوحيدة غير واضحة المعالم التي تمثل شخصيته الواقعية والحقيقية التي نشرت له أثناء خطابه على ظهر دبابة منذ أعوام ، الأمر الذي شكل عقبة كأداء حقيقية أمام القوات المكلفة بالبحث عنه بما فيها العناصر المحلية التي تطارده بدوافع المادة والبحث عن وسائل الاستقرار والأمن التي اعتبرت واشنطن أن تحقيقها يتطلب القبض أو القضاء عليه كشرط من شروطها الأساسية لضمان عدم قيامه بنشاطات مناهضة للبرنامج الدولي الجديد في أفغانستان ، فيما لو بقي حراً طليقاً أو على قيد الحياة ليعيد تجميع قوات حوله ويعمل ضد السياسة الجديدة في أفغانستان .
ولا يستبعد محللون بأن نشر وسائل الإعلام لصورتين قيل بأنهما للملا عمر - ولم تكونا له في الحقيقة - قد ساهم كذلك وبشكل غير مباشر في خلق جو من التمويه والسوداوية حول ملامح شخصيته الأصلية ، كما ساهمت قلة اجتماعاته ومقابلاته الشخصية في تشكيل هالة من التعتيم تكونت حوله ، فمقابلاته مع الأفغان فضلاً عن غيرهم من الأجانب كانت محدودة جداً وتجري على نطاق ضيق طيلة فترة حكمه التي قضاها زعيماً للحركة ، خاصة وقد كان من المعروفين بالانطواء وقلة الاختلاط قبل أن يتولى زعامة طالبان ، الأمر الذي يعني أن من لقيه لن يتعرف عليه بسهولة فيما لو أخذ عمر تدابير تمويهية لذلك ، لا سيما وهو لم يكن بالرجل المشهور على صعيد واسع يخرج عن نطاق قريته ، أو ربما عن حدود قبيلته ولا يستبعد المحللون أن عملية تعاطف جزء كبير من قبائل البشتون التي تتشاطر الحدود الباكستانية الأفغانية مع حركته ستشكل صورة ضبابية حوله فيما لو تبنت حقيقة عملية إيوائه وإخفائه في مناطقها الجبلية التي يصعب تفتيشها بدقة رغم أن معظمها قد تخلى عنه وعن عناصر الحركة بعد أن تعرضت بعض المناطق البشتونية إلى عمليات قصف أمريكية على خلفية إيوائها لعناصر من العرب الأفغان تنتمي إلى تنظيم القاعدة .
ورغم هذه الصورة غير المسبوقة النظير في التاريخ الحديث التي لم تتمكن من قراءتها وفك شيفرتها مخابرات عالمية لها خبراتها وتجاربها ؛ رغم تقدمها وتطورها التكنولوجي والمعلوماتي للتوصل إلى وضع نهاية لمشهد مطاردة الملا عمر إلا أن محللين مطلعين على الملف الأفغاني قد حصروا مكانه بأنه لن يتعدى :
1 - قبيلته البشتونية :
فقد كان الملا عمر يعتمد عليها أثناء حكمه طيلة السنوات الست التي قضاها كعامل قوة يستند عليه ، خاصة وجميع حراسه الشخصيين الذين كان يعتمد عليهم ينتمون لهذه القبيلة ، والذين من المفروض أن يرافقوه حتى في هذه الآونة ، ومن خلال هذه المعطيات واستناداً إلى بعض المصادر الأفغانية الخاصة بأن عملية العثور عليه ستطول أمام المخاوف القبلية التي ستضطر قبيلته أن تحسب لها حسابات مستقبلية سيدون التاريخ بأنها همشتها وتخلت عنها ، خاصة وهي تتفاخر بها وتعتبرها الأصل في حياتها التي يجب ألا تفطر بها ، الأمر الذي يعني أن عليها تقديم تضحياتها في سبيل إخفائه والمحافظة عليه فيما لو تمسكت بهذه القناعات ولم تتخل عنها أمام المتغيرات الكبيرة التي حصلت في أفغانستان والتي طالت كل شيء فيها ، وإلى ذلك رجحت مصادر أفغانية من داخل أفغانستان بأنه من المستبعد مغادرة الملا عمر أفغانستان ؛ مرجحة في الوقت ذاته وجوده لدى قبيلته كبديل وحيد ومضمون بالنسبة له بعد أن تهاوت المدن وتسابق قادة الحركة إلى التسليم ، وإعلان الولاء لحكومة أفغانستان المؤقتة ، لا سيما وهي تسكن مناطق جبلية وعرة تسهل عليها عملية إخفائه عن الأعين التي تطارده في كل زاوية داخل أفغانستان ، خاصة فيما لو أجرى بعض التغييرات على شكله الذي توصلت إليه ريش الرسامين كونه مميزاً بلحيته الكثة وعينه اليمنى المصابة .
2 – قبائل البشتون التي تتشاطر الحدود الأفغانية ـ الباكستانية :
فرغم أن سلاح الدولار الذي اعتمدت عليه الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساسي في اختصار الزمن وكسبه لصالحها ولإنجاز مهمتها في أفغانستان قد لعب دوراً كبيراً في تحقيق مكاسب ثمينة قد ساهمت في القضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان ومطاردة العرب الأفغان ، حتى داخل البيوت النائية خلال وقت قياسي حير المحللين ، إلا أن ثمة اعتقادات أفغانية تعتبر هذه الوسيلة مجالاً للشك ، قد تجدي وقد تفشل مع هذه القبائل التي لا تزال تفتخر بعاداتها مدعية بأنها لن تسمح لها بتسليم الملا عمر فيما لو احتمى بها أو التجأ إليها ، خاصة وقد أكد بعض وجهاء القبائل البشتونية بأنهم لن يسلموا الملا عمر فيما لو انحاز إليهم ، رغم أن بعض المحللين بما فيهم أفغان لا يستبعدون أن يوصل بعض الأفراد من قبائل البشتون معلومات سرية إلى القوات الأمريكية تصار إلى المكان الحقيقي الذي يختفي فيه عمر مقابل المال فيما لو تحقق وجوده لديهم ، على خلفية تسليمهم عناصر طالبانية وعربية قد فعلت وانحازت إليهم بعد انهيار حكم طالبان ، خاصة وبعض هذه القبائل قد أظهرت جدياً استعدادها لتسليمه فيما لو تمكنت من العثور عليه ، وإلى ذلك محللون يقرؤون من خلال الواقع العملي الذي مر على أفغانستان أن أحداً لن يضحي بإيوائه بعد أن رأى طائرات الـ ( بي – 52 ) العملاقة تدك قرى كاملة جراء ذلك ، الأمر الذي دفع معظم القادة إلى التسليم دون مقاومة على هذه الخلفية .
3 – الأراضي الباكستانية :
التصريحات النارية التي كان يطلقها قادة التحالف باعتبارهم أن الملاحقين في أفغانستان من القاعدة أو من زعماء طالبان قد اتخذوا من باكستان مقراً لهم على خلفية العداء ، والعلاقات غير الحميمة بينهم وبين إسلام آباد ، والتي يراها المحللون مجرد تصريحات تورط باكستان وتحرجها أمام الرأي العام والتحالف الدولي على هذه الخلفية ، الأمر الذي دفع المصادر الرسمية الباكستانية إلى النفي وبشدة أن يكون الملا عمر أو حتى أسامة بن لادن قد نجح بالفعل في التسلل إلى أراضيها ، لا سيما وهو يدرك بأنه سيسلم في حال العثور عليه في باكستان ، الأمر الذي سيجعل الملا عمر لن يحاول المجازفة وتعريض نفسه للتسليم من خلال الدخول إلى الأراضي الباكستانية حتى إلى مناطق القبائل البشتونية الواقعة في باكستان باعتباره يعلم أن الموقف الرسمي الذي وقفته إسلام آباد المؤيد للتحالف الدولي ضد الإرهاب بما فيهم حركة طالبان التي تخلت عنها باكستان رغم علاقاتها الاستراتيجية القديمة التي كانت تجمعهما ثمن هذا الموقف الذي خيرت ما بينه وبين الحركة ستسلمه بدورها للولايات المتحدة حال القبض عليه حسب الاتفاق المبرم مع التحالف الدولي ، إضافة إلى أن الملا عمر نفسه لن يخاطر بحياته ويدخل إلى الأراضي الباكستانية بعد أن أدرك تسليم رمزي و أيمل كانسي الباكستاني الجنسية للولايات المتحدة على خلفية مطالبتها بهما لإخضاعمها لمحاكمها ، إضافة إلى طردها سفير حركة طالبان السابق الملا " عبد السلام ضعيف " إلى أفغانستان كعملية تسليم غير مباشرة إلى الولايات المتحدة ، رغم أنه كان يتمتع بالحصانة الدبلوماسية ، وقد تقدم بطلب للحصول على حق اللجوء السياسي في باكستان ...
الإثنين : 14 / 1 / 2002
((وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَّا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ))