ليتنا نحبّ ، ولو قليلاً . .
حتى لا نقع فى الكراهية !
مقدمــــة
ثلاثة دوافع هى التي جعلتني أجرؤ على إصدار هذا الكتاب ، وأقول (أجرؤ) لأن كلمة الحب عندما ينطقها إنسان جاد فى بلادنا تبدو مثار دهشة واستغراب ، وكأن الحب قرين اللهو والمجون والاستهتار ، وليس جزءاً أساسياً من واقع الإنسان ، أو حقيقة من حقائق الحياة .
الدافع الأول أدبي ، وهو يرتبط بتلك الاستجابة العفوية لمجموعة الخواطر والأفكار التي تظل تتجمع وتتفاعل ، ثم تلح على الذهن ، فلا تهدأ حتى يتم التعبير عنها . والذي أملكه فى هذا المجال هو أن أقدمها فى عرْض سهل اللغة ، سريع الإيقاع ،مركز المعاني ، متنوع الأغراض لكل ما يتعلق بعاطفة الحب، وما يتفرع عنها من مواقف ، وما قيل فيها من أشعار وحكم ومأثورات، وذلك من أجل أن تتم قراءتها ببساطة، واستيعابها بدون صعوبات .
والدافع الثاني اجتماعي ، يلقى الضوء على ظاهرة الحب الموغلة فى الفردية ، ولكنها فى الوقت نفسه لا تنفصل عن واقعها الاجتماعي ، وظروف الزمان والمكان . ولما كانت مجتمعاتنا العربية قد تعودت أن تهمل هذا الجانب الحقيقي من حياتها ، بل إنها نشأت على أن تنظر إليه باستخفاف ، ولا تتحدث عنه إلا بخجل ، فقد وجدت من الضرورى – وفى هذه الفترة بالذات – أن أنبه إلى أهمية الحب فى حياة الإنسان والمجتمع ، لأنه بدون الحب . . يتزاوج الحقد والكراهية ، وتتناسل منهما مخلوقات مشوّهة كالسرطانات التى لا تدع خلية سليمة إلا دمّرتها .
أما الدافع الثالث فهو فلسفى ، يستعرض الظاهرة ويتأملها ، ويناقش ما صدر عنها من أحكام ، ويحلل ما صيغ حولها من نظريات . وقد تبيّن لى ، فى هذا المجال ، خطأ الكثير مما كتبه المشاهير ، أو شاع فى صفحات الكتب ، لذلك فإننى كنت حريصاً على أن أقدم رؤيتى بكل صراحة ، وأن أكتفى بالتعليق المختصر فى بعض الأحيان .
إننى أنتهز هذه المناسبة لأقدم التحية إلى علمائنا القدامى الذين خصصوا مؤلفات للحب فى ظروف كانت أكثر صعوبة ، وأجواء كانت أشد تزمتاً وانغلاقاً . . ومن بينهم : أبوداود الأصفهانى (296ه) فى كتابه " الزهرة " ، والديلمى (371 ه) فى كتابه " عطف الألف المألوف على اللام المعطوف " ،وابن حزم (456 ه) فى كتابه " طوق الحمامة " ، والسراج البغدادى (500 ه) فى كتابه " مصارع العشاق " ، وابن الجوزى (597 ه) فى كتابه" ذم الهوى " ، وابن القيم (751 ه) فى كتابه " روضة المحبين "، وداود الأنطاكى (1008 ه) فى كتابه " تزيين الأسواق فى أخبار العشاق " ، إلى جانب العديد من الكتّاب ، الذين تحدثوا عن الحب فى فصل أو أكثر من مؤلفاتهم ، مثل الجاحظ ، وابن قتيبة ، والراغب الأصفهانى ، وابن عبدربه ، والقلقشندى . .
كما أحيى فى العصر الحديث كلاً من الرافعى فى كتبه رسائل الأحزان، والسحاب الأحمر، وأحمد تيمور باشا فى كتابه " الحب عند العرب " ، ود. محمد مصطفى حلمى فى كتابه " الحب الإلهى "، ود. محمد غنيمى هلال فى كتابه " الحياة العاطفية " .
وختاماً ، أستطيع أن أقول إننى جمعت فى هذا الكتاب ، الذى سميته ( المختصر فى الحب ) باقة متنوعة من وجوه الحب ، تحتوى على كل الألوان ، وبها الكثير من الورود ، التى لا تخلو بالطبع من بعض الأشواك . .
الحب كالشمس
الحب كالشمس
التى لا تشرق فى اليوم الواحد مرتين
وعمرك ليس أكثر من نهار واحد ،
وليل طويل ممتد . .
حين يأتى الحب ،
افتح له على الفور كل نوافذك
وبترحاب شديد ، استقبل أشعته الدافئة ،
واتركها تغمر كل كيانك
لأنها عندما تتلاشى ،
لن تجد سوى الكثير ،
والكثير جداً ،
من الظلمة والبرد . .
التاجر والحب
أعرف تاجراً
عندما ناداه الحب رفض النداء
وراح يوسّع ويوسع تجارته ،
حتى صارت مثل التلّ
وفى النهاية ، جلس بجانبه يبكى
عندما سألته مندهشاً :
- كيف يبكى من يملك كل هذه الأموال ؟ !
أجابنى بانكسار :
- أنا على استعداد للتنازل عنها كلها
لقاء لحظة واحدة . . من الحب !
التمثال الأجوف
وصديقى الآخر ،
الذى كان مهووساً بالسلطة ،
ومن أجلها . . داس على قلبه وعواطفه
بل إنه فى غمارها ، تجرد من كل المشاعر الرقيقة
وظل يعلو ، ويعلو . .
حتى وصل إلى قمة هرم كبير
وعندما سألته !
- هل أنت الآن سعيد ؟
أجابنى على الفور :
- أنا مثل تمثال الحديد الأجوف . .
يحسبه الناس قوياً ومتماسكاً ،
لكن الريح تصفُر فيه من الداخل !
الحب يملأ الكون
مَنْ قال إن الحب من اختصاص البشر وحدهم ؟ !
الحب يملأ الكون ،
وتعرفه كل الكائنات ،
لكن العيون الضعيفة لا تراه .
أما إذا بحثت عنه جيداً ،
فسوف تشاهده
الحب بلا حدود
حاول الفلاسفة عبثاً أن يعرّفوا الحب ،
فلم ينجحوا . .
مع أنهم وضعوا تعريفاً لكل شئ
والسبب أن تعريف الشئ يجعله محدوداً
ولأن الحب بلا حدود
ولأنه لا يخضع للقوانين
فقد استعصى على كل التعريفات
وظل حراً طليقاً ، يتجول فى كل الأماكن . .
ويأتى – أو لا يأتى – فى أى زمان . .
قيل عن الحب :
- قوى كالموت !
- طاغية لا يستثنى أحداً . .
- تمساح يرقد على نهر الرغبة !
- لا يعرف القوانين !
- يتكلم بشفاه مغلقة
- يرى الورود بدون شوك
- كله عيون . . لكنها لا ترى !
- يقلل من حياء المرأة ، ويزيد من حياء الرجل
- عار ، لكنه يضع على وجهه قناعاً !
- كلما تعرى كان أقل إحساساً بالبرودة !
الوجه المضيء
قالت لى امرأة عجوز ،
تمتلك العديد من التجارب :
- لا تأمن للحب ، فإنه مثل الماء فى اليد
تحسب أنك قد أمسكت به ،
بينما هو يتسرب من بين أصابعك !
أحزننى قولها كثيراً
لكنها عادت فخفّفت عنى قائله :
- إذا حدث وحصلت على حفنة منه فى يدك ،
فاغسل بها وجهك على الفور . .
لكى يظل مضيئاً . . طول العمر !
سَكِينة الحب
ونحن صغار . .
كان لنا صديق ،
أحبته عدة فتيات فى آن واحد
ولهذا السبب ، كان يسير بيننا مختالا
أعترف الآن بأننا كنا نحسده
بل إن بعضنا كان يكرهه . .
وكثيراً ما ضايقوه ،
ونصبوا له الفخاخ ، والمقالب
لكنه كان يتجاوز عن ذلك كله ،
بفضل ما كان يتمتع به . . من سكينة الحب !
الحب كالمطر
أستطيع أن أقول : إن الحب كالمطر
ينزل على الأرض المتربة ، فيتركها ساكنة ومطمئنة
كان فى حيّنا شاب ، مفتول العضلات ،
وكان شرساً للغاية . .
كان يغضب لأدنى مناسبة ،
ويتشاجر – كما يقال – مع طوب الأرض !
وذات يوم . . قدمت إلى الحى أسرة ريفية ،
كان فيها فتاة ، غاية فى الحسن ،
ما لبث صاحبنا أن وقع فى حبها . .
أذكره الآن . .
وهو يسعى فى قضاء مصالح الأسرة كلها
ويداعب بعطف بالغ أطفالها الصغار
ولم يعد يتشاجر مع أحد !
وهذا يذكرنى الآن بما قاله فيكتور هيجو :
إن الإنسان عندما يحب . .
يظهر منه الديك ، ويختفى الصقر !
إذ ا أنت لم تعشق . .
قرأت فى كتاب " روضة المحبين " لابن القيّم ،
وهو تلميذ العالم الكبير ابن تيمية ،
بيتاً من الشعر ،
ما زلت أذكره ، وأرويه لأصدقائى ،
يقول :
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى
فقم فاعتلف تبناً . . فأنت حمارُ
أى والله . .
قيل هذا البيت ! !
ومع ذلك ، فإننى أود أن أقول لصاحبه :
إن الحمير أيضاً تحبّ !
مقبرة الحب
إذا كان الزواج هو النتيجة الطبيعية للحب
فمن المؤسف . . أنه قد يصبح أحياناً مقبرة الحب
أنا متأكد الآن :
أن مجنون ليلى لم يكن يريد لحبه أن ينتهى بالزواج
والدليل أنه كان يفعل كل ما من شأنه
أن يمنع زواجه من ليلى . .
ومن ذلك ، أنه راح ينشد الأشعار فى حبها
وتقرر عادة العرب – قديماً وحتى اليوم –
أن الأسرة ترفض زواج ابنتها
من الشاب ، الذى يعلن عن حبّه لها !
زهرتان
حلت ساعة الغروب
ونادى الحراس على زوار الحديقة أن يرحلوا . .
خرج الجميع ،
بينما ظل شاب وفتاة ، جالسيْن على أريكة ،
تحت شجرة سَرْو عتيقة
كانا يتشاكيان – بدون كلام – من ظلم الأهل ،
وقسوة الزمان ،
وقلة ذات اليد . .
وفى النهاية أقسم كل منهما للآخر
ألا يسمح لأحد ، أو لشئ أن يفرق بينهما
أغلقت الحديقة أبوابها . .
وفى الصباح ،
وجد الناس فى مكانهما . . زهرتيْن !
منادى الحب
عندما يأتى الليل ،
ويغلق الناس أبواب بيوتهم بإحكام
يخرج من قلب الظلمة مناد يقول :
- هل كل هذه البيوت تنام على الحب ؟ !
ويظل يردد السؤال ، الذى لا يجيب عليه أحد ،
حتى تظهر أول خيوط الفجر !
الشيخ العاشق
كنا مجموعة أصدقاء ،
تصافينا على المودة ،
وجمع بيننا الاحترام المشترك لأحد أساتذتنا
كان واسع المعرفة ،
عميق التجارب ،
لا يتكلم إلا إذا سألناه ،
كما كان لا ينطق إلا بالحكمة .
ومن طول صمته . .
أطلقنا عليه – فيما بيننا – لقب " الشيخ العاشق "
وحين اكتشف سرنا لم يغضب ،
بل إنه كان يشجعنا أن ندعوه به
وبمرور الزمن ،
وعندما أحيل إلى المعاش
صرنا نلتقى عنده
ونلقى لديه بهمومنا ، فيخفف منها
كما نطرح عليه أسئلتنا ، فيجيب عليها
وكانت كلها تدور . . حول مسائل الحب ، والعاطفة !!
العشاق الشجعان
فى ثقافتنا العربية
نموذجان رائعان للعلماء - الأدباء ،
الذين أعلنوا عن حبهم بشجاعة وصراحة :
ابن حزم الأندلسى ،
الذى كتب أجمل كتاب فى الحب
أسماه " طوق الحمامة "
ومصطفى صادق الرافعى ،
الذى كتب : " أوراق الورد " .
تأملات فى الحب
من أقوال شاتوبريان
إن الحب ينقص عندما لا يتنامى . .
وهذا حق .
وقال شيخنا العاشق :
- من القسوة ألا يحبنا من نحبّه
لكن هذا لا يقارن بحالنا أبداً
عندما نتوقف تماماً عن الحب !
يقول الشاعر ،
وهو غالباً مجنون ليلى :
ولا خير فى الدنيا ، إذا أنت لم تزر
حبيباً ، ولم يطرب إليك حبيبُ
من التجربة
هل صحيح أن القلب وحده هو الذى يحب ؟
الذى أعرفه
أن كيان الإنسان كله
يشترك فى تلك المغامرة . .
وجدت الذى كتب عن الحب
واحداً من اثنين :
إما متعاطف ، نظر إلى أجمل ما فيه
أو منكسر ، نعته بأبشع الصفات !
فى زرقة البحر عندما يهدأ . .
وتهادى السحاب عندما يتحرك . .
واخضرار الحقول عندما تزدهر . .
وأحياناً فى أشياء دقيقة جداً . .
مثل زهرة تنبت بجانب صخرة فى صحراء !
أو قطة ملونة العينيْن
ترقد بوداعة فى حجر طفلة صغيرة !
المريض العاشق
استدعت أسرة محترمة الطبيب الكبير ابن سينا
ليفحص حال شاب ، أضناه المرض ،
وأنهكه الهزال . .
وبخبرة طبيب محنّك ،
أمسك بمعصم الشاب ليقيس نبضه
وفى نفس الوقت ، طلب من أسرته
أن يذكروا بصوت واضح أسماء بعض فتيات الحىّ
وعندما نطقوا اسم واحدة معينة ،
نهض ابن سينا قائلاً لهم :
- ابنكم ليس مرضه عضوياً
إنه عاشق لتلك الفتاة ، صاحبة ذلك الاسم
حاولوا أن تزوجوه بها ، حتى يشفى . .
هل الحب للجميع ؟
سألت أحد المجرّبين :
- هل يحدث الحب لكل الناس ؟
فأجاب
- الحب مثل ظهور الأرواح . .
الجميع يتحدثون عنها ،
لكن القليلين فقط ، هم الذين يروْنها
أجمل الصور
أحببت فى صباى فتاة ،
كنت أراها أجمل من كل الفتيات
وأرى بيتها أفضل من كل البيوت
وإخوتها أفضل أصدقائى
وعلى الرغم من مرور السنوات ،
ما زالت صورتها . .
أجمل من كل الصور !
حبيبة دانتى
أحب كاتب إيطاليا الشهير " دانتى " فتاة
فى الثالثة عشرة ، تسمى بياتريشا
كان حباً صافياً وصادقاً وعميقاً
وعندما توفيت فى سن الرابعة والعشرين
حزن عليها حزناً شديداً
وأقسم أن يخلد اسمها للإنسانية كلها
فكتب رائعته " الكوميديا الإلهية "
وجعل بياتريشا . .
هى رفيقة البطل إلى العالم الآخر !
لحظة الاعتراف بالحب
لحظة الاعتراف بالحب
من أصعب وأشق اللحظات
على الرجل ،
لكن المرأة هى التى تجعلها أكثر سهولة !
أما اعتراف المرأة بالحب
فإنه يأتى دائماً بصورة عفوية
ويصيب فى الوقت المناسب قلب الرجل !
القول المُسكت
تأملت طويلاً فى قول
الكاتب الإغريقى يوروبيدس
" الحب للذين أكلوا . . وليس للجائعين "
وكلما حاولت أن أكتشف جانباً من الخطأ
فى هذا القول
تبرز أمامى صورة الجوع . .
فلا أستطيع !
الإنسان لا يعمى بالحب
يقولون إن الحب أعمى
الذى قال ذلك بالتحديد هو أفلاطون
والواقع أن الإنسان لا يعمى
إلا عندما تسقط عصابة الحب . .
من فوق عينيْه !
شكسبير يخطئ
من المؤكد أن شكسبير قد أخطأ عندما قال :
" إن حب الشباب لا يسكن قلوبهم
وإنما يسكن عيونهم "
أى أنه حب عابر ، وغير عميق
والواقع أن حبّ الشباب . .
قد يكون أقوى أنواع الحب
يقول المتنبى :
ولكن حباً خامر القلب فى الصبا
يزيد على مر الليالى ، ويشتدُّ
العصا السحرية
من علامات المحبين الجدد
أنهم يرغبون بشدة
فى أن يصرحوا للعالم كله
بأثر تلك العصا السحرية ، التى لمستهم . .
لكنهم عندما يرسخون فى مقام الحب
يحاولون جاهدين أن يكتموه عن الآخرين
لكى يتلذذوا به وحدهم !
الحب كالسمّ
قالت العرب :
- النساء حبائل الشيطان
وقالوا :
- أول العشق النظر ، وأول الحريق الشرر !
وقال شاعرهم :
وأُشرب قلبى حبها ومشى به
كمشْى حُميّا الكأس فى عقل شاربِ
ودبّ هواها فى عظامى وحبّها
كما دبّ فى الملسوع سُمّ العقاربِ