زوبعة حرق المصاحف التي انتهت إلى لا شيء أبعد من أن تكون إسلام فوبيا، والمسألة لا علاقة لها بهجمات الحادي عشر من أيلول، فقد كان المجتمع الأميركي أكثر تسامحا عقب تلك الهجمات منه الآن، إذا المسألة وليدة عمل منظم، لا يقتصر فعله وتأثيره على الولايات المتحدة، بل يشمل كل الغرب، فلا فرق بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حين تكرم صاحب الرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبين القس تيري جونز ، فالمستشارة الألمانية تكرم رسام موتور بحجة شجاعته وصموده أمام التهديدات التي تعرض لها، وإصراره على تمسكه بـ "حرية الرأي"، في حين أن القس جونز كان يعتزم حرق نسخ من المصحف الشريف بحجة معاداة الإسلام المتطرف، كلاهما يؤدي عمله الى الطعن في الإسلام، بعيدا عن التبريرات الواهية للمسشارة الألمانية في أنها تكرم شجاعة الرسام الدانماركي كيرت فيسترجارد الذي اعد رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي اغضبت المسلمين عام 2006. وبعيدا عن التبريرات الأوهن للقس جونز في أنه يقف بوجه الإسلام المتطرف الذي ضرب الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول. فكلاهما ينتمي الى مدرسة معاداة الإسلام؛ المستشارة تعبر عن مكنونات صدرها بطريقة دبلوماسية ناعمة، كونها سياسية، والقس يعبر عن مكنونات صدره بأفعال فجة، لأنه ليس سياسيا وغير مضطر لتجميل أفعاله. فالمستشارة بتكريمها للرسام الدانماركي ترتدي ثوب القس جونز، والقس حيت يحرق نسخاً من المصحف، يقوم بدور المستشارة التي لا تدرك بعد نتائج هذه الفعلة التي تهين بها ربع سكان الأرض، خلاف الإدارة الأميركية التي كانت أكثر نضجا من ميركل حين تناوب ساستها على إدانة اعتزام القس جونز حرق المصحف متنصلين من فعلته مما أضطره في النهاية الى التراجع، في حين قامت ميركل وأمام عدسات الإعلام بتكريم صاحب الرسوم المسيئة.
لو كانت المستشارة الألمانية تؤمن فعلا بحرية الرأي وتقدسه كما تدعي، فلم لا تسمح لتلك الحرية بدراسة مزاعم الهولوكوست، وليس نفيه، فلربما يتضح أن عدد اليهود الذين قتلوا في المحرقة المزعومة أكثر من ستة ملايين أو أقل، فهل حرية الرأي لا تتسع لدراسة حدث تاريخي لم يمض عليه أكثر من قرن، في حين أن حرية الرأي تتسع للمساس بديانة يعتنقها ربع سكان الكرة الأرضية، إذا حرية الرأي التي تلطت بها المستشارة الألمانية ليست سوى ذريعة واهية تخفي خلفها حقدها على الإسلام، فإزدواجية المعايير تفضح كذبهم ونفاقهم الفج.
واذا كان الغرب يؤمن حقا بحرية الرأي فلم لا يسمح لأتباع ديانة كالإسلام بممارسة شعائرهم وفق معتقداتهم، من بناء مساجد ومآذن، ولبس الحجاب وحتى النقاب، في حين يسمح لليهود مثلا بوضع القلنصوة على رؤوسهم، ويسمح للراهبات بلبس لباسهن التقليدي المعروف، ولم يخشى الغرب إنتشار الإسلام في مجتمعاتهم ولا يخشون تغلغل النفوذ اليهودي في مفاصل حياتهم السياسية والاقتصادية والإعلامية.
إذا فهي ليست قضية إرهاب ومحاربته، وتعصب لمواجهته، وتطرف لمقاومته، كذلك ليس هو فوبيا الإسلام .. أنه معاداة الإسلام فحسب، لأنه عقيدة ودين ينسف كل ما قامت عليه حضارتهم الغربية المبنية على اقتصاد الربا المحرم في المسيحية كما هو محرم في الإسلام ، لكنه العامود الفقري للفكر الاقتصادي اليهودي حتى قبل أن يتنزل الإسلام، لذلك يقاوم الغرب العلماني الإسلام، لأن الغرب بعد أن حرفت اليهودية مسيحيته إلى بروتستانتية، لم يعد غربا دينيا.