السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

** العمرة في رمضان **

دعا الله عباده إلى الاستباق في الخيرات ، والمسارعة إلى القربات طلباً لثوابه ومغفرته ، فقال سبحانه:

{ فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا } (المائدة 48) ،

وقال جل وعلا :{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } ( آل عمران :133) .

ومن أعظم ميادين المنافسة والمسابقة إلى الخيرات قَصْدُ بيت الله الحرام لأداء العمرة ، لما في ذلك من الأجر العظيم ،

وتكفير الخطايا والسيئات ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم- :

( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) متفق عليه ،

وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام :

( تابعوا بين الحج والعمرة, فإنهما ينفيان الفقر والذنوب, كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) رواه أحمدوغيره .

والعمرة في رمضان لها مزية ليست في غيره ، فقد جاء الترغيب فيها ، وبيان فضلها وثوابها ، وأنها تعدل حجة في الأجر والثواب ،

ففي "الصحيحين" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم-

قال لأم سنان الأنصارية حين لم يكتب لها الحج معه صلى الله عليه وسلم:

( فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معي ) .

وفي رواية أحمد و الترمذي : ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) .

وعلى هذا درج السلف الصالح فكان من هديهم الاعتمار في رمضان كما ثبت عن سعيد بن جبير و مجاهد

" أنهما كانا يعتمران في شهر رمضان من الجعرانة" ،

وروي عن عبد الملك بن أبي سليمانأنه قال :

"خرجت أنا وعطاء في رمضان فأحرمنا من الجعرانة " .

وهو ما يفسر لنا سر تنافس المسلمين في هذا الشهر الكريم في هذه الطاعة ، وتسابقهم إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الشعيرة ،

وكأنك بهذا المشهد العظيم في موسم حج كبير .

لذا كان لا بد من التذكير بشيء من أحكام العمرة ، وبيان صفتها وأعمالها وهي على الإجمال إحرام ، وطواف ، وسعي ، وحلق أو تقصير .

فإذا أراد المسلم العمرة فإنه يسُنَّ له أن يغتسل ويتطيب ، ثم يلبس ملابس الإحرام ، بعد أن يتجرد من لبس المخيط ، كالسراويل ونحوها .

ويسن للرجل أن يلبس إزارًا ورداء ، أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب ، بشرط أن تكون ساترة لا زينة فيها ؛ ويحرم عليها لبس النقاب ،

لكن إذا مر بها الرجال ، أسدلت على وجهها ما تستره به ، كما يحرم عليها لبس القفازين .

ثم يصلّي المعتمر ركعتين ينوي بهما سنة الوضوء ، وليس هناك صلاة خاصة للإحرام ؛

فإذا فرغ من الصلاة أحرم ملبيًا ، فيقول :

لبيك عمرة ، ثم يشرع في التلبية ، فيقول : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك .

وينبغي للمحرم الإكثار من التلبية ، لأنها الشعار القولي لهذا النسك ، خاصة عند تغير الأحوال والأزمان ، كأن يعلو مرتفعاً أو ينزل منخفضاً ،

أو يقبل الليل ويدبر النهار ، ونحو ذلك ؛ ويستمر في التلبية إلى أن يشرع في الطواف .

فإذا وصل إلى المسجد الحرام قدم رجله اليمنى قائلاً :

"بسم الله ، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك"

، ويدخل بخشوع وخضوع وتعظيم لله عز وجل ، مستحضراً نعمة الله عليه وفضله بتيسير الوصول إلى بيته الحرام .

ثم يتقدم نحو الحجر الأسود مبتدءاً طوافه منه ، فيستلمه ويقبله إن استطاع ، وإلا أشار إليه من بعيد بيده اليمنى قائلاً:

"بسم الله ، الله أكبر" ،

ولا يزاحم غيره للوصول إليه ، ويطوف سبعة أشواط مبتدئًا بالحجر الأسود ومنتهيًا إليه ، مكبراً مع بداية كل شوط ،

ويُسن استلام الركن اليماني في كل شوط - وهو الركن الذي يسبق الحجر
الأسود – إن تيسر له ذلك ، ولا يشرع تقبيله،

ولا الإشارة إليه عند تعذر استلامه؛ ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود :

{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) .

ويقول في طوافه ما تيسر من ذكر ودعاء وقراءة قرآن ، وليس هناك دعاء أو ذكر مخصص لكل شوط .

والسُّنَّة في هذا الطواف أن يضطبع في جميع الأشواط ، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى منه ؛ والاضطباع :

أن يبرز كتفه الأيمن ، فيجعل وسط ردائه تحت إبطه ، وطرفيه على كتفه الأيسر ، والرمل:

الإسراع في المشي مع مقاربة الخطا ؛ فإذا تمت الأشواط السبعة تقدم إلى مقام إبراهيم ، وقرأ قوله تعالى:

{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } (البقرة:125) ،

ثم يصلى ركعتين خلف المقام ، إن تيسر ، وإلا ففي أي مكان من المسجد .

ثم يتوجه بعد ذلك إلى المسعى ،

فإذا دنا من الصفا، قرأ قوله تعالى:

{ إن الصفا والمروة من شعائر الله } (البقرة:158) ،

ثم يصعد على الصفا حتى يرى الكعبة ، فيستقبلها ويرفع يديه ويدعو بما شاء ؛ وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم-:

"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير،

لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"

، يكرر ذلك ثلاث مرات ، ويدعو بينها .

ثم ينزل من الصفا متجهاً إلى المروة ، ويسرع بين الميلين الأخضرين ، من غير أن يزاحم غيره ،

فإذا وصل إلى المروة صعد واستقبل القبلة ورفع يديه،

وقال ما قاله على الصفا، غير أنه لا يقرأ {إن الصفا والمروة} مرة أخرى.

وبذلك يكون قد أنهى شوطًا من أشواط السعي السبعة .

ثم ينزل عائداً إلى الصفا ، ماشياً في موضع المشي ، مسرعاً في موضع الإسراع وهكذا حتى يتم سبعة أشواط ، مبتدأً بالصفا منتهياً بالمروة .

فإذا أتم السعي حلق رأسه أو قصره ، والحلق أفضل، وهذا في حق الرجل ، أما المرأة فتقصر ولا تحلق ،

وتقصيرها يكون بأخذ قدر أٌنملة من أطراف شعرها .

وبالحلق أو التقصير ، تكون قد تمت أعمال العمرة ، ويكون المعتمر قد تحلل من إحرامه ،

وحلَّ له ما كان محرمًا عليه من قبل من محظورات الإحرام .

وختاماً ينبغي على المسلم أن لا يضيع هذه الفرصة ، وأن يغتنم شرف الزمان والمكان ، فيكثر من نوافل العبادات والطاعات ،

وخصوصاً في هذا الشهر المبارك ، وفي هذا المكان المبارك ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -:

( صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه ) رواه أحمد ،

وليحذر كل الحذر من أي مخالفة أو معصية قد تذهب بأجره ، ويعود معها محملاً بالأوزار والآثام ،

فكما الحسنة تضاعف في هذا المكان ، فإن السيئة فيه ليست كالسيئة في غيره ، وقد قال سبحانه:

{ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }( الحج:25)،

وفي الحديث: ( أبغض الناس إلى الله ثلاثة....وذكر منهم : " ملحد في الحرم " ) رواه البخاري .

(م .إسلام ويب)