"جوانتانامو مصر" قبور تحت الأرض وجدران تؤرخ المأساة
مفكرة الاسلام: رسمت صحيفة مصرية، صورة كئيبة للمشهد من داخل مقر جهاز مباحث أمن الدولة بلاظوغلي بوسط القاهرة، والذي كان هدفًا لمظاهرات حاشدة هذا الأسبوع من جانب المئات، للحيلولة دون إحراق أو إتلاف أية وثائق للتغطية على الانتهاكات في عهد النظام السابق.
ورغم تفريقهم من قبل قوات الجيش المسئولة عن تأمين المكان، إلا أن المئات من المتظاهرين عادوا مساء يوم الاثنين مصرين على دخول المقر الأكثر شهرة للجهاز الذي أرعب مصر طوال ٣٠ عامًا من حكم الرئيس السابق حسني مبارك، والذي ينسب إليه المصريون ارتكاب عمليات تعذيب وحشية ضد الإسلاميين خصوصًا.
وكانت القوات المسلحة سمحت لعدد من المتظاهرين بتفقد المبنى في النهار خلال تسليمه للنيابة العامة، لكن روايات الخارجين منه جاءت متباينة وأثارت قلق المتظاهرين الذين أرادوا التأكد من عدم وجود معتقلين أو عمليات تدمير وثائق تجرى بالداخل.
وقالت صحيفة "المصري اليوم" الأربعاء، إن القوات المسلحة وافقت على دخول ١٢ شخصا إلى المبنى فى محاولة أخيرة لطمأنة المتظاهرين قبل حلول موعد حظر التجول، لكنها اشترطت عدم تصوير أي شيء بالداخل بناء على تعليمات النيابة العامة، فسلم أعضاء الوفد ما بحوزتهم من هواتف وكاميرات.
وبحسب الصحيفة، فإن المتظاهرين داخلوا في مفاوضات عصيبة لتحديد أعضاء الوفد الذي سيسمح له بالدخول، بحيث يمثلون "الإخوان المسلمين" والسلفيين وائتلاف شباب الثورة والمستقلين والمعتقلين السابقين والصحافة، وكان الأصعب حديث من دخلوا هذا المقر من قبل ويعرفون دهاليزه، لتجرى حوارات مثل: "إنت قعدت قد إيه جوة؟ سنتين؟ أنا قعدت ٤ سنين"، ليتدخل آخر حاسمًا الجدل: "أنا عشت هنا ٨ سنين".
ورصدت الصحيفة رحلة الدخول إلى المقر العتيق الذي يتكون من مبنيين أحدهما قامت النيابة العامة بتشميعه والتحفظ عليه لاحتوائه على وثائق مهمة، كما يحتوى على سجن مغلق من ٣ أدوار تحت الأرض، أما المبنى الآخر يضم مكاتب إدارية وسجنين فوق وتحت الأرض، وهو الذى سمح للمتظاهرين بدخوله، كما قامت النيابة العامة بتشميع بوابة تربط بين مقر الجهاز المغلق ومبنى وزارة الداخلية المجاور الذي يتواجد به بعض موظفيها حتى الآن.
وقالت إن أول ما لفت أنظار الذين سمح لهم بالدخول كانت أكوام الورق المفروم التى تملأ مقر الجهاز في محاولة أخيرة لإخفاء ما يمكن أن يكشف أنشطته وممارساته، بينما انتشرت الوثائق التي تم تدميرها في جراج المبنى وعلى السلالم، وفي المكاتب الإدارية وبدت أيضا من بوابة المبنى الذى شمعته النيابة العامة.
لكن اللحظة المنتظرة- جاءت وكما تروي الصحيفة- عندما اقترب الوفد من دخول السجن "الملاكي" الذى أداره وزير الداخلية السابق حبب العادلي تحت الأرض بعيدًا عن القانون وسلطة القضاء.
وأضاف الصحفي الذي رافق المجموعة "نزلنا عبر سلم وممرات ملتوية إلى الأسفل طالما روى نزلاء لاظوغلي أنهم اجتازوها معصوبي الأعين مع فاصل من الضرب"، ووصف الزنازين بأتها "مجرد قبور خرسانية لا تزيد مساحتها على مترين غير مجهزة بأى شيء على الإطلاق، وعلمنا أنها كانت تحوى فقط "جردلين" (دلو)، واحد به مياه للشرب، والآخر لقضاء الحاجة".
أما جدران زنازين "جوانتانامو مصر"، وكما يصفها الصحفي فحملت شواهد الألم، حيث عشرات الرسوم والكتابات تنتشر على الجدران لتسجل معاناة أصحابها في ليالي الظلام والتعذيب، وهي كتابات لمعتقلين منذ التسعينيات، غلب الطابع الإسلامي عليها، كآيات قرآنية وأقوال مأثورة عن الظلم وعاقبة الظالمين، كـ "ولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة"، ورسائل كتبها المعتقلون لمن سيأتون بعدهم تدعوهم إلى الثبات والصبر لأن "الجنة غالية" وحيل بدائية تعينهم على احتمال الحياة فى الداخل كما فعل أحد المعتقلين الذى سجل التاريخ وأيام الأسبوع منذ دخوله على الحائط يومًا بيوم حتى لا يفقد إحساسه بالزمن في زنزانة يستمر ليلها ٢٤ ساعة.
ولم تخل جدران عنبر الحبس الانفرادى تحت الأرض من لوحات وأعمال فنية بسيطة تعبر عن أصحابها، كرسم يصور رجلا يصلي لله ويقول "يا رب"، أو حتى دعابات وتحية من المعتقلين الإسلاميين ترحب بـ "الأسد الشبراوي" الذى يبدو أنهم كانوا ينتظرون وصوله.
وفي نهاية الرحلة عثر الوفد على مكتبة تخص أحد المعتقلين يبدو أنها نقلت من بيته للتحقيق معه بشأن أفكاره وتبعثرت محتوياتها على الأرض، وما كان لافتاً للنظر بين الأوراق هو شهادات تقدير تؤكد تفوق صاحب المكتبة فى عمله ودراسته، وبطاقة انتخابية حمراء، تكشف إيمانه بالديمقراطية والتغيير عبر صناديق الاقتراع.
وعلق الصحفي قائلا "ربما كان هذا تحديدًا ما دفع العادلي ورجاله إلى اعتبار الرجل مجرمًا يستحق العقاب في قانون "لاظوغلي".
وكانت العديد من مقار "أمن الدولة" الجهاز الأمني واسع النفوذ في مصر قد تعرضت خلال الأيام الماضية لهجمات من قبل مواطنين غاضبين من عمليات القمع والتعذيب التي قالوا إنه كان يمارسها على نطاق واسع إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
واستولى المحتجون الذين اقتحموا 11 مقرًا من مقار "أمن الدولة" في أنحاء البلاد على وثائق استنادا إلى مخاوف من أن الضباط ربما يتخلصون منها للتغطية على الانتهاكات التي كان يرتكبها جهاز أمن الدولة.
ويطالب المتظاهرون منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك بحل جهاز أمن الدولة الذي يتهمونه بالمسئولية عن الاعتقالات والتعذيب في صفوف المعارضة ويؤكدون أن نفوذه استشرى في عهد الرئيس السابق.
وطلب المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شئون البلاد من المواطنين تسليم أي وثائق تخص جهاز أمن الدولة للقوات المسلحة فورا لاتخاذ ما يلزم حيالها من إجراءات. وأكد في بيان أن عدم تسليم تلك الوثائق سيعرض من يحتفظ بها للمساءلة القانونية.
وحث المجلس المواطنين على عدم تداول تلك الوثائق عبر وسائل الإعلام والاتصال لما قد يعرض ذلك أمن البلاد للخطر.
http://www.islammemo.cc/hadath-el-saa/Entefadat-Masr/2011/03/09/118773.html
احم احم
