السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

** الأعذار المبيحة للفطر **

رَفْع الحرج ، وعدم إلحاق الضرر والمشقة بالمكلف من المقاصد الأساسية التي رعتها الشريعة ، وتظافرت عليها أدلة الكتاب والسنة ،

وفي ذلك يقول تعالى:

{ يريد الله بكم اليسر } (البقرة 185)

ويقول سبحانه: { يريد الله أن يخفف عنكم } (النساء 28)

ويقول: {وما جعل عليكم في الدين من حرج } (الحج 78) ،

ويقول صلى الله عليه وسلم- :

( إن الله يجب أن تؤدى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ) رواه أحمد

وفي رواية: ( إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ) رواه البيهقي وغيره .

وقد قرر أهل العلم استناداً إلى هذه النصوص عدداً من القواعد الفقهية ، التي تفيد رفع الحرج وإزالة الضرر والمشقة عن المكلف ؛ من ذلك قولهم:

"المشقة تجلب التيسير" ، وقولهم: "الضرر مدفوع شرعاً" ، وقولهم: "الأمر إذا ضاق اتسع" ،

ونحو ذلك مما أصله الفقهاء في قواعدهم الفقهية.

وصيام رمضان وإن كان فرضاً على كل مكلف عاقل بالغ ، إلا أن هناك بعض العوارض والأعذار التي قد تطرأ على المكلف ،

فتصرف عنه حكم الوجوب ، ويباح له الفطر حينئذ ، وربما وجب في حقه كما في حالات معينة ،

وهذه العوارض هي ما يعرف بـ"رخص الفطر" أو "الأعذار المبيحة للفطر" ومنها :

أولاً: المرض

والمرض تغير يطرأ على الإنسان يخرجه عن طبيعته السوية ، وهو من الأعذار المبيحة للفطر لقوله تعالى:

{ فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر } (البقرة 184) ،

وضابط المرض المبيح للفطر هو المرض الذي يخاف معه الضرر والهلاك ، أو يلحقه به مشقة شديدة تزيد في مرضه ،

أو تؤخر برءه وشفاءه ، فهذا هو الذي يجوز الفطر معه ، ويقضي ما أفطره عند زوال عذره ،
أما المرض الذي لا يلحق الصائم معه ضرر أو مشقه ، كمن به وجع ضرس أو أصبع أو نحو ذلك فلا يرخص له في الفطر .

ثانياً: الكبر

الشيخ الكبير والمرأة العجوز يرخص لهما في الفطر ، لعدم القدرة على الصيام ،

ولا قضاء عليهما إذا كان الصيام يشق عليهما مشقة شديدة في جميع فصول السنة ،

وعليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً ،

لقوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } (البقرة 184) ،

قال ابن عباس :

"الآية ليست منسوخة ، وهي للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا" ،

ومثلهما المريض مرضاً لا يرجى برؤه ، ويشق عليه الصوم ، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً .

ثالثاً: الحمل والرضاعة

اتفق الفقهاء على أنه يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ، لقوله - صلى الله عليه وسلم-:

( إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحبلى والمرضع الصوم ) رواه النسائي وغيره ،

ويجب عليهما قضاء ما أفطرتا من أيام أخر ، حين يتيسر لها ذلك ، ويجب التنبه هنا أن مجرد الحمل والرضاعة لا يبيحان الفطر في رمضان ،

وإنما الذي يبيح الفطر هو خوف الحامل والمرضع على نفسها أو ولدها .

رابعاً: السفر

المسافر إذا لم يقصد بسفره التحيل على الفطر ، فإنه يرخص له فيه ،

لقول الله تعالى: { فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر } (البقرة 184) ،

ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم:

( إن الله وضع عن المسافر الصوم ) ،

والسفر المبيح للفطر هو السفر الطويل الذي تقصر فيه الصلاة الرباعية ، ويجب عليه القضاء بعد ذلك ،

وهو مخير في سفره بين الصوم والفطر ، لقول أنس رضي الله عنه - كما في الصحيحين - :

" سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " ،

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال :

" كانوا يرون أن من وجد قوة فصام ، فإن ذلك حسن ، وأن من وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن " .

خامساً: دفع ضرورة

يرخص الفطر - وربما يجب - لدفع ضرورة نازلة ، كإنقاذ غريق ، أو إخماد حريق ، ونحو ذلك ، إذا لم يستطع الصائم دَفْع ذلك إلا بالفطر ،

ويلزمه قضاء ما أفطره ، ودليل ذلك عموم الأدلة التي تفيد رفع الحرج ودفع الضرر ، والقاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ومثله ما لو احتاج إلى الفطر للتقوي على الجهاد في سبيل الله ، وقتال العدو ، فإنه يفطر ويقضي ما أفطر ،

سواء كان ذلك في السفر أو في بلده إذا حضره العدو ، وفي صحيح مسلمٍ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال :

سافَرْنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - إلى مكةَ ونحنْ صيامٌ فنَزلْنا منْزلاً ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلّم -:

( إنكم قد دَنَوْتم مِنْ عدوِّكم والْفِطرُ أقْوى لكم ) فكانتْ رخصةً، فمِنَّا مَنْ صامَ ومنا مَنْ أفْطر ، ثم نزلنا منزلاً آخرَ ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلّم-:

( إنكم مُصَبِّحو عدوِّكم والفطرُ أقوى لكم فأفْطرِوا وكانتْ عزمْةً فأفْطَرنا ) .

هذه هي أهم الأعذار المبيحة للفطر شرعها الرؤوف الرحيم بعباده، رفعاً للحرج عن العباد ، ودفعاً للضرر والمشقة عنهم ،

منها ما يُلْزم صاحبها بقضاء الأيام التي أفطرها كما في حق المسافر ، والمرضع ، والحامل ، والمريض مرضاً يُرجى شفاؤه ،

ومنها ما لا يلزمه قضاء تلك الأيام كما في حق الكبير ، والمريض مرضاً لا يرجى شفاؤه ، وإنما تلزمهم الفدية فقط ،

وهي إطعام مسكين عن كل يوم أفطروه ،

وأما الفطر في رمضان من غير عذر فهو من كبائر الذنوب التي ورد الوعيد الشديد تجاه مرتكبها ، والله أعلم

(م.إسلام ويب)